DELMON POST LOGO

نهار آخر .. هل يعتذرون؟!

بقلم: رضي الموسوي

لم تعد مسألة ازدواجية المعايير تُخجِل أو تُسبِب حرجا للمسؤولين الغربيين والكثير من القادة العرب، خصوصا إزاء ما يجري في غزة من حرب إبادة وتطهير عرقي يستحضر جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية. ثمة دلائل وشواهد مؤكدة كثيرة على ازدواجية المعايير التي يتخذها الساسة الغربيون في تعاطيهم مع هذا الحدث العظيم منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، التي وضعت معادلة جديدة مفادها أن ما قبل الطوفان ليس كما بعده، حين سقط الجيش الذي لا يقهر في مستنقع الجبن والهلع من مجموعة مقاتلين باغتهم وأخرجهم من جحورهم بسراويلهم الداخلية، فلم يكن من الكيان وأجهزته الأمنية والإعلامية سوى ترويج روايات مضروبة عما قام به أبطال المقاومة فجر ذلك اليوم الذي غيّر التاريخ.

ففي مقابلة أجرتها قناة الجزيرة مع مسؤول العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اتضحت المزيد من الحقائق. سأله المذيع عثمان آي فرح: "هل تعتقدون أن ما تقوم به "إسرائيل" هو جرائم حرب؟

أجابه المسؤول الأوربي بكل ثقة: أنا لست محاميا، ولكن هناك محكمة جنائية دولية ستتولى التحقيق، وعدة بلدان طلبت من المحكمة الجنائية الدولية فتح قضية.

المذيع: هل موقف الاتحاد الأوربي أن ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر جرائم حرب؟

المسؤول الأوروبي، وبكل ثقة أيضا: نعم. نحن نعتبر ذلك جرائم حرب، لأن قتل المدنيين بشكل واضح من دون أي سبب..قُتِلوا فقط لأنهم كانوا هناك، وليس لسبب آخر.

المذيع: لكن سيد بوريل سألتك للتو عن اسرائيل، قلت أنك لست محاميا، فكيف يكون هذا الوضوح في اتهامك لحماس أنها قامت بجرائم حرب، وعندما سألتك عن "إسرائيل" تقول لست محاميا، كما يقول ساسة غربيون كثر، ولهذا السبب  يتهمكم كثيرون بازدواجية المعايير".

لم يجد بوريل أي غضاضة وأي حرج في تصريحه المنافق المتناقض، بل كان يؤكد الموقف الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي في إدانة المقاومة الفلسطينية بسبب عملية طوفان الأقصى وتبنّي الكذبة الصهيونية حول الهجوم على الحفل الذي سقط فيه أكثر من 1200 من المستوطنين والجنود الصهاينة.

قبل أيام كشفت صحيفة هآرتس الصهيونية بأن من قام بمهاجمة الحفل، الذي استند عليه مؤيدوا الكيان، هو الجيش الصهيوني، الذي اعترف بعض ضباطه وجنوده بمهاجمة الحفل، إذ كانوا في حالة ذعر وضياع ولم يكن بمقدورهم التفريق بين مقاتلي حماس وبين المستوطنين، فقصفوا الجميع وأحرقوا الكثير من الجثث بنيران طائراتهم.

كذبة الكيان الصهيوني الأولى التي أراد منها التغطية على فشله يوم الطوفان واستدرار عطف الغرب، كانت اغتصاب النساء وقتل الأطفال وحزّ رؤوسهم، وقد حجّ القادة الغربيون إلى الكيان وذرفوا الدموع وقدموا دعمهم الكامل ومنحوا جيش الاحتلال ضوءًا أخضر لإرتكاب الفظائع، كان يبحث عنه، وانبرى الإعلام المُسيطَر عليه صهيونيًّا في صياغة البروباغندا، فأسهبت القنوات العالمية المنحازة في ترديد رواية الاحتلال حتى تبين كذبها. بعض هذا الإعلام اعتذر بخجل، لكنه واصل دعمه للهلكوست ضد أهل غزة، لكن قادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا أخذتهم العزة بالأثم واستمرأوا في الدفاع عن جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وسار على ركبهم العديد من القادة العرب الذين أكدوا تبعيتهم لمركز القرار في واشنطن.

