" لاشك بأن الشعوب في بلدان الخليج العربي ثابتة على موقفها الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وموقفها الداعم للقضية الفلسطينية. والاتفاقيات التطبيعية الأخيرة لا تعبر عن الإرادة الشعبية في الخليج، والتي متى ما سنح لها الفرصة للتعبير فهي تؤكد على هذا الموقف الراسخ.
في ذات الوقت، إن هذه الاتفاقيات والتحركات على المستوى الرسمي تمثل تحديات أمام جهود مناصرة فلسطين و مقاومة التطبيع، وذلك في كل من سياقات الدول التي طبعت على الصعيد الرسمي، كالبحرين و الإمارات، أو الدول التي لم تطبع على الصعيد الرسمي كالكويت و عُمان وقطر.
تقوم هذه الورقة باستعراض تجربة البحرين، اذ يقوم المحامي غسان سرحان باستعراض صفقة القرن ودور منظمات المقاطعة ومقاومة التطبيع في دعم القضية الفلسطينية. يقوم في ورقته بالإنطلاق من السياق العربي الأكبر ثم التطرق للتجارب الشعبية لمقاومة التطبيع في البحرين.
ومن الجدير بالذكر بأن شباب قطر ضد التطبيع قد كرسوا جهودهم الأخيرة في مجال مقاومة التطبيع الرياضي على خلفية استقبال قطر لكأس العالم 2022. حيث أطلقوا عدة حملات متوازية لرفض القرار الأخير بتسيير الرحلات الجوية بين تل أبيب والدوحة كما استنكروا الأنباء الواردة عن فتح مكتب قنصلي إسرائيلي مؤقت. وأكدت المجموعة بأن المحافل الرياضية ليست فوق السياسة، وقامت باطلاق حملة للتشجيع على حمل علم فلسطين أثناء فعاليات كأس العالم تحت وسم #فلسطين_في_مونديال_قطر.
وقال سرحان ، عن تجربة البحرين ، لو لم يكن الوضع العربي اليوم في أقصى حالات التردي، ولو لم تكن الأنظمة في أشد حالات الارتباط بالإمبريالية وخططها، وفي حالة تنصّل شبه كامل من التزاماتها من القضية القومية ، ولو لم تكن الحركة الوطنية العربية في أشد مراحل أزمتها في ظل صعود الهويات الفرعية وتراجع الهوية القومية الجامعة، لما أمكن الأنظمة العربية ومن بينها حكومة البحرين من نقل العلاقات والتطبيع السري من تحت الطاولة لدائرة الضوء، ولما أمكن الكيان الغاصب من الاعتداء على أراض عربية إضافية، ولما أمكن للولايات المتحدة الأمريكية من طرح مغامرتها بتصفية القضية الفلسطينية عن طريق الاتفاقيات الابراهيمية.
البحرين اليوم بما رسم لها من دور في صفقة القرن وخطوات التطبيع الواسعة التي اتخذتها السلطات البحرينية تبين أن البحرين أصبحت ساحة إضافية لمقاومة الاحتلال، فما أقدمت عليه حكومة البحرين يؤكد أن القرار السياسي في البحرين هو قرار بمواجهة المقاومة وفي الضفة الأخرى من التاريخ وفي الموقف المعادي والمعاكس للحركة القومية والوطنية، وعليه ففي الفترة الماضية كان رد القوى الوطنية التي تبقت بشكلها الرسمي ونجت من مقصلة الحل حتى تاريخه في البحرين وفي مقدمتها الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني واللجنة الأهلية لمقاومة التطبيع والتي تشكل تحالفاً من 23 مؤسسة مجتمع مدني بحريني، هو باتخاذ الفعاليات في سبيل رفع صوت شعب البحرين الرافض للتطبيع وإعلان أن التطبيع الرسمي لن يقود إلى تطبيع شعبي مهما كان الثمن، وتم تجديد دعوات مقاطعة الكيان والداعمين له والمطبعين معه، وفضحهم وطلب مقاطعتهم اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وإطلاق المبادرات