DELMON POST LOGO

الايات القرآنية محفزا قويا للتسامح بين الأديان .. " فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

فساد الدوافع العميقة في نفوس المتصدرين للشأن العام وأطماعهم الخفية في استغلال الدين للمصالح المادية والوجاهية

خصومات الناس وعداواتهم المتعلقة بالأديان أضرت بالغايات الأولى لأصولها وهي نقاء القلب والصلة والقرب الروحيين بالله

بقلم : رجل دين
" وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ، كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. البقرة 113 .
الكلام في نقطتين:
الأولى: ظاهر السياق في قوله ".. وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ .." الاشارة إلى الكتاب السابق على الاسلام. وحيث إن سياق الآية شامل لليهود والنصارى، فالظاهر أن المقصود بالكتاب ما يشمل كتابي اليهود والنصارى. وقد تكرر في القرآن الاحالة إلى الكتب السابقة، منها ماورد في سورة المائدة ٤٣ "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ .."، وفي سورة الأعراف ١٥٧ "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ..".
وقد يقال بأن إشارات القرآن إلى الكتب السابقة لا تخلو من غموض، إذ لا يُعلم ما هي النُّسخ من تلك الكتب بالتحديد هي مورد الاحالة، خصوصاً مع الاختلافات الكبيرة بين المضامين القرآنية وبين مضامين كتب العهدين التي بأيدينا.
النقطة الثانية: في قوله ".. فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ..". ولا ريب في أن خصومات الناس وعداواتهم فيما يتعلق بالأديان أضرت بالغايات الأولى لأصولها، وهي نقاء القلب والصلة والقرب الروحيين بالله. "يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ. إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (سورة الشعراء ٨٨-٨٩).
وكما في القرآن الكريم كذلك في الانجيل ، اذ ان في إنجيل متى ٥: ٤٣-٤٨ نص "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ".
وقد اشتغل الناس في صيرورات الأديان بالعداوات والحروب الكلامية والعملية، و طال عليهم الزمن في ذلك بحيث أصبح الأمل بعيداً في نهايتها أو التخفيف من وهَجِها. وتوجد عدة أسباب لتخاصم الناس وتناحرهم في الأديان. لعل من أهمها، مضافاً إلى الميل الغريزي لدى الانسان في حب الغلبة وكراهية المخالف، فساد الدوافع العميقة في نفوس المتصدرين لتفسيرها، وأطماعهم الخفية في استغلال الدين للمصالح المادية والوجاهية، وبقاء تصدرهم بين الهمج الرعاع. وقد تأكدت تلك الخصومات بفعل تطاول الزمان، وتراكم العوامل التاريخية والنصوص التفسيرية، والتي تحولت إلى قلاع متينة متراصة البناء يستحيل اختراقها وحلحلة عقدها، فصارت حجباً عن الحقيقة الأولى.
و لأن تلك الأسباب تتصل بطبيعة الانسان و التاريخ، فهي لايخلو منها زمن ولا تنجو منها أمة. وقد وقع المسلمون بعد النبي بفترة وجيزة في ذات ما وقع فيه من قبلهم، وأصبحت كل فئة لا تألوا جهداً في اضطهاد الفئات الأخرى، واتهام المخالفين بأنهم ليسوا على شيء، "وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ".