DELMON POST LOGO

النشابة في مجلس نهى بعالي : البطل في الحكاية الشعبية يجسد الخير والسعي لمحاربة الفساد والقهر واللصوص والأشرار والجن

الخيانة الزوجية تكاد تكون شبه معدومة في المجتمع الخليجي المحافظ المتتبع للتعاليم الدينية والتقاليد والعادات

" تحتل المرأة حيزا كبيرا في الحكاية الشعبية و ذلك لما تتمتع به من دور كبير في الحياة الأسرية  و العملية  و الاجتماعية  و الدينية في المجتمعات المحافظة بطبيعتها الدينية و الاجتماعية في دول مجلس تعاون الخليج العربي .

و برغم أن المرأة الخليجية لم تحظ بأي حقوق أو أي دور بارز في الحياة الاجتماعية أو العملية في مجتمعها التقليدي ، إلا انها تقوم بمشاركة الرجل في العديد من الأعمال مثل الفلاحة في الريف و القرى التي يكاد كل افرادها تربطهم ببعض صلة القرابة و يمكن رصد ادوار المرأة في الحياة الاسرية ،و تعد مصدرا إلهام للجوانب العاطفية للرجل و هذا ما يجعل المرأة في الحكاية ملهم للكفاح." بهذه المقدمة بدأ الباحث الدكتور يوسف احمد النشابة ندوته التي بعنوان " دور المرأة القيادي في الحكايات الشعبية " بمجلس نهى حسن بقرية عالي مساء امس .

البطولة في الحكاية الشعبية:

وقال ان البطل في الحكاية الشعبية يجسد الخير والسعي لمحاربة الفساد والقهر، واللصوص، والأشرار من الجن، والعفاريت. البطل في الحكاية الشعبية وهو المنتصر في النهاية بالرغم من الصعوبات التي قد تواجهه والتي هي بدورها تجعل من المشهد الدرامي أكثر تشويقاً.

أن المستمع للحكاية الشعبية يجد في البطل ذلك الإنسان الشجاع الذي يواجه الشدائد بعزيمة قوية؛ متسلحاً بالصبر وبذله المال والروح لمساندة ومناصرة المستضعفين من الشخصيات الثانوية من أبطال الحكاية وهنا تكمن حاجة المستمع للبطولات، التي تتمثل في بطل يأخذ على عاتقه قضية تخص المجتمع؛ فيقاوم الأعداء بقوة خارقه يأمل أفراد المجتمع منه حلّ مشاكلهم؛ كما يجد القوة اللازمة للتغلب على المشاكل التي يعاني منها أفراد الشعب.

والبطل في الحكاية الشعبية يمتاز بالدهاء والذكاء وحسن المعاشرة وهي صفات تساعده على الكر والفر والمراوغة والتفكير والتدبير كي يكون النصر في النهاية حليفه.

بطل الحكاية الشعبية تكون بطولته انعكاسا لرؤية الإنسان ونظرته إلى الحياة وهذه النظرة في أمس الحاجة لمحصلة تربوية وتنشئة خاصة من الأدب أو من مدربين متخصصين؛ يتعلم على أيديهم مهارات وأخلاق الفارس؛ بكل ما تعنيه الكلمة من شهامة وشجاعة.

البطولة في الحكايات الشعبية لا تتمثل في خوض المعارك وحمل السيف والرمح فحسب بل تعني أيضاً الكرم والشهامة والأمانة والصدق وتقديم العون والخير لمن هم في أمس الحاجة له.

ولابد من الإشارة إلى أن دور البطولة في بعض الحكايات التي يرويها الرجال في مجالسهم والنساء في مجالسهن أيضا توضح وتركز على الجانب الرومانسي متمثلا في العاطفة المتجسدة في العلاقات الغرامية، إذ يكون فيها الأبطال مخادعين ومجردين من الأخلاق

والقيم للوصول لمبتغاهم. وهذا النوع من الأبطال مقبولٌ تصرفه لكونه يبرز الجانب الشرير المخادع المحتال في بعض أفراد المجتمع وهنا يأتي دور التوعية والتحذير الذي يكون الناس في أمس الحاجة لتعلمه من خلال السرد التوعوي للحكاية الشعبية.

البطل يكون له أعوان يساندونه في عمل الخير والانتصار على الشر وهم يمثلون الشخصيات الثانوية في أدوار البطولة في الحكاية الشعبية ولكنها لا تقل أهمية عن البطل الرئيس، مثل الجنيات الطيبات اللواتي يُسخرن له الظواهر الطبيعية مثل الرياح والمطر للتغلب على الأعداء.

والبطل في الحكاية قد يكون صبيا صغيراً أو فتاة أو امرأة تحارب لإثبات وجودها أو لتدافع عن شرفها.