الواحدة تلو الأخرى لحشد أكبر قوى اجتماعية شعبية حول ضرورة مقاومة التطبيع مع الكيان الغاصب، فأطلق البعض على هذا النشاط صفة العمل المغامر، ذلك خوفاً من أن تمتد يد السلطات لإغلاق الجمعية واتخاذ إجراءات في مواجهتها ومواجهة عناصرها، ولكن العبرة في ذلك أن هذا الحشد تجاه القضية الفلسطينية والتنبيه بخطورة التطبيع ومقاومته مكّنت الساحة البحرينية الصغيرة من معاكسة التيار وتحويلها لساحة صراع إضافية ضد الاحتلال والإمبريالية وداعم للنضال القومي العربي المشترك منذ بدايات إعلان قيام دولة العدو وصولاً إلى اللحظة التي فاقت خطوات التطبيع حد التوقعات وظهرت إلى العلن بشكلها الفج في الشهور القليلة الماضية، غير أن كل هذه القوى الوطنية التي تسبح عكس التيار كانت منهكةً نسبياً ومقيدة ومحاصرة، فضلاً عما تعانيه من خلل في بعض جوانب نضالها، ذلك أن النضال الممتد منذ عقود من الزمن حول التحشيد للقضية الفلسطينية لم يعدُ كونه تحشيداً عاطفياً، إلا أنه لم يتم التأصيل لفكرة وثقافة المقاومة وعلى رأسها مقاومة التطبيع والمقاطعة في كافة الدول العربية ومنها البحرين، وهي المهمة التي تطرح نفسها اليوم بشكل ملح، غير ان المخزون العاطفي ساهم في استنهاض الناس بشكل عفوي لمقاطعة كل ما هو صادر من الكيان سواء في البحرين على النحو المذكور سابقاً كمثال او اذا ما اردنا قياس المزاج الشعبي في وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيكم عما انعكس في مونديال قطر منح حالة عربية شعبية تؤكد ان شعبنا العربي العظيم لا يعرف الخيانة وهو ما نتطرق إليه في الجزء القادم.
لذلك فإن المقاطعة التجارية في البحرين وإن لم تؤدي قطعاً إلى خسائر مالية ضخمة للكيان بحكم صغر السوق البحريني، إلا أنها بطبيعة الحال ستضر بالتاجر البحريني الذي يفضل الكسب ويغلّب المنافسة على مصلحة الأمة، وبالتالي أمام مقاطعة ناجحة يكون الخيار أمامه إما بالاتجاه لاستيراد وترويج وتصنيع سلع بديلة أو بتقبل الخسارة والخروج من السوق المحلي، ناهيكم عما يشكله السوق الخليجي وبالأخص للتجار البحرينيين الكبار كونه السوق الحقيقي والذي قد تؤدي دعوات المقاطعة فيه لإفلاسهم، مما يجبرهم على لعب الدور المنوط بهم.
بالرغم من أن المشهد الشعبي للمقاطعة متقدم بأشواط على الموقف الرسمي إلا أن الحاجة ملحة للقيام بالمزيد تجاه الترويج للمقاطعة، ومن بين المهام التي تشكل أولوية مرحلية هو النشر والإعلان عن قائمة الشركات التي يجب مقاطعتها كونها داعمة للكيان، وتحديد الأولويات، وهو ما يجب أن تتضافر فيه الجهود بين كافة الجهات.
وخلص سرحان الى إن أحد أهم الأسلحة المرحلية التي يمكن من خلالها إدامة الصراع العربي الصهيوني واستمرار البحرين كساحة للفعل المقاوم للتطبيع كونها المدخل المختار من دعاة صفقة القرن، حتى زوال الاحتلال وتحرير الأرض والقرار العربي ومقدرات الأمة من الصهيونية والإمبريالية، هي المقاطعة ومقاومة التطبيع على كافة المستويات منها الاقتصادي والثقافي.
فالمقاطعة تعتبر سلاحاً قديماً سبق أن استخدمته العديد من المنظمات والدول والشعوب لفرض مشيئتها ومصالحها السياسية، وكانت الدول العربية والشعب العربي والبحريني من أواخر الأمم التي استخدمت هذا السلاح قبل قيام دولة الكيان.