DELMON POST LOGO

أسباب تراجع أداء الجمعيات السياسية في البحرين 2-2

تراجع العمل السياسي في المحرق خلال العشر السنوات الماضية

عرفنا طعم الحرية يوم أن رحل عنا الإستعمار البريطاني و وعرفنا معنى الكرامة يوم أن أطلق جلالة الملك حمد مشروعه الإصلاحي

وواصل الأستاذ راشد حسن الجودر الأمين العام لجمعية الوسط الإسلامي القول في ورقة العمل التي قدمها بمجلس محمد حسن العرادي بقرية عراد مساء أمس الأول بعراد بالقول ، ان المشروع الإصلاحي الذي تضمن السماح بتأسيس الجمعيات السياسية كان أشبه بالنهر الذي تفجر فجأة أمام السياسيين الذين كانوا في حالة عطش الى الماء فألقى الجميع بأنفسهم فيه دون تفكير ودون التأكد من صلاحية ماء ذلك النهر للشرب أو التأكد من قدرتهم على السباحة فيه، فكانت النتيجة أن تسمم البعض وغرق البعض الآخر في ذلك النهر. وحينما جفت مياه ذلك النهر بعد فترة قصيرة، عاد السياسيون الى حالة العطش التي كانوا عليها في البداية. وكان العمل السياسي حينها قد فقد بريقه وزخمه. وتحولت الجمعيات السياسية الى مجرد كيانات صغيرة مسلوبة الإرادة والقدرة على إنجاز أو تحقيق أي هدف بعدما سدت كل الأبواب في وجهها.
وكانت القوى الوطنية قد شرعت، الى جانب بعض المجموعات الطارئة على المشهد السياسي، في تأسيس الجمعيات السياسية بدءا من العام 2001 ووصل عددها الى 16 جمعية. وهو عدد كبير بالنسبة لبلد كالبحرين، يقل عدد سكانه عن المليون ونصف. وهنا لابد لنا من العودة الى الظروف التي أحاطت بتأسيس تلك الجمعيات والعوامل التي ساهمت في ذلك الإندفاع الكبير من قبل القوى السياسية والمواطنين لتأسيس الجمعيات. وأهم ما يمكن ملاحظته هو أن تأسيس الجمعيات جاء في ظل ظروف إنفتاح غير مسبوق من قبل الحكومة على القوى السياسية والتجمعات. مما ترك أثره الواضح على النشاط السياسي، الذي تمثل في إقامة وتنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة السياسية والندوات، التي حظيت حينها بالرعاية التامة من قبل الحكومة، والدعم المادي والإعلامي. وصاحب ذلك كله إنفتاح عدد من رموز الدولة على الشخصيات الوطنية، وفتح مجالسهم أمامها وإستقبالها والتحدث معها والإستماع إليها. وهو ما كانت تطمح إليه قيادات بعض الجمعيات.
بحسب ما تضمنه قانون الجمعيات السياسية رقم (26) مما يعطي الإنطباع بأن تأسيس تلك الجمعيات تم لأهداف وأغراض ليس لها أية علاقة بمتطلبات العمل السياسي وشروطه وأهدافه. ولغايات قد تكون شخصية. وكان البعض من المؤسسين لتلك الجمعيات ينظر الى الجمعية بإعتبارها وسيلة للوجاهة الاجتماعية، والتقرب من النظام والحصول على رضاه وتحقيق بعض المكاسب الشخصية. وذلك إنطلاقا من قناعة لديهم بأن وظيفة الجمعيات هو خدمة النظام وليس الوطن والشعب. فكان من الطبيعي أن يتساقط هؤلاء في فترة لاحقة، بعدما تخلت الحكومة عن رعايتها وإهتمامها بالجمعيات السياسية، لتنتقل في مرحلة لاحقة لمحاربتها ومحاولة إنهاء وجودها.  
ومن المؤسف أن بعضا من الجمعيات التي تأسست في تلك المرحلة، نشأت على أساس طائفي. سواء كان ذلك بوعي أو بدون وعي من مؤسسيها، أو كان ذلك بقصد، أو بحكم الموقع الجغرافي الذي نشأت فيه. وكانت هناك خمس جمعيات تعتبر دينية، أو شكلت الذراع السياسي لجمعيات دينية. وهو ما ساهم في ترسيخ الإنتماء الطائفي، وأثر سلبا على العمل السياسي الذي كانت تمارسه تلك الجمعيات. وكانت الجمعيات ذات التوجه الإسلامي، والتي تأثرت بمفاهيم الإسلام السياسي في مقدمة تلك الجمعيات. مما ساهم في ترسيخ الإنتماء الطائفي في مرحلة مبكرة. وتقسيم المجتمع في مرحلة من المراحل الى معسكر علي ومعسكر يزيد. أو معسكر المعارضة ومعسكر الموالاة.
كما شكل غياب الإلتزام التنظيمي عن الكثير من الجمعيات، وعدم إلتزام ألكثيرين من أعضائها بواجباتهم تجاه الجمعيات، وخاصة منها الإلتزامات المالية، سببا رئيسيا في ضعف وتراجع أداء الجمعيات.
وفي فترة لاحقة شكل إبتعاد الكثيرين من الكوادر والقيادات السياسية والكفاءآت العلمية والمهنية، عن الجمعيات السياسية، سواء تم ذلك تحت ضغط خارجي، أو نتيجة لقناعة لديهم بعدم جدوى العمل السياسي، سببا آخر لضعف الجمعيات وتقلص دورها.
وعانت بعض الجمعيات السياسية التي رفضت الإصطفاف الطائفي أشد المعاناة من كلا الطرفين. فوق ما كانت تعانيه من موقف الحكومة. وكان من أخطر ما عانت منه الجمعيات على إختلاف توجهاتها وإنتماءاتها، هو تراجع الحماس لدى أفراد المجتمع، وعزوفهم عن الإنضمام الى الجمعيات.
وصاحب ذلك كله تخلي الكثيرين ممن كانوا يدعمون الجمعيات السياسية ماديا، من التجار والوجهاء والأفراد العاديين، وحتى من أعضاء الجمعيات عن واجبهم في دعم الجمعيات. مما ضاعف من الضائقة المالية التي كانت تعاني منها الجمعيات.
ولعل هذا الموقف السلبي من أفراد المجتمع وخاصة النخبة منهم إنما يعود الى تدني مستوى الوعي السياسي لدى الكثيرين من أفراد المجتمع وعدم إدراكهم لأهمية وجود الجمعيات ودروها في تبني قضايا الوطن والمواطن والدفاع عنها.
كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية دورأ سلبيا مؤثرا ومكملا للعوامل الذاتية والموضوعية التي أدت الى تراجع أداء الجمعيات، وذلك عبر الرسائل والتعليقات التي اتسمت بالطائفية وتدني المستوى الأخلاقي والجهل.
ولعب الموقف السلبي الذي إتخذه كثير من المثقفين وأصحاب الكفاءات العلمية والتجار والطلاب والعمال من العمل السياسي، دورا في غاية الخطورة، كان من نتائجه تلك الحالة من الإحباط التي شملت الشارع، والنخب السياسية. وهذا بدوره كان له تأثيره السلبي على أداء الجمعيات السياسية.
وكان لإختفاء القيادات السياسية ذات الخبرة والتجربة النضالية من الساحة السياسية، سواء لأسباب طبيعية أو قهرية، وهي التي تحظى بثقة الجماهير، ولديها القدرة على قيادتها، كان لذلك الإختفاء أثره الكبير على مجمل العمل السياسي، وعلى تراجع أداء الجمعيات بشكل خاص.
كما ساهم الوضع الاقتصادي المتردي للطبقة الوسطى والفقيرة، في إنشغال الأغلبية من أفراد الشعب بتوفير إحتياجاتهم المعيشية، وتجنب أي نشاط له صلة بالسياسة والعمل السياسي. وهذا بدوره مما ترك أثره السلبي على أداء الجمعيات
ويمكننا تلخيص الأسباب المرتبطة بالجمعيات والتي أدت الى فشل الجمعيات السياسية في القيام بوظيفتها ودورها، والى حل بعضها في النقاط التالية:
1- عدم إمتلاك الكثير من الجمعيات للقيادات المؤهلة لقيادة العمل السياسي. من تمتلك الخبرة السياسية والتجربة النضالية والثقافة.
2- فشل الجمعيات في تبني قضايا ومطالب الجماهير والدفاع عنها. وتحقيق أية مكاسب لها.
3- عجز الجمعيات عن إستقطاب المزيد من الأعضاء الى صفوفها. وعدم توفر العدد الكافي من الأعضاء المؤهلين للقيام بالأنشطة المختلفة المرتبطة بدور ووظيفة الجمعية السياسية، وإستقالة الكثيرين من أعضائها منها.
4- ضعف التمويل وإنعدامه
5- غياب البرامج السياسية عن الكثير من الجمعيات، وعدم وضوح الأهداف، وضبابية الرؤية
6- عدم قدرة كثير من الجمعيات على إبتكار الوسائل غير التقليدية اللازمة لتحقيق أهدافها
7- إفتقاد بعض الجمعيات السياسية للمرونة في تعاملها مع السلطة.
