DELMON POST LOGO

نهار آخر .. ماذا يجري في سجن جو؟

بقلم: رضي الموسوي

في السابع من شهر أغسطس الجاري، أعلن مئات السجناء، على خلفية الأزمة السياسية، إضرابهم عن الطعام في سجن جو  تحت شعار "لنا حق"، احتجاجا على الأوضاع التي يعانون منها. وقد وثّق السجناء المضربون مطالبهم في بيان نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي وبُثت تسجيلات صوتية للعديد منهم يعلنون فيها بدء إضرابهم عن الطعام وإعادة وجبات طعامهم، في خطوة أرادوا منها إيصال صوتهم إلى كبار المسؤولين والرأي العام.

في بيانهم، شكا السجناء من العزل لفترات طويلة الذي يتعرض له البعض منهم، كما شكوا من  التضييق عليهم في إحياء الشعائر الدينية، والمكوث لثلاثة وعشرين ساعة في الزنازين وإبقاء ساعة واحدة فقط في اليوم يقضون فيها جميع احتياجاتهم من اتصال ونشر الملابس والرياضة والتشمّس، وعدم إخراج السجناء لصلاة الجماعة في مصلّى المبنى، واقتصار الزيارات على ذوي العلاقة من الدرجة الأولى ومن وراء حاجز زجاجي، وعدم السماح للطلبة المسجونين من إكمال دراستهم، وتأزّم الوضع الصحي، وفق بيان السجناء الذين أكدوا فيه أن هذه المطالب "ليست ترفيهية بل ضرورية جدا ومن بديهيات الحياة الإنسانية".

من جانبها، ردت الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل في البحرين، في تصريح خاص لبي. بي. سي نيوز عربي ونشرته يوم 11 أغسطس الجاري، وقالت أن "الالتزام بالمعايير المهنية العالمية المعمول بها في المؤسسات العقابية والإصلاحية، والتي تتضمن تطبيق القانون نصاً وروحاً والتقيد بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، يبقى الأساس الحاكم في التعامل مع النزلاء خلال فترة محكومياتهم في مركز الإصلاح والتأهيل"، مؤكدة حصول الاضراب، وبأن "النزلاء يتمتعون بحقوقهم كاملة وغير منقوصة وأن صحتهم وسلامتهم تمثل أولوية رئيسية في إطار استمرار وزارة الصحة في تقديم الرعاية الصحية المتكاملة لهم على مدار الساعة وبأعلى مستويات الكفاءة".

في اليوم التالي، أصدرت الأمانة العامة للتظلمات تصريحا نشرته وكالة أنباء البحرين "بنا"، فسّرت بالتفصيل ما جاء في تصريح الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل حول ما يجري في سجن جو، وفنّدت بيان السجناء ولم تعتد بما جاء فيه من شكوى ومطالب، وقالت أنها التقت بعضهم وطرحوا نفس المطالب المذكورة في البيان، مشيرة إلى أن السجناء لم يذكروا تعرّضهم "لسوء المعاملة أو منعهم من الحصول على أي من حقوقهم المنصوص عليها في القانون"، وفق التظلمات.

واسترسلت: "دققت الأمانة العامة في هذه المطالب وتبيّن أن أغلبها مطالب لا تتّسق مع مواد قانون مؤسسة الاصلاح والتأهيل رقم 18 لسنة 2014 ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار رقم 131 لسنة 2015". وألحقت هذا التأكيد بست نقاط مفصّلة ردت فيها على ما جاء في بيان السجناء بدءا من المطالبة بإعادة توزيع بعض النزلاء الذين رأت أن من تم عزلهم "ارتكبوا مخالفات جسيمة"، مرورا بالتشمس الذي حددته التظلمات بساعتين يوميا خلافا لما ذكر السجناء بأنها ساعة واحدة فقط، وبصلاة الجماعة التي تنفي التظلمات حرمان السجناء منها وفق ما جاء في بيانهم، وصولا لتنظيم الزيارات والرعاية الصحية والتعليم والاتصالات التي ارجعت تعرفتها للشركة المزودة للخدمة.

لقد خرج موضوع إضراب السجناء عن الطعام من عتمة الزنازن إلى الفضاء الإعلامي المحلي وأصبح حديث الساعة وبلغ المؤسسات الحقوقية والبرلمانية الدولية، وعليه فمن المهم ألاّ يكون الكلام مرسلا بل أن يكون كلاما مقنعا ومفيدا، إن أردنا "أكل العنب وليس قتل الناطور"، كما يقول المثل الشعبي اللبناني.

