DELMON POST LOGO

قراءة في كتاب" مكية بنت منصور"سيرة الملاية أم عيسى (١٩٤٠-٢٠١٢)‍‍‍

الكاتب
كتب:مهدي مطر
صدر حديثاً عن مركز أوال للدراسات والتوثيق كتاب"مكية بنت منصور" للدكتور علي الديري، وهو عبارة عن سيرة الملاية الحاجة مكية بنت الحاج منصور العكري( قرية الديه)، مملكة البحرين،
الكتاب من ١٩٦ صفحة من الحجم المتوسط وطباعة فاخرة ويتضمن مجموعة صور لمقتنيات صاحبة السيرة وتعريف بما احتواه الكتاب باللغة الانجليزية.
عرفنا الدكتور علي الديري من خلال عدة إصدارات، من ضمنها كتابة سِير لنساء ورجال البحرين، من هذه الكتابات سيرة أم السادة معلمة القرآن الحاجة خديجة بنت علي العكري( الديه)، وسيرة سلامة سلوم( الدير) جدة الكاتب، وسيرة معلمة القرآن الحاجية تقية بنت عبدالله بن عيسى(الدير) وطواش الدير(سيرة بيت الطواش الحاج عبدالله بن عيسى).
ما أن استلمت الهدية الجميلة من بنات الخالة،وأعني بها كتاب سيرة الخالة العزيزة مكية عليها الرحمة، ما أن استلمت الكتاب انكببت على قراءته، وأنا غارق في تفاصيل السيرة.
في البدء أود التنويه أن بنت الخالة الدكتورة فريال الدعيسي طلبت مني المشاركة في الكتابة في كتاب يعملون إصداره يتناول سيرة الوالدة الخالة أم عيسى،وإن الكاتب الدكتور علي الديري من سيتولى صياغة الرواية، السيرة.
الآن وبعد صدور الكتاب، وأنا أتصفح السيرة وأتلمس كلمات الحب من أحبة ومعارف الخالة أم عيسى، عليها الرحمة، الآن أشعر بتقصير بعدم المشاركة، ولا أعرف السبب، هل هو تقصير؟، عدم حضور الكلمات وقتها؟
نبدأ مع الدكتور علي الديري، رحلة" سفر" مكية أم عيسى بدءاً من البيت الكبير، بيت الحاج منصور بن محمد العكري.
يقول الشاعر يوسف حسن  في كتابه " ذاكِرة الزمن المنسي"
" الحقيقة أن هذا البيت الواسع الفاره بحديقته النخلية الملحقة بمعايير ما قبل الطفرة النفطية،لم تُغلق أبوابه قط في وجه أي من قصاده أو زائريه،فقد كان موئلاً ومثابةً للضيفان والوجهاء ورجال الدين والوافدين من القرى والبلدات في البحرين وخارج البحرين". انتهى الاقتباس.
بالنسبة لنا وفي سنوات الصبى، أجمل الأوقات تلك التي نقضيها في بيت جدنا مع عودته من الديار المقدسة،بالمناسبة كان لي حضوة السفر مع جدي برفقة الوالدة عليها الرحمةمطلع الستينيات من القرن الماضي وعمري لم يتجاوز ست سنوات،ولا زالت الذاكرة تحتفظ ببعض المشاهد من تلك السفرة بدءاً برحلة اللنج من فرضة المنامة إلى الخبر( السعودية)، فضلاً عن ذكريات الزيارة وخان أم راضي ولا أتذكر من رافقنا في تلك الزيارة سوى جدي والوالدة.
هذا البيت الأول الذي تربت فيه الخالة أم عيسى في ظل رعاية والدها الحاج منصور ووالدتها مريم بنت يوسف سلمان .
أختها الكبرى الوالدة فاطمة" فطوم" هكذا يحلوا لنا تسميتها،وهي البنت البكر للحاج منصور ومريم بنت يوسف، وأخوانها ملا حسن أبو عبدالنبي، والشيخ محمد علي العكري" الحاج أحمد" والحاج عيسى وعلي وجعفر وزينب، وأخت تُسمى " أمينة" وسأتي على المزيد من التفاصيل ضمن سياق الحديث.