والبطل الشاب نجده يستمد بعضاً من إصراره وشجاعته وقوة عزيمته من البطلة التي يخاطر من أجلها سعيا لتحريرها من زوجة الأب الشريرة أو الساحر أو الرغبة في الزواج منها.

وحين تكون هناك علاقة بين البطل والبطلة نرى صدق الجانب العاطفي والوجداني بينهما بصورة راقية لا يشوبها أي انحلال أخلاقي.

الوضع الاجتماعي للمرأة الخليجية:

المرأة الخليجية هي وليدة مجتمع مترابط محافظ على عاداته وتقاليده الموروثة من جيل إلى جيل آخر ومبنية على الأخلاق والتعاليم الاسلامية. فهي وليدة المدينة والقرية والبادية وكان حضورها بارزاً في كل ما يتعلق بوجودها كعنصر فعال في المجتمع، أن النظرة الشاملة والقدرات المختلفة التي فطر الله المرأة عليها تؤهلها لأن تكون أماَ ومديرة للمنزل لما تمتلكه من حدسا قويا في الحكم على الأمور.

حيث أن الوضع الاجتماعي يعتمد على ثلاثة عناصر هي:

الجانب الديني والأخلاقي السائد بين أفراد المجتمع والأسرة بالتحديد

الجانب الاقتصادي المتمثل في ممارسة المجتمع من مهن كان للمرأة نصيبها المهني الذي لا يقل عن نصيب الرجل، وكان لها دخلها المادي الخاص بها.

الجانب الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة هو أن جميع أفراد الأسرة يعيش في بيت واحد يطلق عليه " البيت العود " وذلك لكبره من حيث المساحة ومن حيث التركيبة العائلية، إذ يعيش الجد والجدة والأم والأب والأعمام والعمات والخالات والأولاد البنات والأحفاد مع بعض، كل له قسمه الخاص وهو أكثر شبيهاً بخلية النحل في تركيبتها.

الجانب الاجتماعي:

الأسرة في الخليج العربي، أسرة ممتدة أفقياً عن طريق تعدد الزوجات، والامتداد العمودي للأسرة يكون من خلال تعدد عدة أجيال، الأخوة وبعض الأخوات المتزوجين وجيل الأولاد، والقاطنين في بيت واحد " البيت العود" والمرأة في هذا البيت العود تكون جدة والأم والزوجة، وزوجة الأب، والأخت، والعمة، والخالة.

وتتقمص المرأة في هذه الأدوار الأسرية دور المرأة الطيبة وقد تتقمص دور المرأة الشريرة.

أن الروابط الأسرية في العائلة الممتدة ينبني ترابطها الناجح على تحقيق وضع اقتصادي أفضل يؤمن للأسرة دور وضعاً مستقراً من خلال وحدة القرابة وأمان اقتصادي من الفقر والعازة. وهناك سبب تسعى إليه الأسرة وهو الرغبة في إيجاد "عزوة" وذلك بتكوين أسرة كبيرة ترتبط فيها عائلات برباط النسب والمصاهرة. وتكون لها صدا تحتمي به حين حدوث النائبات أو تخلخل الوضع المالي.

لقد كان الجد العود له مطلق السلطة و الكلمة العليا في اتخاذ القرارات في شتى امور الأسرة في إدارة الأمور المالية و الترابط الأسري و ذلك لما له من خبرة مهنية ووضع مالي مكنه من تعدد الزوجات و كثرة عياله من الذكور ، وهذا أعطاه قدرة على الهيمنة و الانفراد بالقرار ، و بالخصوص في أمور الزواج و نجد : الجدة العودة" تأخذ ذلك الدور بكل مستلزماته في حال وفاة الجد أو في تكرار تغيبه في العمل مثال " الغوص " و الذي يستمر لمدة ثلاثة أشهر و قد يصل إلى أربعة في بعض المواسم كما هو الحال في الأسر التي تزاول مهنة "القلافة " إذ يتطلب غياب رب الأسرة إلى بعض القرى البعيدة للقيام بأعمال الصيانة لسفن الغوص و صيادي الاسماك ، التي تتطلب منه المكوث عدة أسابيع بعيداً عن بيته ، أو في حال موت الجد تكون الزعامة المطلقة للجدة و ذلك لما كسبته من خبرة طويلة تؤهلها القيام بمهمات إدارة الجانب المالي للأسرة من صرف و بيع و شراء و اختيار الزوجة لأي من الأبناء ينوي الزواج . ولا أحد يناقش قرارها في رفض اي رجل يتقدم لخطبة بنت من بنات العائلة كانت الجدة لها كلمتها في تحديد المهر وتحديد تكاليف العرس وتحديد كل مستلزماته ولا عجب إذا قلنا إن الجدة قد تقرر تزويج أبنها من زوجة ثانية وذلك لسبب أز آخر مثل:

عدم إنجاب أو معاناة الزوجة من مرض عضال، أو لكون الزوجة صعبة المراس. وفي حال وفاة الزوجة، قد يخلو المجتمع البحريني والخليجي قبل دخول المدنية والتعليم والانفتاح على الثقافات الأخرى من تفشي " الطلاق " لكونه مبغض في الدين الإسلامي وغير مقبول اجتماعيا بين أفراد القرى بالخصوص.

