DELMON POST LOGO

في منتدى عبد الرحمن النعيمي في بيروت .. التطبيع سيسهم في تفتيت الدول العربية المركزية الى كيانات صغيرة متصارعة -- 2

                                                              
حذرت دكتورة خديجة صبار العرب من ان التطبيع سوف يسهم في على تفتيت الدول المركزية إلى كيانات صغيرة تقوم على أسس طائفية أو عرقية وتحويله إلى كيانات صغيرة متصارعة ان لم يكن اليوم ، بالتخطيط للمستقبل .
وقالت في منتدى النعيمي السنوي السابع ببيروت في ورقة عمل تحت عنوان " سياسات التطبيع وأهدافها في عموم دول المغرب العربية، وبالأخص المملكة المغربية" مرخرا ، بان لجوء بعض الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني المحتل الذي لم يكن موجودا أصلا قبل اعتراف المجتمع الدولي به بقرار صدر بتاريخ 29/11/1947عبر إعلان صفقة القرن بتاريخ 27/1/2020، قبل إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية أشكلها وعقد مسار حلها، وتجاوز الإرادة الفلسطينية:فهل يمكن فصل المسارين بعضهما عن بعض؟ هل يمكن الوصول إلى مستوى التعامل مع الكيان على أنه جزء طبيعي في الوطن العربي؟ وما مدى استعداد الطرفين النفسي والاجتماعي لبناء علاقات بينية سوية بمعنى صياغة قيم معيارية مشتركة وهيكل أمني جديد وميثاق اقتصادي، وتجاوز الاعتبارات الأيديولوجية بينهما وفق قاعدة رابح/رابح؟ ألا يرمي التطبيع إلى ترسيخ وجود الكيان وسيطرته على المنطقة وتسليم قيادتها له على حساب الدول العربية؟ وهل ستنجح الإستراتيجية الأمريكية في محو إفرازات الصراع والعداء وتدشين روابط تعاون عبر التطبيع عوض الحروب والتوترات، علما أن نجاحها يعني استحالة بل موت فكرة الوحدة العربية وإنشاء بيئة مناسبة للتغيير والتجدد الحضاري؟ ما هي مخاطر التطبيع بالنسبة للقضية الفلسطينية والدول والشعوب العربية والإسلامية؟ وهل من المعقول أن تقود دولة الكيان المغتصب الجغرافية العربية ما عدا إن فقد القادة العرب سمات العزة والشهامة والكرامة؟ و ما دور شعوب الأمة ومؤسساتها في مواجهة التطبيع والمطبعين المؤدي إلى إضعاف الانتماء العربي والإسلامي لفلسطين أرضا وشعبا ومقدسات؟ تستقصي الورقة الموضوع اعتمادا على المنهج النقدي التحليلي المبني على استنطاق واستقراء الأحداث مع الاستفادة من المنهج التاريخي كأساس لفهم وتحليل العلاقة بينها، وذلك بطرح الإشكالية في إطار جماعي وعملي (منطق الفعل) غير تجريدي(منطق القول)، قصد الوقوف على الأسباب والدوافع بمنهج عقلاني مفتوح على العديد من المداخل لاستشراف سبل المواجهة، من منظور أن التاريخ بلا سياسة أبكم والسياسة بلا تاريخ عمياء.
