DELMON POST LOGO

نهار آخر .. الحج إلى تل أبيب

بقلم: رضي الموسوي

سارع الزعماء الغربيون إلى الحج صوب تل أبيب لتأكيد دعمهم ومشاركتهم في المحرقة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، فضلا عن إعلان العديد منهم من عواصم بلدانهم بالوقوف إلى جانب حرب الإبادة، في وقت يتهرب فيه النظام الرسمي العربي من الاستجابة لصرخات الشعوب العربية وتأكيد وقوفها في صف واحد مع الشعب الفلسطيني وهو يواجه هذه إبادة جماعية يندى لها جبين الإنسانية.

فبعد وصوله يوم أمس الثلثاء (24 أكتوبر) إلى تل أبيب، لم يرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما يجري في غزة من مجازر وحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم يسمع عن تلك القنبلة التي القتها طائرات الاحتلال على مجموعة من الاطفال تجمعوا بالقرب من خزان مياه للتزود بقطرة ماء منعتها عنهم قوات العدو الصهيوني. لقد جاء رئيس فرنسا ليؤدي فروض الطاعة، كل ما فعله هو إعلان تضامنه مع النازيين الجدد الذين يحرقون الأرض ومن عليها، فأكد تضامنه مع الكيان وأعلن الحداد على الضحايا الصهاينة والفرنسيين الذين قتلوا في الضربة الأولى لـ"طوفان الأقصى" في مستوطنات ما يعرف بـ"غلاف غزة". ماكرون لم يلتفت إلى قرابة 6 آلاف شهيد، أكثر من نصفهم أطفال ونساء ومرضى في المستشفيات، قتلهم جيش الاحتلال بدعم لوجيستي واستخباري فرنسي وبسلاح امريكي-غربي. لم يرى فيهم ولا في الـ16 ألف جريح، أنهم بشر يحق لهم العيش بكرامة.

قبل ماكرون، كان رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يؤكد الموقف البريطاني الثابت منذ وعد بلفور قبل 106 سنة، عندما مهدت لندن الطريق للعصابات الصهيونية ودعمتها في ارتكاب مجازر وتشريد أهل فلسطين من مختلف المدن والبلدات الفلسطينية، تنفيذا للوعد الاستعماري المشؤوم، وواصلت دعمها لعصابات شتيرن والهاغانا وغيرها حتى تأسيس الدولة الصهيونية على أشلاء الفلسطينيين في العام 1948، ثم ازاحتها الولايات المتحدة الامريكية بعد أن تسيدت العالم الغربي وقادته لإرتكاب المزيد من الفظائع في فيتنام وكمبوديا وكوريا والعراق وافغانستان وامريكا اللاتينية. سوناك هذا، سارع إلى لقاء رئيس الكيان فتلقى توبيخا من هرتسوغ الذي طالب بإلزام هيئة الإذاعة البريطانية وصف حركة حماس بانها تنظيم "ارهابي". لكن سوناك، الذي زار تل أبيب يوم 19 أكتوبر الجاري، قال أن بلاده "تقف إلى جانب (إسرائيل) في حقها في الدفاع عن نفسها والقضاء على حركة حماس".

قبله بيوم، أي في 18 أكتوبر الجاري، هرع الرئيس الأمريكي المتصهين جو بايدن إلى الكيان غداة الهجوم على مستشفى المعمداني وقتل أكثر من 500 شخص وجرح المئات، في واحدة من أكثر الهجمات بشاعة وهمجية في التاريخ. لم يلتفت بايدن لهذه المذبحة، لكنه تظاهر بالأسف على قصف المستشفى، ولم يُحمّل تل أبيب المسؤولية بل، أوجد لها منفذا للهرب عندما أعلن أنه أمر فريقه للأمن القومي "بمواصلة جمع المعلومات حول ما حدث بالضبط"، وكأن الذي حدث يحتاج إلى تحقيق إدارته بينما جيشه يوجّه ويُقدّم المعلومات الاستخبارية والسلاح والطيران لهذا العدو كي يستمر في إرتكاب محارق جديدة وإبادة جماعية قل نظيرها.

في كل هذه المعمة، يتعرض النظام الرسمي العربي إلى إهانات غير مسبوقة من قبل زعماء الغرب وعلى رأسهم امريكا. فلم (يُعبّرّهم أحد)، بل أن بايدن أجاب على سؤال صحفي بان العرب ليس لهم أي علاقة بما يجري، أي عليهم أن يبصموا وهم ساكتين دون أن ينبسوا ببنت شفه..هكذا!! وهذا الذي حصل، حيث تعّرى هذا النظام أمام الدم الفلسطيني المسفوك، ولم يجرأ نظام على القول لواشنطن: كفى. لقد فقدت الأنظمة العربية قدرتها على الفعل وفقدت التأييد الشعبي لها بسبب سياساتها العامة التي قادت شعوب المنطقة إلى الفقر والمرض والهجرة. كما فقدت التعاطي حتى بالحد الأدنى مع القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة، بعد أن استشرى مرض التطبيع في ادمغة القائمين عليها.

رغم كل ذلك فأن راية الحق ستبقى خفاقة، ولن تركن الشعوب العربية الى الصمت ولن "تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه"، حيث تشتعل الساحات تأييدا وتضامنا مع الشعب الفلسطيني وحقه في الدفاع عن نفسه وتحرير أرضه بكافة الوسائل. كما تنتفض شعوب العالم ضد حكوماتها المؤيدة لعدوان الكيان، فعمت المظاهرات شوارع العواصم والمدن الأمريكية والأوروبية رفضا للفظاعات التي ترتكبها قوات الإحتلال الصهيوني، التي تتصرف بأنها فوق القانون الدولي ما دامت تحت الحماية الامريكية التي تشارك بفعالية في الحرب على الأرض، كما تفيد المعلومات التي ترشح من داخل الكيان.

لا بايدن، ولا سوناك، ولا ماكرون ولا أي زعيم غربي سيحج إلى الكيان الصهيوني ليعلن تضامنه ودعمه للجرائم التي يرتكبها..كل هؤلاء غير قادرين على كسر شوكة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة التي أسقطت أسطورة الجيش الصهيوني وانكشافه رغم كل ما يرتكبه من مذابح.  

انه مفصل تاريخي، وعلى الشعوب العربية وأحرار العالم مضاعفة الجهد والضغط من أجل وقف العدوان وفتح المعابر لإدخال المؤن الطبية والغذائية وتقديم واجب الدعم والتضامن مع فلسطين وشعبها الأبي وهو يخط طريق التحرير معمدا بدماء الشهداء قرابين الحرية.