وكانت الاسرة تحرص على غرس القيم والعادات والتقاليد المتبعة في المجتمع في أولادها وبناتها لكونهم غير مستقلين، بل هم جزء من التركيبة الأسرية.

الجانب الديني:

لقد تلقت المرأة الجزء اليسير من تعليم القرآن الكريم، وأعلى مستوى قد وصلت اليه هو أن تكون " معلمة للقرآن " للصبية والبنات على حدٍ سواء. لم تكن هناك مؤسسات تعليم أو مدارس خاصة بالبنات كما هو للأولاد. كان للأولاد نصيبهم من تعليم العقيدة وأصول الدين في المساجد و" الحوزات الدينية " التي كانت منتشرة في بعض المدن والقرى. المرأة كانت ذكيه، تحفظ العديد من الجولات ومفردها جلوة (أصل الكلمة مشتق من اسم الجلالة) والمرثيات والمواويل وأغاني الأعراس وتهويدات الأطفال والأمثال الشعبية.

الجانب الاقتصادي:

عملت المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل في زراعة الأرض فكانت مهارتها لا تقل عن الفلاح المتمرس، فقد ركبت النخلة حالها حال الرجل ومارست صناعة خوص سعف النخيل وهي مهنة تنتج منها العديد من الصناعات ومن المهن التي امتهنتها المرأة " غزل القطن " لعمل الفتائل الخاصة بصناعة السفن ولا غرابة إذا قلنا إنها تدخل البحر لصيد السمك.

المرأة الخليجية عاملة في النهار وهذا ما يجعلها في أمس الحاجة للترويح عن نفسها بالسمر مع صويحباتها لسماع الحكايات الشعبية.

علاقة المرأة بالرجل:

أن التربية الدينية والعلاقات الأسرية والتقاليد الاجتماعية جعلت العلاقة بين المرأة والرجل علاقة لا يشوبها شائبة فهي تعمل جنبا إلى جنب مع أبوها وأخوتها وزوجها وكثيراً من الأحيان أولادها وأقاربها وهذا يجعلها ترتبط بالرجل بعلاقة عمل لا أقل ولا أكثر، وأكثر، ولنكن منصفين في حق المرأة والرجل فأن ما وثقه المهتمون بجمع التراث تركوا لنا العديد من الأشعار والمواويل التي تغزل بها الشباب غزلا عفيفاً بفتاة الحي أو ما تغنت به الفتاة بخجل وحياء في ذلك الشاب الذي تعلم معها القرآن جنباً إلى جنب.

الخيانة الزوجية تكاد تكون شبه معدومة في المجتمع الخليجي المحافظ المتتبع للتعاليم الدينية والتقاليد والعادات. ولكن الغريزة الجنسية والتكوينية البيولوجية والفسيولوجية والرغبة الجامحة للمرأة في إشباع الغريزة الجنسية بأسلوب شرعي أو القيام بعلاقات جنسية خارج نطاق الحياة الزوجية. أوجدت هذا النوع من العلاقة في نطاق محدود جداً وبسرية تامة.

المرأة والرجل في أدوار البطولة:

المرأة في الحكاية الشعبية قد تقمصت أدوارا عديدة، فقد أدت أدوار البطولة في شتى أنواعها وكانت لها أدوارها الثانوية التي شاركت فيها البطل الأول من دون أي نقصان.

أما الرجل فقد كان له نصيب الأسد في أدوار البطولة إلا أنه لم يبرز ولم يكن موفقا في العديد من الأدوار التي شاركت فيها المرأة وخصوصا أدوار الشر وتدبير المكائد مستعينة بكل ما أوتيت من ذكاء ودهاء تارة وتارة أخرى مستعينة بالجنيات والساحرات.

وبالرغم من كل أدوار الشر التي قامت ببطولتها المرأة إلى جانب العديد من أدوارها الطبيعية مثل دور الجدة والأم والزوجة والحبيبة إلا إنها لم تكن مكروهة من المستمتعين بسماع الحكايات من الرواة الذين يبدعون في إظهار المكر والخداع والشر في المرأة وفهي تبقى الحبيبة للجميع بكل ما تقدمه من أدوار البطولة في جميع الحكايات في كل بقاع العالم وفي كل المجتمعات.