DELMON POST LOGO

في منتدى عبد الرحمن النعيمي في بيروت .. تجربة قطر في مقاومة التطبيع --7

شارك كل من مريم الهاجري وهاني الخراز في ورقة عمل مشرتكة استعرضا فيها تجارب الحراك الأهلي في قطر لنصرة القضية الفلسطينية عن طريق استعراض أنشطة لجنة قطر الأهلية لمساندة الانتفاضة الفلسطينية ١٩٨٨ ، والجمعية القطرية لمساندة الحقوق الفلسطينية ٢٠٠١ ، و شباب قطر ضد التطبيع ٢٠١١ .
والتي تعبر عن الرغبة الجادة من قبل المجتمع القطري لدعم القضية الفلسطينية ومدى انعكاسهما على الجهود المبذولة اليوم. هاتان التجربتان تشيران إلى أن دعم القضية الفلسطينية في قطر ليس أمرا طارئا بل امتداد لقناعات الشعب القطري الثابتة في دعم القضايا العربية والقومية.
كما ستسعى الورقة إلى توضيح العراقيل التي واجهت ولا تزال جهود مناهضة التطبيع، نتيجةً لتضييق الجهات الرسمية.
وكذلك تستعرض الورقة حال مجموعة شباب قطر ضد التطبيع (QAYON) ، وهي عبارة عن مجموعة شبابية غير رسمية, تعمل في الفضاء الإلكتروني بالمقام الأول، وتهدف لرصد حالات التطبيع في قطر وتوعية المجتمع القطري بها، ولتفعيل حملة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS) في الدوحة.
أولاً: لجنة قطر الأهلية لمساندة الانتفاضة الفلسطينية ١٩٨٨:
كان الشارع العربي برمته مساندًا للانتفاضة الفلسطينية الأولى المقاومة للاحتلال الصهيوني الغاشم، وتجلى هذا في مؤتمر عقد في صنعاء تحت مسمى "’ندوة الفكر والفن والأدب لدعم الثورة الشعبية في فلسطين" والذي عقد بين ١١-١٤ يونيو ١٩٨٨. حضر المؤتمر نخبة من المفكرين/ات والفنانين/ات العرب، ولم يكن الشارع القطري مستثنى من ذلك، فبعد حضور الدكتور علي خليفة الكواري للندوة المقامة في صنعاء، قام بنقل أجواء المطالبة بدعم الانتفاضة الفلسطينية بما يمكن من وسائل، عن طريق نقل الأخبار للإذاعة الرسمية القطرية، التي باشرت بدورها بإدارة عبد الرحمن سيف المعضادي بنشر بيان الندوة الختامي، والدعوة لدعم المقاومة والانتفاضة، وقد تمت الاستجابة للدعوة بالفعل.            
هيأ هذا الجو، لانضواء عدد من المواطنين القطريين تحت جمعية واحدة داعمة للانتفاضة الفلسطينية. ففي عام ١٩٨٨ تم تأسيس لجنة قطر الأهلية لمساندة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والتي استمر عملها لمدة ٧ سنوات، حتى تم إغلاقها بتوجيه رسمي. ففي عام ١٩٩٤، أمر البنك المركزي في قطر بإغلاق الحساب البنكي للجنة، وسحب ما تم جمعه من قبل المساهمين في الجمعية، علمًا بأن هذا المبلغ كان يجمع عن طريق التبرعات الفردية والجماعية، لصالح خدمة القضية الفلسطينية، بالتعاون مع مؤسسة تعاون الفلسطينية، سعيًا للوصول لاحتياجات الداخل الفلسطيني، حيث نصت الوثيقة الرسمية للجنة على أن الهدف الأساسي من تأسيسها هو: ”تعزيز الالتحام بالانتفاضة الفلسطينية، وتوظيف القدرات الفكرية… من أجل تعميق وتجذير روح الدعم والمناصرة لصمود الشعب العربي الفلسطيني على أرضه وتأمين شروط استمرار انتفاضته الباسلة..“. لم يبدأ توجه السلطة بعرقلة العمل الأهلي الداعم لفلسطين من هذا الموقف، فقد سبق ذلك معارضة مباشرة من حاكم قطر آنذاك، لعمل اللجنة منذ اجتماعها الأول.
