مشكلة البعض أنّهم لا يملكون العقل المنفتح والثّقافة العميقة الواسعة في أصول العقيدة والتّشريع .. ويصدرون اتهامات باطلة
امتدّ هذا الاتجاه السلبي في تكفير من ليس كافراً وتضليل من ليس ضالاً، إلى بعض المواقع الحوزويّة في المذهب الإمامي الشيعي الإثني عشري
ما ان يحمي النقاش ، وتزيد حدة الجدل على اي موضوع جدلي مثل قانون الاحوال الشخصية او المرجعية او عصمة الائمة او اي موضوع ساخن بالساحة ، تجد البعض يكفر الاخر ، وبدون و جه حق ، فمن هو الكافر ؟ ومن الجهة الرسمية التي تصدر الفتوى بالكفر ؟ وعقوبة من يقذف مسلم بهذه التهمة..
يقول العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله ان أعظم الكفر جحود الوحدانيّة أو الشريعة أو النبوّة أو ثلاثتها.. ما يعني منكر الضّروري.
( وفي مسألة الحكم بالكفر على الإنسان، هناك بعض الحالات التي لا تتّصل بالجانب السلبي في الاعتقاد الإسلامي بشكل مباشر، وهي حالة إنكار الضّروري،
وهو ما تأكّد ثبوته في الشّريعة بشكل بديهيّ قاطع، لأنّه ممّا ثبت في الدّين ضرورةً، كإنكار الصّلاة أو الصّوم أو الحجّ، أو حرمة الزّنا والقمار وقتل النفس المحترمة وشرب الخمر، وغيرها مما هو من مسلّمات التّشريع الإسلامي،
من دون شكّ أو ريب، فقد حكم الفقهاء بكفر منكر الضّروري. ولكن قد يُتأمّل في ذلك، بأنّه لا يُمثِّل أيّة علاقة مباشرة بالعقيدة، فلا يعتبر إنكاره موقفاً سلبيّاً جاحداً بأصول العقيدة، بل هو إنكار لحكم شرعيّ فرعيّ خاضع للالتزامات الشرعيّة، لا للالتزامات الإيمانيّة.
وفي ضوء ذلك، فإنّ الحكم بكفر منكِر الضّروريّ مشروط بكونه ملازماً لتكذيب الله والرّسول، لا أن يكون منطلقاً من شبهة فكريّة، بحيث يلتقي مع الإيمان بصدق الله والرّسول، لأنّه قد يفهم المسألة بما لا ينافي الثابت التشريعي، لتأويله بطريقة خاصّة، أو تفسيره بشكل معيّن، كما في مسألة الاعتقاد بالتجسيم أو برؤية الله بالبصر،
هذه الأمور في التّشريع الإسلامي، لا يجعل المنكرين لها في نطاق الحكم بالكفر، لأنّهم انطلقوا من شبهة، ولم ينطلقوا من رفض التّصديق بالكتاب والسنّة، بل قد يخيّل إليهم أنّهم يلتزمون ذلك بالاستناد إليهما، لا إنكاراً لهما.
ولا بدّ من الإشارة في هذا المجال إلى الحكم بتكفير بعض المسلمين الذين ينطلقون في التزاماتهم العمليّة بما جاءت به بعض النصوص في الكتاب والسنّة، فيرون المسلمين الذين لا يلتزمون بمضمون اجتهادهم، أو لا يرون حجّية الأحاديث التي يعتمدونها، خارجين عن الإسلام، أو ملتزمين بخطّ الشّرك،
ولعلّ مشكلة بعض هؤلاء، أنّهم لا يملكون العقل المنفتح، والثّقافة العميقة الواسعة في أصول العقيدة والتّشريع، بما يقودهم إلى الحوار والجدال بالّتي هي أحسن في هذه الأمور الملتبسة، ولا سيّما في فتاوى قتل المسلمين الذين يلتزمون بما يرفضه هؤلاء، ويعتبرونه شركاً وكفراً.
وتلك هي مشكلة الظّاهرة التكفيريّة في هذا العصر، والّتي تحوّلت إلى خطر على الواقع الإسلاميّ كلّه، وهذا ما أدّى إلى تشويه صورة الإسلام لدى الآخرين،
وربّما امتدّ هذا الاتجاه السلبي في تكفير من ليس كافراً، وتضليل من ليس ضالاً، إلى بعض المواقع الحوزويّة في المذهب الإمامي الشيعي الإثني عشري، في اعتبار بعض الأمور التفصيلية في العقيدة أو في التاريخ، من ضروريّات الدين، أو من ضروريّات المذهب، في المواقع التي وقعت محلاًّ للخلاف لدى القدماء، أو الّتي ترتكز على بعض الخطوط النظريّة الّتي لا تصل إلى مستوى الضّرورة أو البداهة، أو التي تنطلق من قضايا تاريخيّة تأخذ قداستها الشعوريّة من خلال العاطفة المرتبطة بأشخاصها.
ومن المؤسف أنّ مثل هذه الأحكام بالكفر أو الضّلال تنطلق من مواقع مرجعيّة دينيّة، لا تقبل الجدل أو النّقاش في أحكامها الّتي تمنحها القداسة من دون أيّ أساس.
