DELMON POST LOGO

الفساد وضعف سيادة القانون في العراق وتفاقم ظاهرة المخدرات

كتب - مصعب الألوسي
في ظل الحكم الديكتاتوري لصدام حسين، كان العراق بلدًا خاليًا من المخدرات. ولكن منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، أصبح العراق بلدًا مستهلكًا للمخدرات، ومعبرًا يستخدم من قبل تجار المخدرات. ونظرًا للأوضاع الاقتصادية المزرية التي تعصف بالبلاد، فقد الشباب العراقي الأمل في مستقبل مشرق، الأمر الذي دفعهم للهروب من الواقع من خلال تعاطي المخدرات. ولم يصبح العراق هدفًا لمصدري المخدرات من بعض الدول المجاورة فقط، بل أصبح نقطة انطلاق لتهريب المخدرات إلى بعض أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وعلى الرغم من الجهود الضئيلة التي تبذلها الحكومة العراقية للحد من تعاطي المخدرات وتهريبها، فإن هذه الحكومة أضعف من أن تتصدى للتهديد الجديد الذي يواجه المجتمع العراقي.
أدت سنوات الفوضى، التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003، إلى تهريب المخدرات عبر الثغرات الكثيرة في الحدود، ولكن كان ذلك فقط للعبور وليس للاستهلاك. فأي حيازة للمخدرات في ظل النظام البعثي كانت تواجه بعقوبة الإعدام، لذلك كان تعاطي المخدرات في السنوات التي أعقبت الإطاحة بنظام صدام حسين مباشرة محدودًا بسبب التداعيات القانونية، ولكون تعاطي المخدرات لم يكن مقبولاً اجتماعيًا. بحلول عام 2005، كان العراق يستخدم كنقطة انطلاق لتهريب المخدرات. وأعربت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، وهي هيئة مستقلة تابعة للأمم المتحدة، عن قلقها من أن العراق قد أصبح بلدًا لعبور المخدرات القادمة من أفغانستان، نتيجة للأوضاع التي أعقبت الصراع.
مع تدهور الظروف الاجتماعية في العراق، ازداد الإدمان على المخدرات بين العراقيين. ودفع ارتفاع نسبة البطالة، وخاصة بين الشباب، العديد من العراقيين للبدء في تعاطي الكريستال ميث، الذي وصف من قبل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأنه “أكثر المواد المخدرة إثارة للقلق” في العراق. وأدت جائحة فيروس كورونا إلى تفاقم المشكلة ووجهت ضربة قوية للاقتصاد العراقي الهش وقللت من فرص العمل. وربط بعضهم في العراق بين ارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب وبين زيادة الإدمان بشكل مباشر. على سبيل المثال، ذكر قسم شرطة البصرة أن 97٪ من متعاطي المخدرات، الذين تم القبض عليهم في 2018 كانوا عاطلين عن العمل، وبلغت أعمار ثلثيهم 25 عامًا أو أقل؛ وذكرت محكمة استئناف البصرة أن 90٪ من المعتقلين بتهمة تعاطي المخدرات في الفترة نفسها تقريبًا كانوا عاطلين عن العمل. ولسوء الحظ، لا توجد أرقام رسمية موثوقة، لكن تصريحات المسؤولين تشير إلى أن مشكلة المخدرات عسيرة جدًا في بعض المدن؛ فعلى سبيل المثال، صرح محافظ الديوانية أن نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب قد وصلت إلى 40٪ بحسب بعض تقديرات المؤسسات غير الحكومية.