ثانياً: الجمعية القطرية لمساندة الحقوق الفلسطينية 2001:
إثر الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية وانطلاق الانتفاضة الثانية عام 2001، ألحت فكرة إشهار جمعية قطرية لمساندة الحقوق الفلسطينية. بعد تداول فكرتها بين جمع من المواطنين المهتمين بالشأن الفلسطيني، عقد الاجتماع التأسيسي للجمعية وكتبت وثيقة التأسيس والتي وقع عليها ما يقارب مئة مواطن، وتم تقديم طلب رسمي لإشهار الجمعية. بعد مماطلة دامت أشهرا، رفضت إدارة الشؤون الاجتماعية في وزارة شؤون الخدمة المدنية طلب الإشهار بحجة حظر العمل السياسي على الجمعيات المدنية حسب القانون القطري، ولم يشفع التظلم المقدم لمجلس الوزراء في حينه لإعادة النظر في القرار. بالرغم من تصريح اللجنة المؤسسة بإمكانية التعديل على ما تراه الإدارة غير مقبول، إلا أن الإدارة التزمت بخيار الرفض، ولم تعطي مجالًا للمؤسسين لإعادة رسم خطة التأسيس. وقد لخصت اللجنة التأسيسية في بيانها أسباب الرفض في أمرين: "أولهما: إن أغراض الجمعية تعني اشتغالها بالأمور السياسية. وثانيهما: إن هيئة المؤسسين البالغ عددهم ٩٧ شخص يوجد بينهم شخص واحد لا يحمل الجنسية القطرية خلافًا لما نصت عليه المادة (٢) من القانون رقم (٨) لسنة ١٩٩٨."
علاوة على ذلك، أكدت اللجنة على طبيعة عمل الجمعية المزمع إشهارها، التي لا يفترض بها أن تنشط في الفضاء السياسي، وإنما الغرض الأساسي من تأسيسها هو مساندة حقوق الشعب الفلسطيني عن طريق الدعم المالي والمعنوي، بالإضافة لدعم الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الغاشم، ودعم مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني بكافة أشكاله على المستوى الوطني والإقليمي. وبرغم المحاولات، إلا أنه تم وأد الفكرة قبل ولادتها لأسباب لا تتعلق بطبيعة عمل اللجنة، وإنما لأسباب أخرى، لم تكن مقنعة لمؤسسي اللجنة والباحث/ة في الموضوع. على إثر المحاولة السابقة، تم تأسيس صندوق العون القانوني للفلسطينيين، بإدارة قطرية.. لكن هذه المرة في لبنان.
ثالثاً: شباب قطر ضد التطبيع 2011:
على الرغم من الركود النسبي في الحراك الثقافي والاهتمام بالسياسة في الساحة المحلية القطرية، وعوائق إنشاء جمعيات اجتماعية وثقافية، إلا أن عام ٢٠١١ قد شهد إطلاق مدونة "شباب قطر ضد التطبيع" والتي تحاول رصد ومعارضة أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني وتفعيل حملات المقاطعة في إطار حملة المقاطعة العالمية والمعروفة بالـ BDS.
ومن خلال المدونة تم رصد عدد من حالات التطبيع، وتم بناءً على ذلك التواصل مع الجهات المعنية لمنع وعدم تكرار هذه الحالات، إلا أنها تكررت كثيرًا من عام ٢٠١١ حتى عامنا هذا؛ ٢٠١٧.
هدفت المجموعة منذ يومها الأول إلى التصدي لكل محاولات التطبيع ورصدها، علاوة على نشر الوعي بين فئات الشعب القطري بأهمية مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني تحقيقاً للمصلحة القومية والوطنية، وذلك عن طريق التذكير بانتهاكات إسرائيل المستمرة للقوانين الدولية وانتهاكها للمواثيق الدولية ولحقوق الإنسان، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على طبيعة إسرائيل التوسعية وطموحاتها في المنطقة، والإشارة إلى تناقض حالة التطبيع مع المبادئ القومية والإسلامية لدولة قطر، التي كانت وما زالت تؤكد على الوقوف والتضامن مع فلسطين ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلى أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة كاملةً.
