DELMON POST LOGO

ولاية الفقيه ... التاريخ والدين والسياسة

الفروق بين الاصوليين والاخباريين لاتزال قائمة مع فوارق الزمن

النراقي اول من ابتدع ولاية الفقيه والنائيني اول من شرعها والخميني طبقها

كتب - محمد الغسرة

الفكرة الاساسية التي يميز الشيعة عن باقي المذاهب الاسلامية هي فكرة الامامة ، اي القيادة السياسية والدينية ، فالامامة وحاملها نفسه نصبهما الله عن طريق نبيه ، وسلطة الامام تشمل الارض كلها ، فالاشياء كلها ملك الامام ، وله الخمس مما يكسبه الناس من اعمالهم .

سيبقى هذا النظام قائما الى ان ياتي زمان " الامام الغائب" وعندئذ سيتولى الارض بنفسه ويوزها على جميع المؤمنين.

وان الائمة الذين يحكمون العالم باسم الله بعد نبيه الامام علي وذريته من الحسين الى المهدي الذي اختفى سنة 260 هجرية ، والشيعة ينتظرون رجوعه.

من ذلك " الدولة \ السلطة تظل غصبية منذ انفلاتها من حيز الشرعية اي منذ انصرافها عن اصحابها الشرعيين " الائمة الاثني عشر" مما ينعكس لك على جميع المعاملات مع السلطة" .

لذا فان موقف الامام المهدي " ان ملوك الزمان اذ ذاك كانوا يعرفون من راي الائمة التقية ، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة " ، مما يعني ارجاء  " ازالة دولة الباطل واقامة الحق الى حين ظهر الامام المهدي" .

الاصولي والاخباري

كان الشيعة يعتمدون في تدوين الحديث على الائمة من ابناء الحسين والمتناقله عن الائمة منذ الامام علي 40 هجرية حتى غيبة الامام المهدي الكبرى 329 هجرية ، ويبثون احكام الدين بين شيعتهم استنادا على النصوص الدينية الموثوقة  والقطعية الدلالة والمتناقلة عبر سلسلة تنتي الى الرسوم الاكرم والتي تعرف بالاصول الاربعمائة.

مع التشديد على نبذ الاجتهاد بوصفها اعمال ظنية ، مما جعل دور ائمة الشيعة على تداول وتعميم الاحاديث النبوية المروية عن طريق الائمة 12 ،كتابة ومشافهة.

في الوقت الذي بدأ المذاهب الاسلامية الاخرى تلجأ الى الاصول العقلية في التوصل الى الاحكام الشرعية التي لم يرد فيها نص قطعي من الكتاب والسنة.

ولكن بعد الغيبة الكبرى سنة 329 ، برزت الحاجة الى تدوين الاحاديث بعد انتهاء عصر النص " باختفاء الامام 12 " ، وبعد ان تبلور المذهب الامامي الاثني عشري انذاك ، وقد اخذ خمسة من الفقهاء بتدوين الاحاديث تلك خلال اربعة كتب رئيسية في المذهب الشيعي لحد الان وهي :

"الكافي – الفروع والاصول" للشيخ محمد بن يعقوب الكليني

"من لا يحضره الفقيه" للشيخ محمد بن علي القمي "الصدوق"

" التهذيب" للشيخ محمد بن حسن الطوسي

" الاستبصار" للشيخ محمد بن حسن الطوسي

وظيفة الفقيه الشيعي في البداية تقوم على الاضطلاع بجمع الروايات وبثها كما هي دون اضافة وعي الفقيه عليها ، مما يدل على ان الغاية هي غرس الالتزام بفحوى قوم المعصوم دون واسطة ، وهو راي الخط " الاخباري" الذي يحيل الى نفي مطلق لنيابة الفقيه عن الامام ، وبالتالي لا يؤمن بولاية الفقيه وهو الخط التقليدي انذاك.

