نبيل تمام يستعرض تجربته في تطبيب أهالي غزة عام 2008 و2012 يقول : ما حدث مؤخرا مئات الاضعاف .. محرقة إنسانية
كشف الدكتور نبيل تمام ، الذي شارك مرتين في تطبيب أهالي غزة اثناء العدوان الإسرائيلي عام 2008 ، وعام 2012 ، بان العدوان الأخير غير مسبوق ، ويهدم البشر والحجر وهو اقسى بمئات المرات عن العدوان السابق في المرتين .
وقال تمام في محاضرة بعنوان " هكذا رأيت صمود أهلنا في غزة " بمجلس محمد حسن العرادي بعراد مساء امس ، اهل البحرين ، من مواطنين ومؤسسات المجتمع المدني دائما يستجيبون لنداء إخوانهم في فلسطين خصوصا وقت العدوان ، وقد ساهم اكثرمن مرة بكادر طبي ومساعدات مالية وطبية لغزة ومناطق الضفة الغربية وغيرها .موضحا بانه سافر الى القاهرة للمساهمة هذه المرة في تطبيب أهالي غزة ، لكن السلطات المصرية لم تسمح لاي من الكادر الطبي العربي او المصري دخول غزة وعادة واكتفى بتقديم المساعدات الطبية والمالية.
وعن تجربته السابقة قال : كانت رحلتنا الأولى في 27 سبتمبر 2008 ، وكان العدوان بنهاي ذو الحجة ، ولان بجمعية الأطباء البحرينية لجنة خاصة بفلسطين ، اقتصر عملها خلال السنوات السابق على ارسال الأموال والمواد الطبية الى أهالي فلسطين ، يرأسها الدكتور عبد النبي العرادي .
وعندما بدأ العدوان على غزة عام 2008 تم تنشيط عمل هذه اللجنة ، وتم التواصل مع اتحاد الأطباء العرب ، وكان رئيس الجمعية الدكتور احمد جمال ، وقد قرر عدد من الكوادر الطبية البحرينية السفر الى غزة للمساهمة في تطبيب الجرحى هناك ، ومن بينهم كنت احد المتطوعين مع الدكتور علي العكري ، وعدد من الأطباء والطبيبات .
وقد بدأ محرم اثناء العدوان ، وتم استغلال تعاطف الناس مع فلسطين ، والتجمع في عشرة محرم وتم تجميع مبلغ 10 الف دينار خلال ثلاثة أيام فقط ( التقيت شخص في مجمع السيف اثناء جمع التبرع ، فقد تبرع كل ما في محفظته ، وصل المبلغ حوالي 350 دينار ) .
سافر الوفد المكون من ثلاثة أطباء ، نبيل تمام وعلي العكري وسمير الحداد، وانتقلنا من القاهرة الى العريش التي تبعد 60 كيلومتر عن غزة ، والتقينا بالوفد الكويتي واليمني والجزائر والمغربي وجميعهم أطباء .
كان اول اجتماع الذي دام ساعة واحدة تم في العريش ، انتقلنا فورا في باصات الى رفح ، ومنعنا من الدول ، فقرر الوفد الطبي العربي من الاعتصام بشكل يومي حتى تم ادخالنا بعد سبعة أيام ، على ان نتحمل مسؤولية انفسنا من القتل والاستهداف ووقعنا على ذلك.
في تلك الفترة كنا نرى ان الحاجات الحرجة من المصابين ترسل الى القاهرة والاقل حرج الى العريش للعلاج.
في هذه الاثناء ونحن نمارس النضال السلبي وهو الاعتصام امام معبر رفح للضغط على السلطات المصرية لفتح المعبر للأطباء ، جاءني صبي عمره 12 سنة وقال لي اذا تريد تهريبك على القطاع ادفع ، فقلت له كم ، فسأل بسلاح او بدون ، وانت من اين ، عندما عرف اني من الخليج رفع السعر !! كنت فقط بسبب الفضول معرفة حجم الناس التي تستغل الازمة للربح ( 1500 جنيه للخليجي و200 جنية للسوداني ، وضعفها بسلاح ! ) .
دخلنا غزة ، ونحن نسمع التفجيرات على الحدود ، بعد 200 متر من الحدود المصرية استقبلنا وفد طبي من حماس وتم توزيعنا نحن الفريق مع الأطباء المصريين حسب احتياجات القطاع.
انا كنت في مستشفى أبو يوسف النجار في رفح ، وكان الخوف يعم القطاع خصوصا في الليل ، وسيارات الإسعاف هي السيارات الوحيدة التي لا تقصف ،.
التقيت بمدير المستشفى الذي عرفني على اقسامه ، ونحن 12 طبيب عشرة مصريين وبحرينيين اثنين ( بعد عودة سمير حداد للبحرين ).. مستشفى بدون معدات طبية ، حتى غرفة العناية المركزة بدون معدات .
من حسن الطالع توقفت الحرب بعد وصولنا بايام قليلة ، انتقلنا مع عدد من الأطباء الى مخيم جباليا ، وميخيم العودة ، ومستشفى الشفاء ومستشفى الوحدة واستمر تواجدنا بالقطاع لمدة أسبوع .
كنا نستقبل الجرحى من سيارات الإسعاف ، ولكن معظم الجرحى موتى بسبب القصف الوحشي واستخدام أسلحة محرمة ( قنابل الدايم – الفسفور الابيض ) والتي تسرطن الجسم.
وكانت الهدنة التي تعطى ، لنقل الشهداء من المستشفيات الى المقابر ، بعد ازدحام المستشفيات من القتلى والشهداء .
في عدوان 2012 ، الوضع مختلف قليلا ، حيث كان رئيس الجمهورية محمد مرسي وليس حسني مبارك ، وكان الوفد البحريني مكون من عارف رجب وطه الدرازي ونبيل تمام وفاطمة الخواجة، وجاء ذلك بالتنسيق مع نقابة الصيادلة ، وتم السماح لنا دخول غزة بشكل سليل ومباشر ، ولحسن الطالع أيضا توقفت الحرب ونحن في القاهرة قبل الدخول الى فلسطين.
كان في استقبالنا وزير الصحة الفلسطيني، وقد نظم لنا تكريم يتناسب مع المرحلة ، وما رأيناه في كلا الحربين ( العدوانين ) يعتبر انتهاك للحياد الطبي ، وانتهاك للقانون الدولي الإنساني ، وانتهاك لحقوق الانسان والشرعة الدولية ، وضد اخلاق المهنة مهنة الطب التي اقسم جميع الأطباء عليها.. لكن من يحاسب من ؟.
عن الاكل يقول ، الخبز والحمص والزيتون هو الأساس في معظم الوجبات .. الشاي والحليب إضافة نوعية .
ام الشهداء السبعة
ذات مرة ، أدخلت المستشفى امرأة سبعينية بها نزيف من الانف ، وهي في حالة سيئة ، تم معالجتها بالادوات التي معنا وهي غير كافية ولكن تم السيطرة على النزيف واصرت العودة الى بيتها و تبيت بالمستشفى ، بعدها جاء قائد عسكري من حماس يطالب الاهتمام بهذه المرأة ( افتركنا ام احد القادة من حماس ) لكنه قال ان سبعة من أبنائها استشهدوا اليوم ، ولا نعرف كيف نخبرها وهي مصابة الان !! ، عندما تم اخبارها قالت وبضرس قاطع : فدءا للوطن !!
وكانت العديد من الاستفسارات حول طبيعة تواجد خليجيين في القطاع ، كيف ونحن نتوقع منهم الأموال فقط لا التضحية بالدم والانفس !! ولما عرفوا نحن من البحرين وشيعة زاد استغرابهم لان حماس ليست شيعية !!
نحن نطبب المرضى ونحن ليس في أمان ، نسمع الانفجارات بل سقطت ذات مرة قنبلة على بعد امتار من المستشفى وتكسرت أغراض ومعدات المستشفى البسيطة فيه من الانفجار.
كنا نعالج 50-60 شخص في اليوم ، بسبب القصف او اثاره ، لكن المشكلة لا ادوية ، لا معدات .
عندما رجعنا الى البحرين ، كان همنا الأول هو توفير معدات الى غرفة العناية المركزة ، وفعلا قامت جمعية الأطباء البحرينية بتوفير تلك المعدات وارسالها لغزة .
وقد تم شراء سياراتي اسعاف من قبل التبرعات العامة في البحرين وأخرى من قبل تبرعات أعضاء جمعية وعد بالمنامة ، وكل على قدر زيته ، شربنا شاي وقالوا لنا بان الهنود تبرعوا لنا بالشاي ، التبرعات تاتي من انصار المقاومة من كل بلدان العالم .
ويختتم الدكتور نبيل بالقول بان ما نشهده الان أسوأ بمئات المرات عن عدوان 2008 وعدوان 2012 ،،، انه إبادة جماعي للشعب الفلسطيني بهدف الهجرة او النزوح لخارج غزة .
ويضيف ، كنت من أوائل المتطوعين لنصرة غزة ، بعد دعوة ( قافلة الصمود - BDS ) والذين طلبوا منا السفر الى القاهرة ، وسافرة الى هناك لعمل ضغط من الرأي العام والدخول لعزة ، لكن هذه المرة هناك اربع مكابح لعدم دخول أي فريق طبي الى غزة ، أولا الاجاب المتبرعين الحاملين على تاشيرات لم يسمح لهم دخول مصر ، ثانيا ، لا خروج من القاهرة الى رفح الا عبر باصات ،،، وعدم توفير باصات ، وثالثا ، عند العبور ، عبر جسر السويس لن يسمح للباصات بالخروج الى رفح ، وأخيرا قد تصل الى هناك ولكن لن يسمح لك دخول غزة من الجانب المصري .. لذا عدت للبحرين بعد فشل كل المحاولات واتجهت الى جمع التبرعات بدل التصام مع السلطات المصرية .
بالنسبة الى الاضراب الشامل، لقد نجح يوم امس الأول الاثنين لاسيما ان دولتين هما العراق ولبنان بشكل رسمي والأردن شبه رسمي وباقي الدول العربية مساهمة الناس في الاضراب الذي بدأت تاثير وسوف يتكرر الجمعة المقبلة .