وعليه، كانت المجموعة دائمًا جزءًا من النشاطات العالمية التي تخص القضية الفلسطينية، فكانت منذ لحظة تأسيسها وحتى اليوم، تشارك بفعاليات وأنشطة عدة تخص بالقضية الفلسطينية، منها على سبيل المثال المشاركة بسلسلة من المحاضرات والأنشطة في أسبوع الفصل العنصري السنوي أو مايسمى بأسبوع الأبرتهايد الإسرائيلي  IAW. وكانت المجموعة الأولى في دول مجلس التعاون التي تقوم بتنظيم أسبوع من هذا النوع، وهي فعالية تعقد بالتزامن في عدة مدن حول العالم بتنظيم من نشطاء مناهضون الفصل العنصري والاستيطان والاحتلال الذي يمارسه الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. علاوة على المساهمة الدائمة في يوم الأَرض. بالإضافة للمساهمة الدائمة بكل الفعاليات المتعلقة بفلسطين، سعيًا لغرس وتكريس الوعي الثقافي والتربوي المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني. وضرورة ترسيخ صورة الكيان في الوجدان الشعبي بصفته عدو. بناءً على ذلك، كانت المجموعة تسعى دائمًا لكشف المؤسسات والمنظمات والشخصيات التي لها علاقة بالكيان الصهيوني، وكذلك الشركات المشتركة في رؤوس الأموال معها، والدعوة إلى مقاطعتها ومقاطعة بضائعها فضلا عن مقاطعة المنتجات الصهيونية.
تتمثل آلية عمل المجموعة في إصدار نشرات ومطبوعات وبيانات تنشر الوعي عن محاولات وحالات التطبيع الجارية؛ عن طريق مدونة المجموعة وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة لتنظيم لقاءات ومحاضرات وندوات ودورات تدريبية بالتعاون مع الأندية الجامعية والمؤسسات غير الربحية، التي غالبًا ما تتجاوب مع دعوى المجموعة، ورسالتها. كما أن التعاون يمتد إلى العمل مع اللجنة الوطنية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وكل الجهات ذات الصلة بالقضية، سعيًا لتنفيد غايات وأهداف المجموعة. والمساهمة بأي برنامج ترفيهي كان أو خيري، ببرامج توعوية.
أبرز حالات التطبيع:
تكررت حالات التطبيع مع الكيان الصهيوني في قطر في السنوات الأخيرة، كثير منها كان تحت غطاء رياضي عبر مشاركة فرق ورياضيين/ات إسرائيليين/ات في بطولات دولية مقامة في قطر.  في حين تم رصد حالات أخرى تجارية، ثقافية وأكاديمية.  
كانت آخر حالات التطبيع الرياضي المرصودة ممثلة في مشاركة لاعبين إسرائيليين في البطولة الدولية لكرة الطائرة الشاطئية والتي أقيمت في العاصمة القطرية في شهر أبريل من هذا العام.  بعثت على إثر هذه المشاركة مجموعة شباب قطر لمناهضة التطبيع برسالة لرئيس الاتحاد القطري للكرة الطائرة تشجب فيها هذه المشاركة وتطالبه بمنع هذه الممارسات التطبيعية مستقبلا. ولم يرد من قبله إلى هذه اللحظة أي تعقيب على الرسالة.    
وفي حالة أخرى، عرضت شركة الريل القطرية مناقصات على موقعها في 2012 وكان من بين المتقدمين إليها شركة الستوم المعروفة بتواطؤها مع قوات الاحتلال ومساهمتها في المشاريع الاستيطانية في القدس المحتل. قامت مجموعة شباب قطر ضد التطبيع بمخاطبة الرئيس التنفيذي للشركة مطالبين إياه باستبعاد شركة الستوم من أي مناقصات احتراما لنداء جامعة الدول العربية الذي طالب الدول العربية بمعاقبة هذه الشركة تحديدا نتيجة خروقاتها للقانون الدولي والإنساني. ورغم ذلك تم تجاهل الخطابات والمراسلات الموجهة من قبل المجموعة، وتم منح شركة الستوم عقدا ضخما من قبل شركة الريل القطرية.