وقد واجه الشيعة في مرحلة مبكرة انسدادات فقهية جدا خطيرة مع بروز حاجات جديدة ومسائل مستحدثة لم يكن بالامكان الركون في تسويتها الى متون الاحاديث ، واصبحت هناك حاجة الى التجاوز ، اي الانتقال من الاصول الى الفروع ، بتجاوز متون الاحاديث سعيا الى تاويل النصوص واستنباط فروع جديدة مستمدة من تلك النصوص ومضامينها ، وهنا بدأ خط فقهي جديد حول هذا الموضوع " الاصولية " ، وهي المرحلة الثانية من تطور الفقه الشيعي.

وبدأت بعض السجالات والتجاذبات بين الفرعين " الاصولي" و "الاخباري" ، الاخير الذي يعتمد على قاعدة مذهبية " نبذ الاجتهاد وتعطيلة" وان مسار الاصولية هو ابتكار سني ، والاول يتجه الى البحث عن وسائط عقلية تتيح للفقيه انتاج معارف واحكام جديدة والمطالبة بالاجتهاد خصوصا في ظل استحالة تقديم اجابات وافية على تلك المسائل غير المألوفة في عصر الائمة ويعتبر الطوسي هو المؤسس الاوحد لطريقة الاجتهاد المطلق في الفقه والاصول

، واختلف الطرفان في 16 بندا.

والنقاط الاساسية في الفرق بين الاخباريين  والاصوليين :

1- يمنع الاخباريون الاجتهاد ولا يقيمون اعتبار الا لاخبار الائمة بوصفها القاعدة ؛ ويعمل الاصوليون بمدا الاجتهاد بعطون للمجتهد الحق في اصدار حكمه على الاخبار.

2- المصادر الشرعية عند الاخبار هما القران والسنة كاساس حقيقي للشرع ، فيما يعمد الاصوليين في المصادر الشرعية على الكتب الاربعة ، اي الاحاديث وافعال الرسول والائمة والاجماع ، والدليل العقلي ، والاخير الاستصحاب " البحث عن اتصال " .

3-  "العلم الواضح" عند الاصوليين يساوي القناعة الشخصية وهي امر مسموح به ، وعند الاخباريين ، لا مجال للظن في الدين ففيه العلم الواضح، وسيعاقب المجتهد اذا لم يقم حكمه علىى اخبار الائمة.  

4-  يعتمد الاخباريون على الاحاديث الصحيحة والصادرة عن الائمة ، والاصوليون يقسمون الناس الى طائفتين ، مجتهدون " فقهاء " وعوام ، والاخباريون ليس عندهم هذا التقسيم.  

5-  يسمح الاصوليون للمجتهد ان ينوب عن الامام في الغيبة الصغرى ، ويبشر بآرائه ، وعلى العكس الاخباريون ، على المرء ان يعود الى اقوال الائمة بشكل مباشر او غير مباشر ، احياء او لا.

6-  من حق المجتهد وحده ان يصدر فتوى ، لكن الاخباريين يرون ان لجميع الرواة الحق في ذلك.

7-  المجتهد عند الاصوليين خبير في امور الشرع ، الاخباريون لا يعترفون بهذه الصفة الا للامام.  

8-  الاصوليون يفضلون آية من القرآن على خبر او حديث من الائمة ، الاخباريون يطالبون بان لا يتم تاويل اية آية الا اذا كان هناك توضيح من الائمة ، لذا " لا يجوز للمرء استعمال آية في وضع الشريعة اذا لم يساندها شرح ما للائمة" .  

9-  عندما يموت مجتهد تغوض معه في قبره كل اعماله العلمية المتصلة بالشريعة ، اذا لم يكن زميل له قد تبنى فتواه الشرعية ، لكن الاخباريين  يرون ان عملا لعالم تبقى له قيمته الدائمة.  

10-  يجب على كل شيعي ان يبايع امامه، كذلك على الاصولي ان يظهر احترامه وتقديره للمجتهد ، اما الاخباريون ، فلا يبايعون الا الامام وحده.  

11-  يترك الاصوليون مجالا واسعا للآراء في الفتوى الشرعية، بحيث انه من الممكن ان تكون آراء المجتهدين متناقضة احيانا دن حرج ومن غير ان يحاسب المجتهد المفرد عليها ، دون الاساءة الى الدين ، اما الاخباريون فيرفضون اي انحراف عن الاخبار .

