DELMON POST LOGO

في منتدى عبد الرحمن النعيمي في بيروت .. "اهداف إسرائيل الاقتصادية" ومقاومة التطبيع --8

الموسوي: اتفاقات ابراهام اختراقا كبيرا في جدار مقاومة التطبيع

قدم الامين العام السابق لجمعية وعد وعضو تنسيقية منتدى عبدالرحمن النعيمي الفكري رضي الموسوي ورقة عمله المعنونة بـ "تبعات اتفاقيات التطبيع الجديدة على القضية الفلسطينية ومجلس التعاون الخليجي"، في الدورة السابعة لمنتدى عبدالرحمن النعيمي الفكري التي انتظمت في بيروت يوم 18 ديسمبر2022 في بيروت، قال فيها:
شكلت اتفاقيات التطبيع بين الكيان الصهيوني وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين في صيف 2020، اختراقاً كبيراً في جدار مقاومة التطبيع مع الدولة العبرية، خصوصاً وأن هذه الاتفاقيات جاءت في وقت يعاني فيه الوطن العربي من وهن وضعف وتشتت وتيه لم يشهد التاريخ له مثيلاً.
لقد سعى الكيان الصهيوني خلال العقود الثلاثة التي سبقت توقيع ما يسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية، إلى ممارسة الاختراقات التطبيعية مع الدول الخليجية وخصوصاً تلك التي تعاني من خلل ديمغرافي وسكاني لا يشكل المواطنون فيها إلا نسبة ضئيلة كما هو الحال مع الامارات وقطر على سبيل المثال. وقد بدأت علنا في 1994، عندما قام وفد دبلوماسي صهيوني برئاسة وزير البيئة آنذاك، يوسي ساريد، بزيارة البحرين للمشاركة في مؤتمر حول قضايا البيئة، وبعدها بسنتين، أي في العام 1996 افتتحت كل من قطر وسلطنة عمان مكاتب تجارية للكيان في عاصمتي البلدين.
وقد زادت هذه الاختراقات وبشكل علني في السنوات اللاحقة عبر إرسال ما يسمى بالوفود الشعبية أو الخبراء "الافراد" الذين تم تأسيس مراكز بحث لهم من أجل تمرير عملية التطبيع وقياس ردود الفعل، ثم تطورت إلى اللقاءات الرسمية العلنية في المؤتمرات الدولية التي عادة ما تصاحبها لقاءات ثنائية بعيدة عن aالإعلام، ثم تقدم التطبيع خطوات من خلال الإيعاز لبعض المنظمات التي تم تشكيلها لهذا الغرض بالقيام بزيارات للاراضي الفلسطينية المحتلة تحت يافطة التسامح والصداقة، وأضيفت لها بعض الفرق الرياضية، وتجند البعض لخدمة هذا الهدف ومن بينهم صحفيون ورجال إعلام ورجال دين من مختلف المذاهب، كما حصل للوفد البحريني الذي ووجه برفض شعبي فلسطيني حاسم.
كرت سبحة التطبيع لتصل الى منتصف سبتمبر 2020 عندما نُظم في حديقة البيت الأبيض احتفالا للتوقيع على ما سمي بالاتفاقات الإبراهيمية تم فيها الإعلان عن اتفاقية بين الكيان وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين، أعقبها بعد شهر اتفاقية مع السودان ثم جاءت اتفاقية الكيان مع المغرب. حينها قال بنيامين نتنياهو إن التطبيع سيتواصل مع دول عربية أخرى.
في حفل تم تنظيمه في حديقة البيت الأبيض منتصف سبتمبر/ ايلول 2020، جرت مراسم التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية بين الكيان الصهيوني وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وأعقبها بشهر دخول السودان في نادي المطبعين المعلنيين ثم المغرب في ديسمبر كانون الأول من نفس العام.
وقد أصدر البيت الأبيض بعد حفل التوقيع ثلاثة نصوص تتضمن إعلان اتفاقات إبراهام، ارتكزت على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، والتعاون المشترك في عدة مجالات مع الكيان، لكن هذه الاتفاقات لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى أن الكيان ملزم بوقف ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو حتى تأجيل هذا الضم، أو تجميد بناء المستوطنات أو تحقيق تقدم في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية لإقامة دولة فلسطينية أو الإفراج عن معتقلين فلسطينيين كبادرة حسن نية.
وحسب نص الاتفاقات التي وقعت بين الكيان والدول الأربع كل على حدة، يلاحظ أن النصوص جميعها جاءت في صالح الكيان ولم يكن فيها أي ايجابيات للقضية الفلسطينية أو حتى للدول العربية الموقعة على هذه الاتفاقيات.
زيادة تغلغل الكيان في الخليج العربي
ولأهمية الخليج العربي بالنسبة للكيان الصهيوني فقد عمل الاخير على التغلغل في دول المجلس ليسهل عليه قيادتها، لكنه ينظر إلى دول مجلس التعاون على أنها البقرة الحلوب التي تدر ذهباً لما تتمتع به من ثروات طبيعية لا تقتصر على النفط الخام فحسب، إنما تمتلك في باطن أراضي بعض بلدانها الكثير من المعادن الأخرى المهمة للصناعات الحديثة.