علاوة على ذلك، قامت مؤسسة الدوحة للأفلام بدعم فيلم لمخرج صهيوني عمل مع جيش الاحتلال، وعليه قامت مجموعة شباب قطر ضد التطبيع بتنظيم رسالة جمعت فيها صانعي/ات الافلام القطريين/ات لسحب الدعم، وقد تصدر وسم #نرفض-تطبيع الدوحة للأفلام المشهد القطري آنذاك، حتى تم الضغط على المؤسسة عن طريق إظهار الشارع القطري رفضه تمويل كل ما يتعلف بالكيان الصهيوني، وعليه قامت المؤسسة بدورها بالضغط وتهديد كل من شارك بكتابة الرسالة حتى تمسح أسماؤهم منها، كما لابد من الإشارة إلى حقيقة تجاهل المؤسسة كليًا للرسالة، وعدم الرد عليها، أو حتى التجاوب مع احتجاج القطريين والقطريات.
بعض النجاحات:
لم تكن الإخفاقات حليفة الجهود المبذولة من شباب قطر لمقاومة التطبيع دائما.  ففي يوليو 2017 على سبيل المثال تمكن عدد من الناشطين في دولة قطر رفقة ”شباب قطر ضد التطبيع“ من تفعيل وسم #منع_فلم_وندر_ومن عبر تويتر، والذي طالبوا من خلاله بمنع عرض فيلم Wonder Women في صا لات السينما القطرية، وذلك بسبب قيام ممثلة صهيونية بأداء دور البطولة فيه. لتصدر السلطات القطرية بعدها بعدة أيام بياناً تعلن فيه منع عرض الفيلم بسبب احتوائه على ”مشاهد عنف“ حسب ما ورد في بيانها. إلا أن مصدراً أكد لشباب قطر ضد التطبيع أن تحركات الحملة كانت سبباً رئيسياً للمنع.
تطلعات المجموعة والتحديات التي تواجهها خاصة في ظل "الأزمة"
تسعى مجموعة شباب قطر لمناهضة التطبيع لمواصلة جهودها في رصد حالات التطبيع في دولة قطر بجميع صورها وتوعية المجتمع بها، وحث السلطات على التوقف عنها ومنعها مستقبًلا، انطلاقًا من إيمان المجموعة التام بعدالة القضية الفلسطينية ومركزيتها، واستشعارًا بالخطر المحدق بها، نتيجةً لما يبدو وكأنه سعي من قبل بعض الحكومات العربية لمهادنة العدو الإسرائيلي وتطبيع العلاقات معه. ويمثل توسع الأنشطة التجارية القطرية في السوق العالمية عاملا مهما يحتم على قطر صياغة ووضع بنود واضحة في اتفاقياتها وعقودها المدارة يضمن عدم الإخلال بالتزامات دولة قطر بمقاطعة الكيان الصهيوني، وهذا ما تسعى مجموعة شباب قطر لمناهضة التطبيع لضمان تحقيقه.    
يمثل عمل المجموعة دون غطاء قانوني وموقع ثابت على الأرض تحديا دائمًا لها، يعرقل عملها ويؤثر في مدى قدرتها في التأثير والتواصل مع المجتمع.  فقانون الجمعيات والمؤسسات في قطر كان على الدوام عنصر تضييق على العمل الأهلي بكافة أشكاله، ومنه ما يتصل بدعم القضية الفلسطينية كما بينت الورقة. ولا شك في أن الأزمة الخليجية القائمة حاليًا تضيف إلى التحديات التي تواجهها المجموعة تحديًا إضافيًا يتمثل في عرقلة المشاركة الفاعلة في الأنشطة والمواقف المشتركة للمجموعات المماثلة في دول الأزمة. كما تحولت حالات التطبيع المرصودة إلى فرص للمتصيدين في دول الأزمة  لتقاذف الاتهامات بدل أن تبقى القضية الفلسطينية عاملا للتوحد ونقطة للالتقاء بين الفرقاء. ختامًا، وعلى حد تعبير أحد الرفاق "إسرائيل ما زالت كالعاهرة التي يستحي المرء بالإفصاح عن علاقته معها".