DELMON POST LOGO

في منتدى عبد الرحمن النعيمي في بيروت .. تطبيع القرن من الهيمنة إلى الصهيَنة ! ---1

سياسة السلام الاقتصادي كخيار استراتيجي  شكل التبعية والهيمنة  التي اعتمدت عليه أمريكا  لتشديد قبضتها على الدول العربية
خلص مروان عبد العال ، الكاتب والروائي  وعضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ورقة عمل قدمها بمنتدى عبد الرحمن النعيمي في بيروت مؤخرا ، بان [ التطبيع  هو "بوليصة تأمين أمريكية" للكيان الصهيوني  كونها  أمام  تراجعات اضطرارية جديدة، وتحولات دولية لغير صالحها ، وتبدلات استراتيجية  تطال وظيفة  "إسرائيل"  للقيام  بوظيفة إمبريالية إقليمية،  بإلحاق الأنظمة في مشروعها  وليس العكس! من مبدأ تثبيت  وجود ودور وزعامة الكيان في المنطقة، وهذا يحتاج تأمين درع أو عمق أمني واستثماري ومالي وعسكري وسياسي وثقافي وتطبيع ديني يكرس قبولها  ثمنه تصفية  القضية الفلسطينية ومصادرة هوية  وانتماء ومستقبل شعوب المنطقة !].
وقال في رقته التي بعنوان "  هل غاية  التطبيع  الاندماج في المنطقة أم دمج المنطقة في المشروع الصهيو/أمريكي؟" ان تفكيك هذه الإشكالية يكون بالإجابة على الأسئلة التالية : ما هي  المقدمات التاريخية التي  أسست  للتطبيع؟  ودور الرّهان على  التسوية؟ ما هي الاستراتيجيات المتدرجة التي مهّدت إلى حالة الاختراق ومساعي تحويل  عملية  الصراع، إلى تشريع التطبيع والخيانة؟ ثم  ما دور الاستراتيجية الأمريكية ومنها صفقة القرن  حتى استراتيجية بايدن الثانية؟  المسألة التاريخية  في  مسيرة التطبيع  تعني إقصاء الرواية العربية وأن العربي لا يملك  رواية أخرى أو خطاباً مضاداً.
الذين يروجون للتطبيع وكأنه " الحل النهائي" لمشكلاتنا المزمنة! وأن العلاقة معها مسألة سيادية خاصة وتحولت إلى خيار جماعي واستراتيجي، الذي أسس مسبقاً لنهج  سياسي محكوم بالهدف وليس التفاصيل أو المعايير.
وقال ان سياسة السلام الاقتصادي كخيار استراتيجي  هو شكل التبعية  والهيمنة  التي اعتمدت عليها الإمبريالية الأمريكية لتشديد قبضتها على الدول العربية وتكريس الكيان كإمبريالية صغرى بتوابع وملحقات رجعية من أنظمة حاكمة، والتي مهدت لحروبها على المنطقة ولإعادة رسم خرائط المنطقة السياسية والجغرافية في طور جديد موسع ومكثف من أطوار المشروع الاستعماري الغربي القديم المجدد لمنطقتنا.
وأوضح بان التطبيع تخلي عن فلسطين وليس من أجلها ، وانها ما هي الا محاولات لتطبيع العقل العربي على القبول بالمؤقت بوصفه الحل النهائي، والكيان الغريب بوصفه القريب، والاستثنائي كأنه الطبيعي. والعدو الذي صار صديقاً. أي الانتقال من التسوية إلى التصفية، والتطبيع هو ترويج للوهم الذي سينهي المشكلة كما يتوهم أصحابه، كبداية لتصفية الركائز التاريخية المكوِّنة للقضية الفلسطينية، كتتويج لمسار طويل قبل ومع اتفاقات "أوسلو" ذاتها.