يبلغ الناتج المحلي الاجمالي للكيان الصهيوني أكثر من 481 مليار دولار نهاية 2021  وفق تقديرات البنك الدولي يقابله قرابة 39 مليار دولار الناتج المحلي الإجمالي للبحرين أي ما يعادل 8 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للكيان. وبالنسبة للإمارات  بلغ ناتجها المحلي الاجمالي 558  مليار دولار في 2021 وفق تقديرات الدوائر الرسمية في حكومة دبي، فيما بلغ الناتج المحلي الاجمالي للمغرب 132 مليار دولار في نفس العام، والسودان 34 مليار دولار،  أي أن النواتج المحلية الاجمالية للبحرين والمغرب والسودان لا تصل الى 43 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للكيان الصهيوني، الذي يقل عن حجم الاقتصاد الإماراتي إذ يشكل 86 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للإمارات، وهو ما تعمل عليه دولة الاحتلال التي ترى في الإمارات مركزاً يمكن الانطلاق منه للتجارة مع أكثر من ملياري نسمة في العالم.
لكن الإمارات ليست الهدف النهائي للكيان، بل أن الهدف كل دول المجلس وخصوصا السعودية. يشكل إجمالي الناتج المحلي للكيان أقل من 27 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لمجلس التعاون الخليجي والبالغ في العام الماضي 2021 أكثر من 1.802 تريليون دولار، وهذا يشكل 63 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية. وتسعى المؤسسات الصهيونية للحصول على موطئ قدم في الاقتصاديات العربية بالاختراق التطبيعي وتجتهد لزيادة صادراتها للمنطقة.
قاد ذلك إلى تسارع الإختراق الصهيوني لدول الخليج، فزاد التبادل التجاري بين الكيان والإمارات مع الوقت. فبعد نحو عام على توقيع اتفاقات التطبيع، زاد التبادل التجاري بين الطرفين إلى حوالي نصف مليار دولار، حسب بيانات للمكتب المركزي للإحصاء في "إسرائيل"، التي نشرتها صحيفة جيروزاليم بوست وقالت إنه بعد مضي عام على التطبيع، تجاوز حجم المبادلات التجارية بين البلدين 570 مليون دولار. واستمرارا في زيادة التبادل، قفز التبادل بين الجانبين من 1.22 مليار دولار في العام 2021 الى 1.4 مليار دولار حتى شهر اغسطس/اب 2022.
وجاءت اتفاقية التجارة الحرة في مايو/ايار2022، لتضع أهدافاً جديدة في هذا الجانب، حيث يسعى الجانبان إلى مضاعفة التبادل التجاري ليصل إلى 10 مليارات دولار في غضون 5 سنوات.
استغل الكيان الفرص المتاحة أمام التيه الخليجي والعربي فتغلغل أكثر وضاعف سرعة اندفاعة التطبيع وضغط للتوقيع على العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات. وهو الأمر الذي أشار له المستثمر الصهيوني والمؤسس المشارك لمجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي دوريان باراك، بقوله في تصريحات لصحيفة  لجيروزاليم بوست "أن الإمارات منصة فريدة للوصول إلى العالم بأسره (..) الإسرائيليون دائماً يبحثون عن طرق للقيام بأعمال تجارية في جنوب آسيا وشرق أفريقيا والهند وبنغلاديش(..)، في حين أنها أسواق بها مليارا شخص ولا يمكن العمل معهم من تل أبيب، أما الإمارات فهي المكان الذي يتجمع فيه الجميع للقيام بأعمال تجارية، وتم قبول إسرائيل أخيراً في هذا النادي".
وتابع باراك: "هناك العديد من مستثمري الأسهم المهمين في الإمارات، وهي مسألة وقت فقط قبل أن نرى المزيد من الشركات الإماراتية تستحوذ على حصص كبيرة في الشركات الإسرائيلية".
أما فلور حسن- ناحوم، عضو المجلس ونائبة رئيس بلدية القدس، فقالت إن العام الأول للتطبيع مع الإمارات كان "ناجحاً جدا" على الرغم من مواجهة العديد من التحديات، وأبرزها جائحة كورونا.
وأوضحت أن الجائحة أعاقت السياحة ورغم ذلك "لا يزال لدينا حوالي 230 ألف إسرائيلي يزورون الإمارات" وأضافت: "تخيل ما كان يمكن فعله لو لم تكن هناك جائحة".
المركز والاطراف
تهتم الدولة العبرية بمصالحها الاستراتيجية وبمشروعها المتمثل في أن تكون المركز القائد في الوطن العربي، تنتج مختلف السلع والبضائع، بينما يقتصر فعل باقي الدول العربية على الاستهلاك وتغذية المركز بالمال والعمالة الرخيصة باعتبارها أطرافاً في مشروع الشرق الاوسط الجديد، الذي نظّر له وزير الخارجية الصهيوني الأسبق شيمون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، إذ تشكل دول مجلس التعاون الخليجي مصدر التمويل الأول نظراً لما تتمتع به من ثروات نفطية ومالية هائلة.