ثمة أسئلة كثيرة عن إضراب السجناء عن الطعام، وطريقة التعاطي مع مطالبهم التي لم تلبها إدارة السجن، ووافقتها أمانة التظلمات بأن ما تقوم به إدارة السجن هو تطبيق للقانون المنظم لمصلحة السجون. هناك ضرورة، وليس ترف، أن تتوضح وتتكشف حقيقة الاوضاع في سجن جو لوضع معالجات عملية ومستدامة لها:

1- إذا كان بيان مئات السجناء المضربين عن الطعام لا يلامس الحقيقة وأن مطالبهم "لا تتسق" مع القانون المختص بـ"الاصلاح والتأهيل"..فكيف يمكن معالجة هذا الإضراب الذي يلتحق به المزيد من السجناء كلما مضى عليه الوقت؟ هل بإعادة النظر في القانون نفسه الذي لجأت له التظلمات للرد على بيان السجناء؟ أم بالجلوس مع ممثلين عن المضربين عن الطعام والوصول إلى حل يرضي الطرفين؟ أو أن هناك حلولا أخرى يمكن البحث عنها؟

2- القول أن من تم عزلهم "ارتكبوا مخالفات جسيمة" وعدم تحديد طبيعة هذه المخالفات "الجسيمة" التي ارتكبها السجناء،  أمر يحتاج إلى إفصاح. فما هي هذه المخالفات، وكيف تم الحكم بجسامتها؟

3- الإفادة أن مدة التشّمس هي ساعتان، بينما يشير بيان السجناء إلى ساعة واحدة فقط، تعارض يحتاج إلى توضيح، فمن يقوم بذلك؟

4- حول صلاة الجماعة تؤكد "التظلمات" أن إدارة السجن تلتزم بالسماح للسجناء الصلاة، بينما يفيد بيان السجناء بغير ذلك..على ماذا استندت التظلمات في ذلك؟

5- أما مسألة الزيارات التي يثار جدل كثير حولها بين الأهالي..فالقول "تتم زيارة النزيل أو المحبوس احتياطيا من قبل أقاربه حتى الدرجة الثانية (..) وبناء عليه لا توجد أي مخالفات من قبل إدارة المركز بهذا الخصوص"..هذا الكلام يتعارض مع بيان السجناء الذي يشير إلى أن الزيارات تقتصر على اقارب الدرجة الأولى فقط..فأين الحقيقة؟

6- مسؤولية الرعاية الطبية التي تم تحويل مسؤوليتها لإدارة المستشفيات الحكومية، تعاني أصلا من تأخر مواعيد العامة، وفوق ذلك يشتكي السجناء مما أسموه بـ"الإهمال الطبي"..فكيف يمكن معالجة هذه القضية المهمة؟

7- بالنسبة للتعليم، ندعو إلى الكشف عن الإحصائيات التي تفيد بعدد السجناء الطلبة على خلفية الأزمة السياسية الذين يواصلوا دراستهم في المدارس ومثلهم في الجامعات؟ وكم نسبتهم من العدد الكلي لهؤلاء السجناء؟

8- إذا كانت كلفة المكالمات خارج صلاحيات إدارة مركز الاصلاح والتأهيل لأنها مرتبطة بالتكلفة السعرية الموضوعة من جانب الشركة المزودة للخدمة، فما كلفة المكالمة الهاتفية الداخلية العادية بين منطقة جو ومناطق البحرين الأخرى؟ وكم كلفتها بين سجن جو وبقية مناطق البلاد؟

إن تصريح الأمانة العامة للتظلمات يقود إلى خلاصة مفادها أن حل قضايا وتظلمات السجناء المضربين عن الطعام ينبغي أن يكون لدى جهة يمكنها معالجة مطالبهم. وقبل كل ذلك، فأن ملف السجناء الذي يستنزف الوطن وأهله، لابد من معالجته بصورة حكيمة تُفضي في نهاية المطاف إلى تبييض السجون والشروع في اتخاذ خطوات نوعية وعملية تتمثل في الانفراج الأمني والسياسي وتحريك المياه الراكدة التي من شأنها إخراج بلادنا البحرين من هذا الـ"ستاتيكو" إلى رحاب الحركة والأفق الواسع القادر على إحداث النقلة النوعية المطلوبة لوضع بلادنا على الخريطة بالطريقة الصحيحة، كما نحتاج لمتابعة مصير السجناء الذين تم الافراج عنهم بانتهاء مدد حكمهم أو بعفوٍ أو بعقوبات بديلة أو سجون مفتوحة، ومعرفة هل التحقوا بمدارسهم وجامعاتهم واعمالهم؟..وما احوالهم الحالية، الصحية والنفسية والاجتماعية والمعيشية.

إعادة الثقة والبناء تحتاج إلى جهود إستثنائية تؤسس لمصالحة وطنية وتنمية مستدامة وعدالة إجتماعية.