قدّمت فيه  تنازلات كبرى، أهمها الاعتراف بحق "إسرائيل" في الوجود، تلك السابقة التي تتناغم مع سلسلة من التواطؤ والخيانة والعجز العربي العام، من تحويل للصراع وتدمير  الهدف الجامع والمركزي  ويتحول العدو المشترك إلى الصديق ، مستنداً إلى أنظمة رجعية  ملهوفة لطي ملف "المرحلة الانتقالية" نحو المرحلة النهائية أي بالتصفية.
والحصيلة التسليم بالكيان الصهيوني في فلسطين ، وهو ما يعني التسليم باغتصاب فلسطين والقبول بالتعايش مع قاعدة الاستعمار الأمريكي والعالمي في المنطقة.
من الربيع العربي إلى التطبيع العربي :
المتلازمة الأخرى بين التطبيع والربيع ، كأنه لزاماً على الحلم الديمقراطي في العالم العربي أن يقترن بالتطبيع مع الدولة اليهودية؟ وأن الدعوة إلى الربيع لا بد أن تنتهي  إلى التطبيع! شرط انفتاح الثقافة العربية على أفق العالمية مرتبط بـ" الإسرائيلي" كرمز محلي للثقافة الغربية.
استرتيجية مدروسة استخدمت "الفوضى الخلّاقة"، التي بدأت بُعيد احتلال العراق واستؤنفت لمصادرة  "الربيع العربي" وحرفه عن مساره،  والعمل على تفكيك  الدول المركزية  حيث أمكن، مستغلة غياب المشروع العربي الجامع وفشل الدولة الوطنية، من خلال  شن حروب مباشرة أو بينية ، أو بالوكالة أو بالاحتواء المزدوج، ثم لدفع ديناميات التدمير الذاتي وباستخدام وسائل  متعددة منها فرق التطرف والإرهاب الداعي لتمزيق النسيج الاجتماعي،   وتحويلها إلى دويلات إثنية وطائفية وعشائرية. لخلق قضايا لكل بلد عربي، لخلع فلسطين من هموم الشعوب العربية، واعتبار قضية فلسطين وليس " إسرائيل"  أنها السبب وراء أزمات المنطقة، وأنها النتيجة لوجود الكيان الصهيوني في قلب الأمة!
باختصار شديد، الوضع الراهن من الصراعات يتمحور حول  تزييف الحقائق  عبر التسويق الذي جرى باسم "سلام أبناء إبراهيم"، تزوير واضح للتاريخ وطبيعة الصراع الدائر في المنطقة بين التحالف الإمبريالي - الصهيوني - الرجعي،  وقوى المقاومة والتحرر الوطنية والشعبية.
شرق أوسط أكثر اندماجاً:
في 12 أكتوبر من العام الحالي 2022 أعلن البيت الأبيض عن وثيقة من 48 صفحة تحدد سياسة الأمن القومي الأمريكي لنهاية إدارة بايدن والتي تقر بتحول كبير في السياسة الدولية، ، وتدعو الاستراتيجية الجديدةُ إلى وقف التصعيد في الشرق الأوسط، وإلى التكامل الاقتصادي في المنطقة، وقد انتقدت اعتماَد السياسِة الخارجيِة الأمريكيِة على استخدام القوة العسكرية. وترِكز الاستراتيجية على تحديد خطوات لتعزيز مصالح واشنطن، ومساعدة شركائها الإقليميين على إرساء أسس الاستقرار والازدهار.
وتجِدد الاستراتيجية الالتزام "الصارم" بأمن "إسرائيل"، وتتعهَّد بتوسيع وتعميق علاقات "إسرائيل" "المتنامية" مع الدول َالعربية، وتؤكد دعمها لاتفاقات "إبراهام" والحفاظ عليها ،وتشير الوثيقة "تلبية حاجات الفلسطينين إلى دولة آمنة وواقعية "،
كما تؤكد مبدأ حل الدولتين كأساس للتسوية "الصراع العربي -الإسرائيلي "،مع التأكيد على  عدم وجود حل عسكري لأزمات المنطقة، كما تدعو إلى "شرق أوسط أكثر اندماجا" من شأنه أن يقلِل على المدى البعيد "َمطالب الَموارد" من الولايات المتحدة التي تضعها في المنطقة والتي "وفَّرت حماية للدول المنتجة للنفط على مدار عقود". إذن، دور الولايات المتحدة  يقوم بحماية الكيان كصاحب اليد العليا في الإقليم؛  ليكون الدولة الإقليمية العظمى.