I- أسس الإستراتيجية الصهيونية العالمية للتطبيع
1- منع التضامن العربي
برزت أولى عناصر مخطط التفتيت باتفاقيات السلام العربي الإسرائيلي لمنع الإرادة العربية من التماسك والتكامل واستئصال إرادة التحدي العربية لبقائها، بمعاهدة كامب ديفيد (1979) وسحب سوريا من لبنان ومأساة حرب الخليج (صراع بغداد وطهران)، وتمثل نقطة تحول في مسار القضية الفلسطينية والبوابة التي عبرها ستتسلل كافة أشكال الاستسلام السياسي لأنها أجبرت العرب بكيفية غير مباشرة للاعتراف بالكيان الصهيوني. أخرجت مصر من المعادلة وكسر الإجماع العربي حول مقاطعة إسرائيل وجعلت كل الأوراق بيد أمريكا(عبارة السادات) وكسر قرار اتخذته جامعة الدول العربية عام 1950، أي قبل لاءات الخرطوم الثلاث ولم يستوجب أية خطوة مماثلة من الطرف اليهودي، وفتحت الباب واسعا لأشكال التطبيع الأخرى؛ أوسلو وكسر الحاجز النفسي (1993)  بعد حرب الخليج الثانية 1991 ومؤتمر مدريد للسلام، فاتفاقية وادي عربة (1994) بعد عشرة أشهر منه تمت اتفاقية أوسلو ووادي عربة في سياق حروب بين أطرافها وجاءت لتسوية نتائج تلك الحروب؛ وشعوبها إلى اليوم غير متقبلة لوجود الكيان على أراضيها. جاء في المادة السابعة فقرة "ج" "عدم حصر التعاون بين الدولتين فحسب وإنما يشمل تعاونا في النطاقات الإقليمية الأوسع،"  بمعنى أن المملكة تشكل مدخلا للكيان نحو دول العالم العربي والإسلامي وضمان الإطار الأوسع للتعاون، وهو هدف الكيان البعيد المدى، وطبقا للحدود التي يدعون أن الرب حددها لهم؟ وهم المستوطنون المتطرفون الين يضعون هذه المسألة في جدول أعمالهم بشكل متكرر منذ النكبة 1948. يليها التطبيع عبر الاقتصاد لتقنين العلاقات بشكل تجاري في سياق مؤتمر القمة الاقتصادي للشرق الأوسط وإفريقيا المنعقد في الدار البيضاء بتاريخ 30/ 10/ 1994، وعلى مستوى ممثليات اقتصادية وتجارية المغرب وتونس(1996-2000)، تتوقف عند تصعيد العنف كما فعل المغرب عندما أغلق مكتب الاتصال في الانتفاضة الثانية عام (2000) التي تمثل استفتاء يوميا عن إرادة الشعب الفلسطيني في الداخل وتضحد كل الآلة الدعائية الصهيونية، ومع موريتانيا والمغرب وتونس وقطر ودول أخرى أقامت علاقات دبلوماسية مع الكيان وقطعتها فيما بعد، بينما صمدت دول أخرى: الجزائر، سورية، العراق، ليبيا، لبنان، اليمن السعيد. هذا المسار شكل تحولا جوهريا للقضية، أفضى إلى "صفقة القرن"، نتاج المخططات السالفة، وهدفها تفريغ الجسد العربي من عناصر القوة لتغيير خريطة المنطقة وإدماج الكيان مع المحيط العربي، حيث وقعت الإمارات العربية المتحدة (13/8/2020) ومملكة البحرين( 11/9/2020) اتفاقيتي التطبيع في البيت الأبيض 13/8/ 2020 بهدف دمج الكيان في المنطقة وتحييد الدول العربية عن القضية ليبقى محصورا بين الفلسطينيين والكيان. عقدت أربع اتفاقيات عربية رسمية مع الكيان برعاية الولايات المتحدة الأمريكية لأن المشروع الصهيوني لا يتحرك إلا في سياق المشروع الأمريكي للمنطقة:الإمارات البحرين تبعتهما جمهورية السودان (23/10/2020 ) فالمملكة المغربية سادس دولة بتاريخ( 10/12/ 2020) باستخدام قضية الصحراء كورقة ضغط. وتمكنت الإدارة الأمريكية من وضع بنودها موضع التنفيذ عبر الإعلان عن توقيع "اتفاقية أبراهام" 13 /8/2020، تنجح أمريكا دائما في تكريس الانقسام العربي بين من يضع ثقته في حمايتها وفيها وحدها ومن يحتفظ بما بقي من وعي قومي. ولم يتوقف الكيان الصهيوني خلال هذا المسار عن ممارسة أبشع الجرائم وسفك الدماء وبسط النفوذ بقوة السلاح وسياسة الاعتقال واقتحام المدن والقرى وفرض الحصار الجوي والبري والبحري على قطاع غزة للنيل من صمود الشعب الفلسطيني تجاه جبروت المحتل الذي يحلو له القيام بدور الضحية لكنه في الواقع أقوى قوة في المنطقة نجحت في ممارسة استراتيجية منع التضامن العربي.