لقد جاء تركيز الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على دول مجلس التعاون الخليجي، بناءً على دراسة ديمغرافية ومالية اقتصادية، كما أسلفنا القول لمنطقة تعتبر واحدة من أغنى المناطق في الشرق الأوسط والعالم.
يبلغ عدد سكان مجلس التعاون الخليجي أكثر من 60 مليون نسمة في العام 2022، ويتمتع المقيمون الوافدون وأسرهم بأغلبية في أربع منها، حيث يشكلون في الإمارات 90 بالمئة من إجمالي السكان البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، تزداد هذه النسبة في إمارتي دبي وأبو ظبي وتقل في الإمارات الشمالية حيث الثروة محدودة. ويشكل الوافدون في قطر 88 بالمئة من السكان البالغ عددهم نحو 3 ملايين نسمة وفق التقديرات الرسمية للعام الجاري 2022، وفي الكويت يشكل الوافدون 69 بالمئة من أصل عدد السكان البالغ 4.33 مليون نسمة وتصل في البحرين إلى 53 بالمئة البالغ عدد سكانها 1.6 مليون نسمة، بينما تبلغ النسبة 45 بالمئة في سلطنة عمان من إجمالي عدد السكان البالغ 5.22 وفي السعودية 37 بالمئة من إجمالي عدد السكان البالغ 36 مليون نسمة.
ويشكل الاقتصاد الخليجي عامل جذب للمستثمرين وللعمالة الوافدة، فهو يحتل المرتبة الـ13 عالمياً، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدوله الست 1.802 تريليون دولار في عام 2021، وفقا لبيانات المركز الإحصائي الخليجي، وتبلغ حصة السعودية منه 46.25 بالمئة من الناتج المحلي الخليجي لتصل إلى أكثر من 833 مليار دولار، تليها الإمارات بنحو 558 مليار دولار وتمثل 31 بالمئة من الإجمالي، ثم قطر 180 مليار دولار وتشكل قرابة 10 بالمئة من الإجمالي. ويبلغ حجم التجارة البينية بين دول المجلس أكثر من تريليون دولار ، تتصدرها الإمارات بـ53%، ثم السعودية 26%. ربما هذا يفسر التركيز الصهيوني على الإمارات.
أما الاحتياطيات الأجنبية، فتبلغ لدى لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة نحو 664.9 مليار دولار، عدا ما تملكه الصناديق السيادية من استثمارات الأجنبية تفوق ما هو موجود في الاحتياطي الرسمي لدى البنوك المركزية، منها 81% للسعودية. وتنتج دول الخليج نحو 17.2 مليون برميل يومياً تمثل 22.8% من الإنتاج العالمي، وتبلغ حصة السعودية من الإجمالي الخليجي نحو 57%، حيث بلغ متوسط إنتاجها 9.81 مليون برميل يومياً ويصل سقفها الإنتاجي إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً.
هذه معطيات مغرية يسيل لها لعاب الكيان الصهيوني من أجل اقتناص مئات مليارات الدولارات بصفقات أسطورية تتركز في التكنولوجيا والتجسس والسلاح. لذلك يشعر بانتعاش، وخصوصاً رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، الذي يواصل سعيه للهروب من اتهامات بالفساد. لقد أسس الاختراق الصهيوني لبلدين خليجيين أرضية خصبة للتوسع نحو بلدان خليجية وعربية أخرى، وهذا هو الذي يسعى له الكيان من أجل تشكيل تحالف إقليمي سيسهم في زعزعة الاستقرار الاجتماعي ويضرب السلم الاهلي.
إن عين الكيان، بعد التطبيع مع أبو ظبي والمنامة، مسلطة على أسواق المال الخليجية. فهو يسعى للدخول بقوة في شراء أسهم الشركات المرسومة لها أدوار ضمن مخططاته لفرض التطبيع وتوسيعه واستحالة التراجع عنه فيما بعد.
من هنا يمكن فهم التوجه الصهيوني لدول الخليج العربية، فبالإضافة إلى أنها عملية كسر حاجز التطبيع واستغلال الدول الهشة التي يعيش مواطنوها أقلية في بلدانهم، فإن هذا التوجه يعني أيضاً سعياً محموماً للاقتراب نحو حدود إيران، التي يعتبرها الكيان الصهيوني العقبة الكأداء في وجه التطبيع الكامل مع أغلب الدول العربية والإسلامية والداعم العلني لحركات المقاومة الفلسطينية والمعرقل الرئيسي لمخططاته، وهذا ما يفسر لهاث الكيان على تشكيل حلف صهيوني- خليجي ضد إيران، مستغلاً الخلافات العميقة بين ضفتي الخليج، وهذا ما يفسر، أيضا، الاتفاق الإبراهيمي الذي وقع في واشنطن باعتباره خطوة على طريق تشكيل حالة جديدة في المنطقة ستسهم في تسخينها ووضعها على فوهة بركان، الأمر الذي سيقود إلى فوضى لن يفوز فيها أحد، سوى الكيان الصهيوني وحده، بينما سيعم الضرر دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والدول المحيطة.