الحصاد الصهيوني في ظلال التطبيع:
1- ارتفعت مؤشرات الاختراقات الاقتصادية والسياسية والثقافية للمنطقة والتي تهدف إلى خلق  أمر  واقع لا يمكن رفضه
2- ، يحقق ما تريده "إسرائيل" ويكمّل  الإجهاز على الحقوق الفلسطينية والعربية.
والصفقة تُعد بفرصة للتطبيع مع جزء مهم من العالم العربيّ لتطويع من لا يزال يرفض علنيًا  الاعتراف بشرعيّة المشروع الصهيونيّ والتعامل معه، وتزايد الهجوم التطبيعي بين الدول العربية و"إسرائيل"،  كترجمات من خلال الزيارات الرسمية أو الفنية أو الرياضية أو حتى السياحية، بالإضافة إلى اللقاءات السرية وترويج السياسة الإسرائيلة التي تفضل التطبيع قبل تحقيق السّلام. فقد بلغ  التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل أرقاماً كبيرة خلال العامين الماضيين، وسط تأكيد مسؤولي الجانبين رغبتهم في ترسيخ العلاقات الاقتصادية.
متابعة عملية التطبيع وحجم التجارة العربية "الإسرائيلية" تكشف عن مدى التناغم الرسمي مع الرؤية الأمريكية، المتمثلة بأولوية التطبيع على السّلام، حيث تشير الأرقام بأن حجم التجارة بين الخليج و"إسرائيل" وصل إلى حوالي مليار دولار، عن طريق طرف ثالث (الأردن أو تركيا وأحيانًا الاتحاد الأوروبي). وبلغت الصادرات "الإسرائيلية" للدول العربية نسبة (10%) من مجمل صادراتها.
3- مسارعة بعض الأنظمة للتطبيع مع الكيان الصهيوني رغم قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وموضوع ضم الجولان. وهذا يؤكد أن بعض النظام العربي يعتقد أن شرعيته تأتي من  إدارة ترامب.
4- بدأ الكيان الصهيوني يستقوي بالإقليمي على الفلسطيني بهدف تجديد  اتفاق أوسلو، إلى" أوسلو عربي" جماعي بتنسيق أمني عربي - إسرائيلي. والذي يتم تعريفه في نطاق الاستراتيجية الأمريكية بـ "ميثاق الشرق الأوسط" .
5- استراتيجية معاكسة اًو السلام المعكوس ، "الحل الخارجي بغطاء داخلي"  التي تتوافق مع إرادة أمريكية تشن هجوماً لتصفية  قضية اللاجئين كونها الركيزة الأساسية في الصراع.
6- استراتيجية  موازية، كان يشترط على البدء بأي مفوضات ضرورة اعتراف الجانب الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية.
ودون ان ننسى انتزاع اعتراف أميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السورية، جرعة أخرى للتوغل الصهيوني بالمنطقة، التي تقع في نطاق الأهمية الاستراتيجية. ودلالتها أن مساحة الجولان تبلغ نحو 1860 كيلو متر مربع فقط، إلا أنها تتمتع باستراتيجية استثنائية لمن يسيطر عليها.
كيف ستسقط  سياسة  التطبيع ؟  
استعادة المسألة التاريخية: وهي في الجوهر الهوية. أي القدرة على امتلاك التاريخ واستنطاقه وكتابته هي القدرة على إبراز الهوية وفهم رسالتها. حكماً ليس بالشعارات،  ولا سياسة الاستجداء، ولا خطاب ناري يكرر رفضها، سيظل هذا الموقف ناقصاً في ظل غياب الشروط والفاعلية المطلوبة لتحقيق ذلك.