II- الدبلوماسية الروحية والمخطط الإبراهيمي
التطبيع أحد مظاهر "صفقة القرن." ويتلخص في ضم الضفة الغربية بدون القدس والمستوطنات إلى الأردن، وتسليم أهل غزة إلى مصر وإنهاء الوجود الفلسطيني في فلسطين التاريخية،  متجاوزا مبادرة السلام العربية (قمة بيروت  2002) حيث أصحاب الحق يلتجئون للكيان طلبا للسلام، وتنص على إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان مقابل تطبيع العلاقات مع الكيان، ولاقت إجماعا عربيا ودوليا،  ولم تلق قبولا لدى الكيان رغم أنها لا تلبي سوى الحد الأدنى من الحق الفلسطيني بمعنى إعاقة الكيان لكل خيار سلام وترسيخ سياسة الأمر الواقع؛ هكذا حقق هدفه ضاربا جميع المبادرات العربية عرض الحائط، فلا انسحب من الأراضي العربية المحتلة، ولا اعترف بحقوق الشعب الفلسطيني لأن إستراتيجيته لإدارة الصراع تقوم أولا على تحقيق التفوق العسكري لمنع الدول العربية من محاولة القيام بأي عمل ضده والمعروف بنظرية "الردع ضد الدول العربية" لا على أساس تسوية عادلة للصراع،
ثانيا على تفتيت الدول المركزية إلى كيانات صغيرة تقوم على أسس طائفية أو عرقية وتحويله إلى كيانات صغيرة متصارعة وقطع الطريق على الأطراف الإقليمية.
1- التطبيع جريمة سياسية وخطيئة تاريخية
تطبيع العلاقات مع العنصرية الصهيونية المخالفة لجميع القرارات الدولية غير طبيعي، رغم عدم إغفال الوضع العربي وسياقه التاريخي، ورغم أن توحيد العرب أمر عسير كما دلت التجربة هناك ( خلاف عربي عربي، خلاف خليجي، واستثمار الإدارة الأمريكية الساعية إلى دمج الكيان في أحلاف إقليمية قبل التوصل إلى حل القضية الفلسطينية، الخلاف العربي الإيراني لخلق التقارب مع الكيان الحليف الحريص على دول المنطقة والقادر على مواجهة الخطر الإيراني، والخلاف الفلسطيني الفلسطيني: رفض حماس لكل أشكال التطبيع الذي ترى فيه خيانة لشعوب الأمة وقيمها وأخلاقها وتفريط بتضحيات الشعب الفلسطيني) وتأثير الربيع العربي ومخرجاته، إضافة إلى أن العلاقات العربية مع الكيان مستمرة منذ سنوات بحيث استخدمت الدول العربية وخاصة الخليجية المؤسسات الاقتصادية والتجارية لفتح قنوات الاتصال السياسي وأخرى لها نفس العلاقات بالكيان (قطر وسلطنة عمان)، زيارات لقيادات صهيونية وفرق رياضية  بين الكيان والدول الخليجية علما أن التطبيع الرياضي أخطر أشكال التطبيع يقول "هرتزل" في إحدى خطاباته:"مهرجان رياضي واحد أقوى من مائة خطبة من خطاباتي"، و يسعى ولي العهد السعودي لإخراج بلده من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي مقابل بناء تحالف استراتيجي مع إسرائيل تجاه إيران، مؤكدا أن من حق الإسرائيليين العيش في أمان على أرضهم" مشددا على أنها ليست العدو بل إيران كما ورد في "صحيفة أتلانتيك" ونعتبرها مجرد انطباعات وانفعالات تنتصر للصهيونية قافزة على طبيعة المشروع الصهيوني ودولته، تعالج أعراض لا جذور المشكلة وجانبها التاريخي التحليلي