إنّ المشكلة لدى الاتجاه التّكفيري، أنّ كثيراً من أصحابه ينطلقون من حالة جهل مغلق لا ينفتح على الآخر من خلال عناصر العلم، وذلك بما أراده الله للمسلمين من الجدال بالّتي هي أحسن، حتى بالنّسبة إلى غير المسلمين، ومن ردّ الخلافات والمنازعات الفكريّة أو الفقهيّة إلى الله والرّسول، بالرجوع إلى القواعد العلميّة الموضوعيّة المنفتحة على الحقيقة في الأخذ بحقائق الكتاب والسنّة، بالعقل المفتوح والقلب المنفتح.).
وينبغي العلم بأنّ تكفير المسلم من أكبر الكبائر، فلا يجوز أن يُـكفر مسلم يؤمن بالله والرسول واليوم الآخر، واتفق علماء أهل السنة والجماعة والجعفرية الامامية ، على عدم صحّة إطلاق حكم التكفير على المسلم، لما في حكم التكفير من استحلال للدماء والأموال والأعراض التي عصمها الله تعالى بكلمة الإسلام، ولما في ذلك من فساد وإفساد في الأرض.
ونبّه علماؤنا إلى أنّ الاختلاف الفكري بين الناس من طبيعة البشر، ولا يجوز أن يعالج إلا بالمحاورة والمجادلة بالتي هي أحسن، وذلك بالتفكير لا بالتكفير،
وقال ـ ابن تيمية ـ: "ليس لأحد أن يُكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتُبَيَّن له المحجة، ومن يثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة".
والشيخ السعودي حسن الصفار ، وهو احد مقلدي السيد السستاني يقول : إنّ التكفير يعني إسقاط الهوية الدينية مما يلغي كلّ تلك الحقوق والامتيازات، بل وقد يترتب عليه إجراءات عقابية كأحكام الردة،
ويضيف ، نشير إلى خطورة التكفير باعتباره حكمًا شرعيًّا له آثاره المصيرية الخطيرة؛ لأنه يكون افتراءً على الدين حينما لا يكون في محلّه، وللنتائج المترتبة عليه تجاه من يصدر ضدّه.
ويقول هناك ثلاث طرق لمن يستحق الهوية الدينية ، وبإسلام أيّ شخص وانتمائه لمجتمع المسلمين، وهي: النص، والتبعية، والدلالة.
أولًا: النص
وذلك بإعلان الشهادتين، فيحكم بإسلام من أظهر الشهادتين، سواء علمنا باعتقاده الباطن بالإسلام أو لم نعلم،
ثانيًا: التبعية
وتعني أمرين: التبعية للأبوين، والتبعية لدار الإسلام.
ثالثًا: الدلالة
وهي الدلالة بالفعل كأداء الأفعال المختصة بالإسلام، مثل الصلاة،
لكن الأصل بقاء المسلم على إسلامه، حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك، بأن يعلن الكفر بقول صريح، كقوله: أشرك بالله، أو أكفر بالله، أو خرجت من الإسلام، وكذلك لو سبّ الذات الإلهية، أو استخف أو استهزأ بها، وكذلك من سبّ رسول الله ، أو أيّ نبي من الأنبياء، هذا ما يتفق عليه المسلمون، ويجب قبل تكفير أيّ مسلم النظر والتفحص فيما صدر منه من قول أو فعل، فليس كلّ قول أو فعل فاسد يعتبر مكفرًا.
ولا ينبغي أن يُكفِّر مسلم إن أمكن حمل كلامه على محمل حسن، أو كان في كفره خلاف، ولو على رواية ضعيفة.
تُصنَّف قضايا الاعتقاد الديني إلى أقسام، منها ما كان أصولًا للدين، ومنها ما يكون من ضروريات الدين.
والأصول هي ركائز الإيمان التي لا يتقوّم إلّا بها، والمتفق عليه أصلان، هما: التوحيد والنبوة، فمن لا يؤمن بهما لا يكون مسلمًا، مهما كان سبب عدم إيمانه، سواء كان معذورًا أم غير معذور.
واختلفوا في المعاد، هل هو ركن مقوّم للإيمان بحيث لو لم يؤمن به ولو كان لجهل فهو غير مسلم؟
فإذا أنكر الضروري مع علمه بضروريته في الدين، وكان إنكاره يرجع إلى تكذيب النبي، أو إنكار رسالته، فهو يوجب الكفر، وبعضهم عدّ إنكاره بحدّ ذاته موجبًا للكفر، وليس إذا كان راجعًا لتكذيب النبي فقط.
واختتم الصفار بالقول ، في مواجهة هذا الواقع الأليم لا بُدّ من إعادة النظر في فهمنا للدين، عبر المجالات التالية:
1/ إعادة النظر في التراث ومراجعته
2/ إعادة النظر في مناهج التعليم الدينية في المدارس والمعاهد والحوزات
3/ الخطاب الديني
لا بُدّ من إعادة النظر في الخطاب الديني، الذي يتهم الناس في أديانهم، ويصفهم بالكفر والشرك والابتداع .
علما بان العلماء اتفقوا ان تكفير اي مسلم يناط بالدولة وليس بالمرجعية او بالمؤسسات الدينية ، كما يعاقب في قانون العقوبات بالقذف .