إن كل تلك العوامل الذاتية التي أدت الى تراجع أداء الجمعيات، كانت قد إرتبطت بها عوامل موضوعية أفرزها المجتمع الذي شهد خلال السنوات العشرين الماضية تقلبات خطيرة بدأت بالإرتداد عما تحقق في بداية المشروع الإصلاحي من وحدة وطنية شبيهة بما شهدته البحرين خلال الحراك الشعبي في الخمسينات والستينات. لتغرق البلاد في حالة من الطائفية البغيضة التي تجاوزت كل الحدود. وتركت أثرها السلبي المباشر على أداء الجمعيات السياسية. التي فقدت نتيجة لإنقسام المجتمع والشارع الى قسمين الحاضنة الشعبية الواحدة، التي تمد الجمعيات بالدعم المطلوب، سواء كان ماديا أو بشريا.
ولتوضيح الدور الذي يلعبه المجتمع في تعزيز أو إضعاف العمل السياسي سوف أتوقف قليلا عند الدور الذي كان يقوم به المجتمع في مدينة المحرق في مراحل تاريخية سابقة. وذلك لما للمحرق من خصائص تاريخية وإجتماعية وثقافية جعلتها في فترة الخمسينات والستينات والنصف الأول من السبعينات تلعب دورا مؤثرا في الحراك السياسي. وكانت بؤرة للتحركات السياسية، وإستقطبت المناضلين من مختلف مناطق البحرين وصهرتهم في بوتقة واحدة هي بوتقة العمل الوطني القائم على الإنتماء للوطن، وليس للطائفة أو المذهب أو القبيلة. مع التأكيد على أن تراجع العمل السياسي لا يقتصر على المحرق فقط، وإنما هو شامل لمختلف مناطق البحرين.
ما الذي حدث في المحرق خلال السنوات العشر الماضية وأدى الى ضعف العمل السياسي وتراجع أداء الجمعيات السياسية فيها.؟
كانت المحرق رمزا للوحدة الوطنية، فاصبحت ساحة للصراعات والدعاوي الطائفية، وساهم عدد من الجمعيات السياسية، وخاصة ذات التوجه الديني في هذا المصير الذي آلت إليه المحرق.
كانت المحرق عنوانا لعروبة البحرين، فأصبحت اليوم ملجأ للعديد من الجنسيات التي لا تربطها بالعروبة أية رابطة.
كانت المحرق مشعلا للثقافة والفنون، وللعادات والقيم والأخلاق العربية الأصيلة، فتحولت اليوم الى مدينة للإغتراب وضياع الهوية. وأصبحت تشكو من تراجع وتلاشي تلك العادات والقيم والمبادئ والأخلاق.
كانت المحرق النصير الدائم لكل الشعوب العربية في نضالها ضد الإستعمار والإستبداد، فغدت اليوم تستجدي نصرة أبنائها الشرفاء في وجه عدد من الجبناء المنتشرين على إمتداد الوطن. المتخاذلين المتنكرين لعروبتهم والمنافقين المساندين للظلم والإستبداد، والمطبعين المتصهينين.    
فهل يعجب أحد إذا ما بكت المحرق بدل الدموع دما، على ما آل إليه مصيرها. وهل يعجب أحد إذا ما تراجعت المحرق عن دورها النضالي، وتراجع العمل السياسي فيها، وضعفت الجمعيات السياسية فيها وأغلق بعضها؟!
وختاما أقول إننا هذا الوطن عرفنا طعم الحرية يوم أن رحل عنا الإستعمار البريطاني، وعرفنا معنى الكرامة يوم أن أطلق جلالة الملك حمد مشروعه الإصلاحي. بما تضمنه من مبادئ سامية وحقوق ومكتسبات، كانت أساسا لتحقق وحدتنا الوطنية. وعرفنا معنى الذل والهزيمة يوم أن تم التراجع عن ذلك المشروع العظيم، وإفراغه من مضامينه. يوم أن تواطأت ضدنا العقلية القبلية التسلطية، مع العقلية الطائفية الإقصائية، مع التدني في مستوى الوعي بين أفراد المجتمع. فوقعنا في فخ الطائفية والإنقسام والضعف. وبلغنا قمة الذل والمهانة يوم أن رفع علم الكيان الصهيوني في سماء بلادنا. ليمحو تارخنا الوطني ونضالات شعبنا العربي الأبي. فهل من صحوة تعيد إلينا بعضا مما فقدناه؟