البيت الأول الذي يقع على شاطئ قرية الديه، بيت يزوره البحر عندما تأتي " ماية هلال"، اشتراه الجد الحاج منصور من عائلة من المحرق تُسمى " بن شمس"، كانوا يستخدمونه لقضاء الصيف بعيداً عن حر المدينة.
نتحدث عن أم عيسى ونغوص في " سفرها" ، كنا صغارا منذ وعينا ونما فهمنا، وأمامنا العمة مكية أم عبدالنبي والخالة  مكية أم عيسى،بيت خالتي أم عيسى محاذي لبيت أخي الحاج علي مطر، لم يتجاوز عمري بعد ثماني سنوات، وألحظ صورة أخي الحاج علي مطر  وصورة أخي الدكتور خليل مطر وأتساءل صور الأخوة الحاج علي وخليل في بيت خالتي ولا صور لدينا..وأجيب على تساؤلي أن مرد ذلك لمعزة خالتي لأبناء أختها.
من الصفحات في تاريخ العائلة والخالة أم عيسى، ألخالة " أمينة"، تزوجت من سيد حسن سيدأحمد الحليبي في المنامة في منتصف أربعينيات القرن الماضي ولكن كان عمرها قصيراً، عندما توفيت كانت حامل في الشهر السابع ، يقال بأنها مشيت من المنامة إلى الديه وهي حامل ،يُحدثني الصديق سيد فاضل الحليبي، "والدي سيد حسن الحليبي وقبل الزواج من أمي،تزوج خالتك أمينة"، ويسترسل فاضل، حدثنا الوالد عن زواجه الأول الذي لم يدم طويلاً، حيث توفت بعد سنتين  ،كانت خالتكم كلما شعرت بالوحدة والغربة تذهب للديه مشياً على الأقدام.." والدي حزن عليها حزناً جما كما أعلمنا وظل ممتنعاً عن الزواج عدة سنوات بعد وفاتها، كما ظل التواصل مع جدكم العكري، وخالك الشيخ محمد علي العكري كان التواصل معه لسنوات طويلة من قبل الوالد بسبب وجود دكانه سوق المنامة القديم ، ولعمل الوالد في سوق اللحم القديم بالمنامة .
ومن تراجيديا " أمينة" إلى " سفر أم عيسى"،
خالتي أم عيسى تعشق السفر للأماكن المقدسة، كربلا، النجف، مشهد ، بيت الله..
نسأل أين خالتي أم عيسى؟ خالتك مسافرة للزيارة..، نعم هي من عشقت "سفر الحسين" ورحلة التضحية، وكما تقول بتول العلوي " أم عيسى متيمة بالحسين".
وكما يُقال الحياة أفراح وأتراح، من محطات الحزن في حياة أم عيسى، الرحيل المبكر لأبوحسين علي يعقوب، وهو زوج البنت الكبرى مهدية،
محطة أخرى، رحيل الحفيد" هيثم طارق الحسن" وهو في مقتبل العمر، وكان يوم الحادي عشر من محرم وقرية الديه تستعد للعزاء وبيت أبوعيسى والعائلة يستعدون للاحتفاء بالمعزين ورواد الموكب الحسيني كعادتهم.
رحل الحفيد " هيثم " ذو خمسة عشر ربيعاً وترك حزناً وحسرة في قلب الأم " مريم" والجدة والعائلة..
أيضاً من محطات الأسى ، اعتقال إبن الخال الدكتور علي العكري عام ٢٠١١، أتذكر كلماتها " الله يفرج عن أبو حسن"، نعم كانت تعيش القلق على مصيره.
بين فترة وأخرى أحرص على زيارتها، ولو زيارة قصيرة،بعد عودتها من رحلة العلاج من بريطانيا، زرتها، استقبلتني بالأحضان على غير العادة، تسأل عن الزوجة، تسأل عن البنات، هل كان شعورها إنه اللقاء الأخير..؟
أطوي الكتاب والسيرة وأترحم على خالتي أم عيسى وكل الأحبة من غادروا دنيانا وأردد مع الشاعر أبوالعلا المعري:
صاح هذي قبورنا تملأ الرحب
فأين القبور من عهد عاد..
كلمة أخيرة شكراً أبوباسل لإهدائنا هذه السيرة، شكراً الدكتورة فريال وبنات الخالة والعائلة لجهودكن لتوثيق  سيرة الخالة الوالدة أم عيسى.