12-  يرى الاخباريون انه ليس من المهم ان يكون راوية حديث الائمة شيعيا او غير شيعي ، لكن الاصوليون يطالبون بان يكون شيعيا على رواية الحديث عند الاخباريين ان يكون مستحقا للثقة ،بينما يزيد الاصوليون على ذلك بان يكون شيعيا.

13-  الاخباريون لا يسألون عن شخصية من قال الحديث وانما عن الحديث، الاصوليون لا يجب ان راوي الحديث غامضا او مجهولا تماما رغم ان الحديث معروف.

14-     كل مالم يمنع بصفة قاطعة ومالم يوصف عن طريق حديث بانه ممنوع ، فهو جائز عند الاصوليين ، والاخباريين يتصرفون فيه بحذر.  

15-  الاصوليون يجعلون من الاجماع مقياسا للامانة في نقل الخبر، حتى ولو تم الاجماع في وقت متاخر، ولكن الاخباريين يرفضونه رفضا باتا.

16-  لا ينظر الاصوليون الى المضمون الكامل لكتب الحديث الشيعية الاربعة على انه حقيقة ثابتة ، لكن الاخباريين يؤمنون بلممضون كله دون استثناء.

انتصر الاصوليون بشكل مطلق في القرن السادس الهجري بعد ثلاث قرون من اختفاء الامام المهدي، واصبح استنباط الاحكام اربعة هي الكتاب والسنة والاجماع والعقل وليس الاثنين الاولين.

الدولة بعد غيبة المهدي

الدولة تظل غصبية منذ انفلاتها من حيز الشرعية الالهية ، اي منذ انصرافها عن صحابها الشرعيين " الائمة 12 " ، وبالتالي انعكس على كل المعاملات مع السلطة ، حيث اعزال السلطة ومقاطعتها وتجريدها من المشروعية.

لذا فانهم يدعون الى  التقية كتعبير احتجاجي على الدولة القائمة ، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة ، وانتظار حتى الظهور " المهدي" ، فقرروا تعطيل بعض الحدود والاحكام كالقتل والجراح ،  والجهاد ، وصلاة الجمعة ، والخمس الذي اعيد بعد جدل.

رمزية دينية وسياسية للعلماء الشيعة

يعتبر الشيعة "العلماء الشيعة" نواب الائمة بخلاف المذاهب الاخرى ، بل تنزل اجتهادتهم منزلة النص الديني الذي يوجب على الاتباع والامتثال لها باعتبارها تكليفات شرعية .

ولاية الفقيه

ولاية الفقيه : هي نيابة الفقيه عن الامام المعصوم حسب المذهب

" في زمن الغيبة، تعتبر ولاية الامر وامامة الامة بيد الفقيه العادل المتقي الصير بامور العصر ، ممن اقرت له اكثرية الامة وقبلته قائدا لها" دستور ايران.

احمد النراقي -1245 هجري – اول من اطلقة مصطلح " ولاية الفقيه " بكتابه " عوائد الايام " ، حيث قام باطروحته توسيع اطار النيابة العامة للفقيه بحيث تشمل اضافة الى الحدود والقضاء ، كل ما ثبت للنبي والامام المعصوم فيه الولاية .

وبذلك هو اول فقيه شيعي يؤصل لولاية الفقيه المطلقة ، ويدشن مرجعية جديدة تعوض غياب مرجعية الامام المعصوم ، هذه الولاية المطلقة ايضا مكان خلاف حولها " جزئية ام مطلقة".  ، وبالتالي اعطى الفقيه وظائف الامور الحسبية والولائية " ولاية الفقيه المطلقة " ، فيما عارضه الشيخ مرتضى الانصاري صاحب " ولاية الفقيه الجزئية" تبناه بعد ذلك كاظم اليزدي ومحسن الحكيم والخوئي بالنجف ، وتقتصر على " الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحرمة تسلط الكافر على المسلم.

وياتي بعده في هذا التوجه الشيخ محمد حسين النائيني ، وهي اول مدونة سياسية في التاريخ الشيعي على الاطلاق ، حيث حقق الوفاق بين استمرار وعي اختفاء الامام عن الانظار، وبين الحاجة العملية لشكل من اشكال الحكم الذي لا يسيئ  الى املاءات الدين ، وتوضح غاية النظام السياسي دون الرجوع الى مسلمات فقهية ونصوصية.