يبدو أن الحكومة العراقية عاجزة عن معالجة مشكلة المخدرات المتنامية في البلاد بسبب الفساد وضعف النظام الأمني. لقد كانت محاولاتها لكبح تهريب المخدرات وتوزيعها محدودة في أحسن الأحوال. قوات الأمن في محافظة ميسان، على سبيل المثال، تقوم بمداهمات يومية، لكنها واجهت عراقيل من القبائل التي هددت أهالي الضباط الذين يحاولون معالجة قضية المخدرات. علاوة على ذلك، فإن وزارة الداخلية تقوم فقط بملاحقة مهربي المخدرات الصغار، ولا تمارس أي نوع من الرقابة على التجار الكبار. كما يدفع المهربون رشاوي باهظة لقوات الأمن والجماعات المسلحة، التي تسيطر على الحدود، لتغض الطرف عن تدفق المخدرات. إضافة إلى ذلك، يتم استخدام العديد من المعابر غير الرسمية للتهريب، وتديرها قبائل أو ميليشيات في الجنوب على طول الحدود مع إيران وعلى الحدود مع سوريا في الغرب. تلقى العديد من القضاة العراقيين الذين يتعاملون مع قضايا متعلقة بالمخدرات تهديدات بالقتل، ولم يكن هناك ردود فعل رادعة من قبل الحكومة. تم قتل 74 قاضيًا في العراق منذ عام 2003، كان معظمهم يتعاملون مع قضايا تتعلق بالمخدرات أو الفساد. وقد أثار ذلك مخاوف لدى القضاة المسؤولين عن القضايا المخدرات. وحتى بعد إلقاء القبض على بعض تجار المخدرات، كان السياسيون يتدخلون. تم القبض على ابن محافظ النجف واثنين من أصدقائه وهم في طريقهم إلى بغداد ومعهم 6 كيلو جرامات من الحشيش و7000 قرص مخدر. وحكم عليه بالسجن 15 عامًا، لكن الرئيس العراقي أصدر عفوًا عنه بعد تدخل رئيس الوزراء. ولم يتم إلغاء العفو إلا بعد احتجاجات عامة.
في البداية كانت معظم المخدرات المهربة إلى العراق تأتي من إيران، ثم بدأت دول أخرى تصدر المخدرات للعراق ونقلها إلى الدول المجاورة. وحسب قائد شرطة البصرة عام 2019، فإن 80٪ من المخدرات التي تدفقت إلى المدينة جاءت من إيران. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من عصابات المخدرات تستغل المواسم الدينية، التي تتطلب زيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، لتهريب أنواع مختلفة من المخدرات. لكن في السنوات الأخيرة، كانت سوريا أيضًا مصدرًا لتهريب المخدرات إلى العراق. كان لارتفاع مستوى إنتاج الأمفيتامين في لبنان وسوريا تأثير كبير على محافظة الأنبار في العراق، حيث تمكن تجار المخدرات من تهريب ملايين أقراص الإدمان العالي، وهي الكبتاجون والأمفيتامين، إلى الأنبار، ومن هناك إلى محافظات أخرى. ولم تقتصر طرق التهريب هذه على كونها “قناة إقليمية رئيسية لتهريب المخدرات، وإنما أصبحت كذلك سوقًا مربحًا” لكون الكبتاجون عقارًا رخيصًا نسبيًا.
ففي حين أن بعض الدول المجاورة للعراق تعد مصدرًا للمخدرات المهربة، فإن البعض الآخر هي وجهة التهريب من العراق. وتعد الكويت إحدى أهم الدول المتضررة من تجارة المخدرات من العراق. على سبيل المثال، في عام 2017، ضبطت الجمارك الكويتية مخدرات كانت ملفوفة حول طيور حمام قادمة من العراق، وضبطت حوالي 600 كيس من الكبتاجون مهربة من الدولة المجاورة. وعلى نحو مماثل، تم في بعض الحالات في المملكة العربية السعودية تهريب الكبتاجون من العراق عبر طرق تاريخية لتهريب المخدرات تنطلق من أفغانستان مرورًا بإيران والعراق، وتنتهي في السعودية. وتم في السعودية اعتقال وإدانة المئات من العراقيين في جرائم مخدرات. أخيرًا، أشارت الأمم المتحدة إلى “تزايد وصول الهيروين إلى تركيا من العراق” وليس فقط من إيران.
تشير التوجهات الحالية إلى أن معضلة المخدرات سوف تزداد سوءًا. ولا يوجد في المستقبل المنظور ما يشير إلى كبح الفساد، وستبقى نسبة البطالة مرتفعةً إن لم تكن في ازدياد، وسلطات إنفاذ القانون أضعف من أن تعالج تهريب المخدرات والمتاجرة بها. لن يقتصر تأثير العراق كونه مركزًا للمخدرات على المجتمع العراقي بشكل مستمر فحسب، بل سيمتد تأثيره أيضًا إلى الدول المجاورة. ومع استمرار الظروف الاقتصادية المريعة وانعدام سيادة القانون في البلاد، سوف يستغل المجرمون نقاط الضعف هذه للوصول إلى الأسواق المربحة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وخارجه.
--------------------------
**مصعب الألوسي هو باحث يركز على العراق وإيران والجماعات المسلحة الشيعية دون الدولة.