مقاومة التطبيع هي حماية للذات ، الصدقية مع الذات المستندة إلى الفعل اليومي والممارسة الجماعية وتعبر عن  ضمير الشعب وحقه في المقاومة في سبيل الحرية. الصدقية السياسية تولد من تلك الأدوات  التي تنشد التغيير، ومن إرادة سياسية  تتجاوز الوضع القائم، ورؤية تدرك ماهيّة الممكن في الوضع أو الزمان المحدد والبيئة الاجتماعية، فهي فن المُمكن في الزمن المستحيل، من خلال السياسة التي تخلق واقعاً جديداً، وثقافةً جديدةً، وتخرج من متلازمة الفشل وثقافة الهزيمة نحو امتلاك عقيدة النصر. وعبر الخيارات المتاحة التالية:
• إدارة للصراع من خارج القيود التي أوجدها  اتفاق أوسلو. أن تكون الوحدة الوطنية شاملة مجسَّدة  في منظمة التحرير الفلسطينية بمضمونها الجبهوي والكفاحي المعبرة والمكونة من جميع الفصائل والشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، أي كل ركائز المشروع الوطني الفلسطيني، بديل جديد  بِنِيَّة ورؤية تستند إلى ثقافة الاشتباك المقاوم والشعبي والمدني والسياسي والتنظيمي، وحدة بمضمون استراتيجي تحرّري وطني جديد وموحّد.
• الوعي الاستراتيجي  لقضية فلسطين، من حيث علاقتها بمشروع النهضة العربية، وهذا يعني أيضاً الفهم الاستراتيجي للكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني  ووظيفته في المشروع الغربي، وتطوير عمل مناهضة التطبيع  مع القوى الاجتماعية المختلفة باتجاه احتضانها ودعمها، بما يمنحها مشروعية شعبية استنادا إلى دائرتها الاجتماعية الشاملة.
• دعوة  القوى الشعبية العربية الحيّة لمواصلة حصار النشاط التطبيعي في المنطقة العربية بوصفه طريقاً لإفشال أي اندماج أو اختراق إسرائيلي في المنطقة بمواقف حزبية سياسية وفوقية ومعزولة بل بالبعد الحقيقي الشعبي المنظّم، ومن خلال مبادرات تطلقها الفعاليات الاجتماعية والأكاديمية والشعبية والمدنية والنقابات المهنية مثل حملة (BDS)، وفي ذات السياق،لا يمكن أن تتّسع حركة المقاطعة عالمياً  بينما تتراجع عربياً، وهذه الظاهرة تحمل في طياتها دلالات ومضامين خطيرة، فكل معركة ضد الاستلاب والتبعية، ومعركة إسقاط  حلف التطبيع لا تنفصل عن معركة الحرية، وهذا يحتاج إلى ثورة  فكرية  تمتد على عموم مساحة الوطن العربي.
• القضية  هي قضية  الانتصار لاستراتيجية العمل المقاوم والتحرري في مواجهة استراتيجية التطبيع والتبعية والتسوية الانهزامية،  يكون ذلك بتوفير شروط الانتصار الحاسم والنهائي على العدو الامبريالي والصهيوني وملحقاته، وأساس هذه الشروط توحيد وتعبئة كل قوي وطاقات شعوبنا في مقاومة الاستعمار والصهيونية والقوي المرتبطة بهما والممائلة لهما، واعتبار هذه القضية حجر الزاوية في أي مشروع سياسي جدير بانتسابه إلي الشعب أو إحدى طبقاته، وقد أفصحت وقاحة التطبيع بنسخته "الإبراهيمية" عن حقيقة المشروع الاستعماري الصهيوني الرجعي عن صحة هذا التوجه وبما لا يدع أدني عذر أو حجة للاعتراض عليه.