الآن، وبعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتأكد تلفيق الكيان لسردية قتل الأطفال واغتصاب النساء بعد اعتراف ضباط جيش الكيان بأنهم  من قام بذلك..فهل يعتذر أولئك الذين استلّوا سيوفهم من غمدها وراحوا يضربون بها العزّل في غزة والضفة الغربية وفي العواصم المؤيدة للحق الفلسطيني؟

هل يعتذر من تبرع وقدم فوق ما هو مطلوب منه ليبرئ ساحة الاحتلال من الجرائم التي يرتكبها ويشوّه صورة المقاومة التي تقاتل من أجل تحرير أرضها المحتلة؟

هل يجرؤ أحد من القادة العرب على القول أن الكيان كذب عليهم بعد أن تبنّوا سرديته الواهية؟

هل يعتذروا؟!

ثمة شك في ذلك. فأغلب الدول العربية التي أصدرت بيانها الخاوي في القمة المزدوجة مع دول إسلامية، لا حول لها ولا قوة، هي دول هشّة غير قادرة على اتخاذ قرارها المستقل رغم المظاهر الخداعة التي تشي بأن لها وزنًا بشريًّا واقتصاديًا وماليًّا، والسيطرة عليها مُحكمة إما بسبب عدم قدرتها على حماية نفسها من الأخطار الخارجية والطوابير الخامسة التي تسرح وتمرح في بلدانها، أو بسبب فشلها في إدارة بلدانها وتحويل القرار إلى المؤسسات الدولية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى.

طوفان الأقصى كشف الغطاء عن الكيان وحلفائه وعن الدول الداعمة له في كل جرائمه، لكن الشعوب الحرة التي انتفضت وكسرت الطوق تصدح في الساحات العالمية، بما فيها العربية، تضغط على صناع القرار رافضة الموقف المنحاز كليا للقتلة والجلادين ومرتكبي المذابح، معلنة (هذه الشعوب) سقوط الغشاوة عن عيونها التي استمرت لعقود طويلة كانت بعض الدول العربية متورطة فيها.

إن أحدا من داعمي الاحتلال لن يعتذر عن مواقفه المخزية المبنية على أكذوبة صهيونية تبرع بعضهم بالتبرير لمرتكبيها النازيين الجدد ونظام الفصل العنصري في حرب إبادته ضد شعب فلسطين التي تتجلى فصولها الآن في "هولوكوست" غزة. فالتاريخ يعلمنا أن هؤلاء لم يتخذوا قراراتهم بإنفعال، بل بتواطئ مع الاحتلال ومن وراءه الولايات المتحدة الأمريكية التي تتغلغل الصهيونية المسيحية في مفاصلها. فالبيت الأبيض لم يعتذر عن أي جريمة ارتكبتها الجيوش الأمريكية منذ ما قبل تأسيس أمريكا حيث الإبادات الجماعية ضد السكان الأصليين، حتى غزو افغانستان والهروب المذل من شوارعها، مرورا بالعراق وفيتنام والفلبين واليابان وكوريا..وغيرها من الفظائع.

هؤلاء لن يعتذروا. تدرك شعوب العالم ذلك. أما أطفال غزة الذين يغسلون عارنا بدمائهم وأجسادهم المحترقة وتلك التي تحت الانقاض، فهم من يكتب الآن تاريخا جديدا يمسح الخزي والسقوط الذي وصل له العرب والعالم معا، ويؤسس لعالم جديد ليس فيه نظام فصل عنصري فاشي في فلسطين.