DELMON POST LOGO

نهار آخر .. خيبة الأمة من نتائج القمة

بقلم: رضي الموسوي

نفهم ألا ينصت جو بايدن إلى صرخات الرأي العام في شوارع أمريكا والذي يدين جرائم الاحتلال في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة باعتباره صهيوني، كما يحلو له التأكيد مرات عديدة.

ونفهم أن رئيس الوزراء البريطاني من أصول هندية سوناك أنه يقدم الولاء إلى تل أبيب ويهرع لزيارتها لتقديم فروض الطاعة التي ساعدته على الوصول إلى رئاسة الوزراء.

ونفهم أيضا موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه يدعم كل جرائم الاباداة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد أهالي غزة والمناطق الفلسطينية المحتلة، وكذا ألمانيا، والتشيك وغيرها من دول في أوروبا وآسيا.

لكن لا يمكن فهم موقف الفرجة الذي يستمر في اتخاذه النظام الرسمي العربي والإسلامي بعد قرابة شهرين من العدوان وبعد ثلاثة أسابيع من عقده قمة استثنائية مع الدول الاسلامية، أصدرت بيانا مرسلا مساء 11 نوفمبر الجاري، طالب بوقف الحرب، وحمّل المجتمع الدولي مسؤولية إيقاف العدوان وكأن العرب والمسلمين ليس لديهم ما يفعلونه سوى رمي الكرة في ملعب غيرهم.

لقد تكشفت حقائق جديدة وسقطت اقنعة كثيرة، في وقت كانت شعوب هذه الدول تغلي غضبا وتقف مع الحق الفلسطيني في المقاومة وتحرير الأرض المحتلة. لقد شكلت القمة العربية والإسلامية، خيبة أمل جماهير الأمة من النظام الرسمي العربي الذي يبدو أنه لا يعبأ بحجم الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس.

إنه مشهد دراماتيكي كارثي هذا الذي تمارسه الأنظمة العربية والإسلامية، فهي لا تزال تجزم أن جيش الاحتلال الصهيوني هو الجيش الذي لا يقهر، حتى بعد أن مُرِّغ في التراب يوم السابع من أكتوبر حين باغت المقاتلون الأشاوس حصونه في عقر دار المستوطنات وقتلوا وأسروا ما تسنّى لهم من صهاينة يحتلون أراضي فلسطين. وتريد هذه النظم إقناع الرأي العام أنها قامت بالواجب بعقدها قمة انتجت بيانا لا يساوي الحبر الذي كتب به، ولا يوقف قتل جنين غزاوي في بطن أمه، بل أشاحت بوجهها عن المجازر ووتماهى بعضها مع الموقف الامريكي الشريك الرئيسي في العدوان وممول الة الدمار التي تقصف غزة.

ربما هو الشعور بالعجز وعدم قدرة هذه النظم على إدارة بلدانها، حيث تطالب شعوبها بوقف التطبيع وإلغاء الاتفاقيات المهينة وإغلاق السفارات الصهيونية في العواصم العربية المطبعة. عواصم تهرب انظمتها نحو اختلاق وقائع "فالصو" لتغطي على عجزها عبر تصريحات إعلامية تقوم مراكز الاتصال الإعلامي برصدها و"فلترتها" وتحويرها بما يشّوه الموقف الشعبي ليضعه في خدمة النظام العاجز حتى عن تشييد شارع يخفف الازدحام الخانق.

هذا العجز المتراكم منذ عقود يُسيّج النظام الرسمي العربي ويضعه في قبضة القرار الأمريكي المتحكم في مفاصل الاقتصاديات الوطنية وفي القروض الدولية الغارقة فيها هذه الأنظمة التي تعيش على "حُقَن" صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتوابعهما، ما أدى إلى انحدار المستوى المعيشي في أغلب البلدان العربية. هذا يفسر مواقف الدول العربية المنحازة في جوهرها ضد الشعب الفلسطيني ومع مفرمة ومجازر الاحتلال الصهيوني؛ فأغلب هذه النظم تستجدي مؤسسات التصنيف الائتماني والمؤسسات المالية الدولية المسيطر عليها أمريكيا، وبالتالي صهيونيا، بأن تمنحها تصنيفا متقدما لتزيد من اقتراضها على حساب مستوى معيشة شعوبها. يحصل هذا في عواصم عربية كبرى وصغرى، وهي تدرك أنها تسير نحو مقصلة الديون التي تقودها إلى الفشل الحتمي وفقدان القدرة على إدارة القرار الاقتصادي والسيادي الذي تتبجّح به الكثير منها. وبدلا من معالجة المديونية بشكل علمي وموضوعي لتخفيف عبئ الديون وفوائدها، تهرب إلى إتهام معارضاتها الوطنية إذا طالبت بسيادة حقيقية غير مرتبطة بسطوة القواعد العسكرية الأجنبية في بلدانها وغير خاضعة لإشتراطات الجهات المدينة.

الخوف من العقوبات الدولية تشكل رادعا أمام اتخاذ قرارات مستقلة مجدية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومن العدوان على غزة، الأمر الذي يفسر تناقض موقف الشعوب مع موقف الحكومات. كما أن الشعور بالدونية وعدم الرغبة في إغضاب واشنطن، هي أسباب جوهرية أخرى تنزلق إليها هذه الأنظمة فتعمل على منع ومحاصرة فعاليات التضامن الشعبية مع المقاومة الفلسطينية ولا تتردد في اعتقال النشطاء والمشاركين في هذه الفعاليات بذرائع واهية، ولا ترى في السيادة سوى مواجهتها لشعوبها المناصرة لفلسطين وأهلها وهم يكتبون التاريخ من جديد. تاريخ المقاومين الذين يسطرون أسمى أشكال البطولة والفداء في غزة والضفة الغربية رغم الجرائم الفاشية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني.

من شدة ضعف النظام الرسمي العربي أنه لم يجرؤ على إدانة الاعتداءات الصهيونية المتكررة على مطاري دمشق وحلب الدوليين، ولا إدانة العدوان الصهيوأمريكي على الأراضي السورية، فهذه الأنظمة مرعوبة من عقاب امريكا التي تسرق النفط السوري. ومع ذلك تذهب بعض هذه الأنظمة بعيدا فتدخل في تحالفات "غازّية" مع كيان الاحتلال الذي يسرق هو الآخر ثروات فلسطين التي تتمتع شواطئها بمخزونات كبرى من الغاز.

استمرأت الأنظمة العربية عدم الإنصات لصرخات شعوبها المطالبة بالحرية والديمقراطية والحياة الحرة الكريمة وعدم الانصات لصرخاتها المناصرة لفلسطين وأهلها، مع أن طريق الحق واضح كالشمس ولا يحتاج لقمم كي تتخذ المنظومة العربية والاسلامية ما يجب القيام به من واجب لحماية أمن الأمة من غطرسة الصهاينة وحلفائهم. المدهش أن المقاومة الفلسطينية وحلفائها تدير جبهات الصراع بكل اقتدار يدهش قادة الصهاينة قبل القادة العرب التائهين وغير القادرين على اتخاذ قرار يتيم أتيح لهم في قمتهم الأخيرة.

إن التاريخ لن يرحم المتخاذلين الذين يقفون ضد مصالح الأمة وضد مواقف شعوبهم. تلك بديهة أزلية رغم التشويه الذي تقوم به الحاشيات المستنفعة والباحثة عن فتات الموائد مقابل تزوير الحقائق والتاريخ.