الجوهري، وكأنه ليس هناك أبعد مما هو حاضر، وكأن التطور الذي تستحقه المنطقة يمر عبر الكيان (= العقل المتفوق والإنسان السوبرمان) والدول العربية بثرواتها ورؤوس أموالها سوف تبقى بحاجة لعقل ومعرفة الكيان الصهيوني، الشريك الموثوق للأنظمة العربية في طريق الازدهار، والحال أن نهضة المنطقة مرتبط بالتخلص من مشروعه المبني أساسا على بقاء البيئة العربية الإسلامية ضعيفة مفككة ومتخلفة ويمس أهم قضية من قضايا العرب المعاصرة، قضية نهضتهم وعودتهم كأمة إلى مسرح التاريخ  أمر يتوقف على التخلص منه عوض إضفاء الشرعية عليه، في تجاهل تام لقول رئيس المؤتمر الصهيوني الأول"تيودور هرتزل" عام 1897م بسويسرا "إن تطلعات الصهيونية العالمية لا بد أن تصل إلى إضعاف وتقسيم الجزيرة العربية:"إن ما يلزمنا ليست الجزيرة العربية الموحدة، وإنما الجزيرة العربية الضعيفة المقسمة الواقعة تحت سيادتنا، المحرومة من إمكان الاتحاد ضدنا." وقول "مناحيم بيغن":" لن يكون سلام لشعب إسرائيل، ولا لأرض إسرائيل، ولا للعرب، ما دمنا لم نحرر وطننا بأجمعه بعد، حتى لو وقعنا معاهدة الصلح"!. وبعد تدنيس ساحة المسجد الأقصى والاعتداء على حائط البراق في احتفال ضخم ونفخ بالأبواق عام 1967م، ألقي "دافيد بن غوريون) خطابا ورد فيه:" لقد استولينا على القدس، واستعدناها وغدا سيكون طريقنا إلى يثرب"، أما "موشي ديان" فقال يوم احتلال القدس:"الآن أصبح الطريق مفتوحا أمامنا إلى المدينة ومكة"، وتطلعت رئيسة وزراء الكيان "غولدا مائير" إلى الجنوب ثم قالت: "إني أشم رائحة أجدادي بالحجاز، وهي وطننا الذي علينا أن نستعيده"، بعد أن فقدت الجماعة اليهودية المتفرقة في شتى بقاع العالم وضياع الروابط والمكونات التي تشكل الجماعة ومقومات وجودها كجماعة واحدة: روابط اللغة والأرض والحياة المشتركة.
2- التطبيع إنجاز استراتيجي للكيان الصهيوني
التطبيع- انطلاقا من الحقائق أعلاه إنجاز استراتيجي للكيان الصهيوني ومدخل لتصفية القضية الفلسطينية، إذ مكنه من فتح عهد جديد للعلاقات مع المطبعين عبر "اتفاقية أبراهام" التي تبين مدى قدرته على التوسع في المنطقة في الوقت الذي لا زالت آلة قمعه مستمرة في سفك دماء الفلسطينيين وسلب أراضهم وحقوقهم وتدمير مقدراتهم.
3- أهمية المنطقة العربية في التطبيع
بدأت صياغة المنطقة كفكرة قبل عقود لتتبلور منذ عام 1974م، تحت مسمى "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الممتد من أفغانستان شرقا، حتى اليمن والصومال جنوبا، ثم السودان، مرورا بالصحراء الغربية حتى موريتانيا غربا، وعلى أساسه، يناط بدولة الكيان دوراً إداريا واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً في المنطقة العربية، ثم تم العدول عن هذه التسمية إلى "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، وتصالح الأديان تحت مظلة الديانات الإبراهيمية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام.