DELMON POST LOGO

الزيداني في مجلس بن رجب : المؤسسة اليهودية اعتبرت مقترحات هرتزل أفكار بمثابة تهديد لمحاولاتهم في الاندماج وتمردًا ضد الله (2)

القى د. عماد توفيق الزيداني محاضرة طويلة عن " الأيدلوجية الصهيونية - المرتكزات والأبعاد " بملتقى السبت – مجلس بن رجب مؤخرا تطرق فيها الى اصل الصهيونية ونشأتها منذ الجذور ، مع هجرتها من بلد الى اخر . للاهمية التاريخية للمحاضرة ننشرها على حلقات بشكل كامل وهذا نصها :

قضية دريفوس وهرتزل – الشرارة الثانية للصهيوينة

في نهاية عام 1894، اتهم النقيب في الجيش الفرنسي ألفريد دريفوس اليهودي الأصل بأنه أرسل للجيش الألماني ملفات سرية، مما تسبب في الحكم عليه بالأشغال الشاقة ومن ثم نفيه إلى جزيرة الشيطان (بالفرنسية: l'île du Diable)‏. حاول بعض معارضي هذا الحكم ومنهم عائلة دريفوس ويتقدمهم أخوه ماثيو أن يثبتوا براءته. وفي مارس 1896 اكتشف الكولونيل جورج بيكار أن الخائن الحقيقي هو فرديناند ويلسون ايسترازي (Ferdinand Walsin Esterházy). ومع ذلك رفض الجيش إعادة النظر في الحكم ونُفي بيكار إلى شمال أفريقيا. للفت الانتباه إلى ضعف الأدلة ضد دريفوس قامت أسرة دريفوس (خاصة ماثيو شقيق دريفوس) في يونيو عام1897 بالتواصل مع رئيس مجلس الشيوخ «أوغست شويور كيستينر» وأقنعه ببراءة النقيب دريفوس بعد ثلاثة أشهر وأيضا استطاع ماثيو اقناع جورج كليمانصو نائب سابق وصحفي بجريدة لورور الفرنسية. في نفس الشهر اشتكى«ماثيو دريفوس» ضد «ويلسون ايسترازي» إلى القاضي المختص بوزارة الحرب وقد أدى ذلك إلى اتساع دائرة مؤيدي دريفوس.

و في يناير 1898 حدثت حادثتان أعطتا بعداً وطنيا للقضية: أولاً الحكم ببراءة «ويلسون ايسترازي» وصاحب ذلك هتاف من القوميون المعارضون لدريفوس، ثانيا نشر إميل زولا لمقالة بعنوان « أنا اتهم..!»، دافع بها عن مؤيدي دريفوس الذين يجمعون نخبة كبيرة من المثقفين.

أنقسام المجتمع الفرنسي : من هنا بدأت عملية انقسام المجتمع الفرنسي والتي استمرت حتى نهاية القرن. وقد اندلعت اشتباكات لمعاداة السامية في أكثر من عشرين مدينة فرنسية وبسبب هذه القضية اهتزت الجمهورية الفرنسية، حتى أن البعض رأوا أنها مهددة بالانقراض مما دفع إلى إنهاء قضية دريفوس من أجل استعادة الهدوء بالبلد مرة أخرى.

بالرغم من محاولات الجيش لقمع هذه القضية إلا أن الحكم الأول الذي يدين دريفوس تم ابطاله من قبل محكمة النقض بعد تحقيق شامل في القضية وتم عقد مجلس حرب جديد في رين عام 1899. و على عكس جميع التوقعات أُدين النقيب دريفوس مرة أخرى لمدة عشر سنوات مع الأشغال الشاقة وبعد أربع سنوات من ترحيله عفا رئيس جمهورية فرنسا «ايميل لوبيه» عن دريفوس. في عام 1906 أصبحت براءة دريفوس معترف بها رسمياً ومن دون الاستناد إلى حكم محكمة النقض. أُعيد تأهيل الكابتن دريفوس في الجيش برتبة نقيب وشارك في الحرب العالمية الأولى. توفي النقيب دريفوس في عام 1935.

كانت لقضية دريفوس نتائج لا تحصى شملت جميع جوانب الحياة العامة في فرنسا كالجانب السياسي (الاحتفال بانتصار الجمهورية الفرنسية الثالثة حيث أن القضية أصبحت أسطورة. تأسست أثناء تجديد القومية) والجانب العسكري والديني (حيث بطئت القضية من إصلاح الكاثوليكية الفرنسية وتوحيد الكاثوليك) والجانب الاجتماعي والدبلوماسي والثقافي (خلال هذه القضية اشتق مصطلح مثقف).أيضاً كان لها تأثير على الحركة الصهيونية من خلال أحد مؤسسيها مثل ثيودور هرتزل ومظاهرات معاداة السامية التي اهتاجت المجتمعات اليهودية بأوروبا الوسطى والشرقية.

ثم بعد ذلك بدات تتشكل فكر لدى كبذره لدى عقليات الكثير من اليهود في اوروبا الشرقيه ماذا نفعل نحن مواجهين هذا الاضطهاد في المقابل اوروبا الغربيه التي بدات تتعامل مع اليهود بطريقه مختلفه وتمكنت من ان تروض موضوع المساله اليهوديه وان تحول اليهود الى او تقنعهم بان يتحولوا الى مواطنين في اوروبا في اوروبا الغربيه لم تكن تريد ان تستوعب هذا الكم الهائل الكبير نسياتيها من اوروبا الشرقيه لاوروبا الغربيه من اليهود .

وفقا لهنري ويكهام ستيد، كرّس هيرتزل نفسه في البداية «بتعصب لانتشار العقيدة الاستيعابية اليهودية الألمانية الليبرالية». غير أن هرتزل رفض أفكاره المبكرة عن التحرر والاستيعاب لليهود، واعتقد أنه يجب على اليهود الانسحاب من أوروبا.

في خضم ذلك: من نهاية عام 1895 كتب هرتزل كتاب بعنوان «الدولة اليهودية»، وناقش فيه إقامة كيان لليهود مدعيا أنهم يشكلون قومية بينما اليهودية دين وليست قومية، وناقش على الشعب اليهودي مغادرة أوروبا إذا رغبوا في ذلك، إما للأرجنتين أو، على نحو مفضل، لفلسطين، «وطنهم التاريخي». كل ما يحتاجونه هو أمة ودولة خاصة بهم. فقط من خلال دولة يهودية يمكنهم تجنب معاداة السامية، والتعبير بحرية عن ثقافتهم وممارسة دينهم دون عوائق. انتشرت أفكار هرتزل بسرعة في العالم اليهودي واجتذبت الاهتمام الدولي. مؤيدون للحركات الصهيونية القائمة، مثل هوفيفي صهيون، تحالفوا معه على الفور، لكن المؤسسة اليهودية شوهته واعتبروا أفكاره بمثابة تهديد لمحاولاتهم في الاندماج وتمردًا ضد الله.

في دولة اليهود، يكتب:

"المسألة اليهودية تظل قائمة أينما يعيش اليهود بأعداد كبيرة. في الأماكن التي لا توجد فيها، وحيث لا توجد، فإنها تحضر مع المهاجرين اليهود. نحن بالطبع منجذبون إلى الأماكن التي لا نتعرض فيها للاضطهاد، ويؤدي ظهورنا هناك إلى الاضطهاد. هذا أمر سيظل حتمًا هو الحال في كل مكان، حتى في الدول شديدة التحضر - انظر، على سبيل المثال، فرنسا - طالما أن القضية اليهودية لم تحل على المستوى السياسي.

ويختتم الكتاب:

«لهذا السبب أعتقد أن جيلًا رائعًا من اليهود سوف يولد. سوف يستيقظ المكابيين مرة أخرى.

دعوني أكرر مرة أخرى كلماتي الأولى: اليهود الذين يريدون دولة سيحصلون عليها.

سوف نعيش أخيرا كرجال أحرار في أرضنا، وسنموت بسلام في بيوتنا.

وسيتحرر العالم بحريتنا ويثرى بثروتنا ويكبر بعظمتنا.

وكل ما نحاول تحقيقه من أجل رفاهنا سوف يستجيب بقوة وبشكل مفيد لفائدة الإنسانية.»

اتصال اليهود الدبلوماسي مع العثمانيين

في 10 مارس 1896، قام القس ويليام هيشلر، الوزير الأنغليكاني في السفارة البريطانية في فيينا، بزيارة هرتزل. قرأ هيشلر كتاب هرتزل دولة اليهود، وأصبح الاجتماع محوريًا لشرعنة هرتزل والصهيونية فيما بعد. وكتب هرتسل في مذكراته في وقت لاحق: «ثم وصلنا إلى قلب الأمر، قلت له: (تيودور هرتزل إلى القس ويليام هيشلر) يجب أن أضع نفسي في علاقات مباشرة ومعروفة على الملأ مع حاكم مسؤول أو غير مسؤول – أي مع وزير دولة أو أمير. ثم سيؤمن بي اليهود ويتبعوني. إن الشخصية الأكثر ملاءمة هو القيصر الألماني». نظم هيشلر مقابلة مطولة مع فريدريك الأول، دوق بادن الأكبر، في أبريل 1896. كان الدوق الأكبر عم الإمبراطور الألماني ويليام الثاني. بفضل جهود هيشلر والدوق الأكبر، قابل هرتزل علانية ويليام الثاني في عام 1898. حسن اللقاء بشكل كبير شرعية هرتزل والصهيونية في الرأي العام اليهودي والعالمي.

في إسطنبول، الإمبراطورية العثمانية، 15 يونيو 1896، رأى هرتزل فرصة. بمساعدة الكونت فيليب ميخاو نيفلنسكي، وهو مهاجر بولندي متعاطف مع اتصالات سياسية في المحكمة العثمانية، حاول هرتزل أن يلتقي بالسلطان عبد الحميد الثاني ليقدم للسلطان مباشرة حله لدولة يهودية. فشل في الحصول على لقاء، لكنه تمكن من زيارة عدد من الأشخاص رفيعي المستوى، بما في ذلك الصدر الأعظم، الذي استقبله كصحفي يمثل صحيفة نويه فرايه برسه. قدم هرتزل اقتراحه إلى الصدر الأعظم: اليهود سيدفعون الدين الخارجي التركي ويحاولون المساعدة في تنظيم الأمور المالية التركية إذا ما أعطوا فلسطين كوطن يهودي تحت الحكم التركي. قبل مغادرته إسطنبول في 29 يونيو 1896، حصل نيفلنوسكي على ميدالية رمزية لهرتزل. كانت الميدالية، «صليب القائد من رتبة مجيدية»، تأكيد للعلاقات العامة بالنسبة لهرتزل وللعالم اليهودي بشأن جدية المفاوضات.

بعد خمس سنوات، في 17 مايو 1901، التقى هرتزل بالسلطان عبد الحميد الثاني، لكن السلطان رفض عرض تيودور هرتزل لتوطيد الديون العثمانية في مقابل ميثاق يسمح للصهاينة بالوصول إلى فلسطين.

أنطلاق الصهيوينة كحركة

في عام 1897، على نفقة شخصية كبيرة، أسس الصحيفة الصهيونية دي فيلت في فيينا، النمسا-المجر، وخطط لأول مؤتمر صهيوني في بازل، سويسرا. تم انتخابه رئيسًا للمؤتمر (وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته في عام 1904) وفي عام 1898، قام بسلسلة من المبادرات الدبلوماسية للحصول على دعم دولة يهودية. استقبله ويليام الثاني في عدة مناسبات، وحضر مؤتمر السلام في لاهاي، حيث استقبل استقبالًا حارًا من العديد من رجال الدولة هناك.

علاقة اعمق من تحالف ولكنه ليس زواج كاثوليكي

على الإتجاه الآخر في الغرب كان هناك حراك آخر يتطور تقوده بريطانيا كان له أثر عميق ومفجع حيث انعقد مؤتمر في لندن عام 1905 واستمرت جلساته حتى 1907، بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن وقدم فكرة المشروع لحزب الأحرار الحاكم في ذلك الوقت. وضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها «وثيقة كامبل» نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان.

وتوصلوا إلى نتيجة مفادها: «إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات». والإشكالية في هذا الشريان هو أنه كما ذكر في الوثيقة: «ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان».

وأبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرون في هذا المؤتمر:

1- إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة:

وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول

الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها

الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية

2- ومحاربة أي توجه وحدوي فيها:

ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي فصلاً مادياً، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما يبقى العرب في حالة من الضعف ويحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب .

3   يناير 1916؛ وفي قام الدبلوماسيان البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو بالتوقيع على مذكرة متفق عليها. وقد صادقت حكوماتهما المعنية على الاتفاق في 9 و16 مايو 1916.

في ذلك الوقت لم تكن هذه الدولة صهيونية ولكن عندما سربت الوثيقة وتلقفها يهود مؤتمر بازل الصهيوني بدؤ تحركهم للضغط وتسويق انفسهم ليكونوا هذه الدولة المزعمه وحصلوا على وعد بلفور أعلن دعمه لإنشاء «وطن قومي للشعب اليهودي» في فلسطين في 2 نوفمبر 1917. بعد ذلك بيومين 9 نوفمبر 1917 سقط بيت المقدس بدخول قائد القوات البريطانية الجنرال إدموند ألنبي مدينة القدس . بعد 720 سنة من تحريرها وسقطت كل فلسطين وبدأ العمل الفعلي الرسمي على تأسيس الكيان الصهيوني.

يتبع