وبذلك يؤسس النائيني بناء السلطة المنشودة ، التي تخفف الطبيعة المغتصبة للسلطة الشرعية \ الامامية الالهية ، وتضمن حفظ النظام ، والمصالح العامة ،وضمان هذه السلطة يتم عن طريق ايجاد دستور واف ، وسلطة رقابية.

وبالتالي تعزيز الوفاق بين استمرار وعي اختفاء المهدي ، مع الاستحالة الناتجة للشرعية ، وبين الحاجة العملية لشكل من اشكال الحكم الذي لا يسئ كثير الى املاءات الدين.

وعن الشرعية السياسية والدينية عند النائيني ، حق الناس وحق الامام ، فحق الناس هو حكم دستوري ، وحق الامام الامامة الالهية ، فاذا لم يقيد الحاكم الظالم باي حال بدستور او برلمان ، فانه يغتصب امرين حق الامام الغائب وحق الناس ، وبالتالي هو يؤسس لنظرية ان الغصبية لا تقف دون قيام السلطة في غصر الغيبة ، فهي لا تقرر اعتزال الحياة السياسية ، وعطالة النص الديني ، بل يوجد مهمة اخرى تزيح مقام الغصبية .

وبذلك اسس اسس لسلطة بشرية، مبنية على ان السلطة شأن بشري رغم من نشداده الى " غصبة سلطة غير الامام"

التقط الخميني هذه الافكار التراكمية للمراجع الكبار حول ومشروع ولاية الفقيه، واول فقيه شيعي يتطابق افقه السياسي مع حركته الاحتجاجية ، واول فقيه يحمل مشروع دولة يسعى لتجسيدها فعليا من خلال كتابه " كشف الاسرار". عام 1969.

وقال الخميني " لقد مر على الغيبة الكبرى لامامنا المهدي اكثر من الف عام ،وقد تمر الوف السنين قبل ان تقتضي المصلحة قدومه  ، وفي طول هذه المدة المديدة هل تبقى احكام الاسلام معطلة ؟ ، ويعمل الناس خلالها مايشاؤون ؟ ، الا يلزم من ذلك الهرج والمرج ؟ وهل حدد الله عمر  الشريعة بمئتي عام ؟ هل ينبيغ ان يخسر الاسلام بعد الغيبة الصغرى كل شئ؟

ومن فتاوي الخميني وهو خارج بلاده بان "التقية حرام ، واظهار الحقائق واجب مهما كانت النتيجة ولا ينبغي على فقهاء الاسلام استعمال التقية في المواقف التي تجب التقية على الاخرين فيها ، وحينما تكون كرامة الاسلام في خطر واصول الاسلام فيخطر فلا مجال للتقية والسكون".

واصبحت ولاية الفقيه المطلقة مكان جدل وخلاف بين مدرستين في قم والنجف ولبنان.

وكان وعي الخميني للدولة الاسلامية مؤسس على رؤيته الشمولية للدين الاسلامي، والتدخل في جميع الشؤون الفردية والاجتماعية والمادية والمعنوية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية ويشرف عليها.

وعلى ضوء ذلك يؤسسس في ظل المكون  السياسي النظري الافتراضي للاسلام \ دولة ، لموقع الفيه كأعلى قمة في الهرم السياسي، الذي يرقى وظيفيا الى رتبة الاامم في عصر الغيبة، لكون الفقيه حائز على شروط القيادة،اي تصبح السلطة في عصر الغيبة امتيازا خاصا بالفقيه بوصفه المكافئ ، الوظيفي للامام.

الامام اللبناني محمد مهدي شمس الدين اعتبرها للاقليم وليس للامة ، ومحمد حسين فضل الله اعتبرها مقيدة ولا مطلقة والسستاني له وجهة نظر مختلفة في هذا المجال.

وللامام علي كلمة عن الحكم : “ لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن يضم الشعث ويستمتع فيها الكافر. ويبلغ الله فيها الأجل  ( يجمع الامر). ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو. وتأمن به السبل.ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر”