DELMON POST LOGO

مغزى تنظيم تيارين كويتيين، مدني وإسلامي لمؤتمر "فلسطين واستدامة الصمود"

كتب: رضي الموسوي

ليس غريبا أن ينظم مؤتمر لدعم فلسطين وشعبها في الكويت المعروفة بدعمها اللامحدود للقضية الفلسطينية منذ بدء الصراع العربي الصهيوني، فانطلاقة حركة فتح منتصف ستينات القرن الماضي (يناير 1965) كانت من الكويت، وكذلك الدعم السياسي والمالي والمعنوي الذي لم يتوقف رغم بعض المحطات التي نغّصت على العلاقة الكويتية الفلسطينية، كما هو الحال مع اجتياح الجيش العراقي للكويت في صيف 1990 وموقف قيادة منظمة التحرير السلبي منه.  بيد أن اللافت في الأمر هو أن يتم تنظيم هذا المؤتمر من جهتين متباينتين في الأيدلوجيا والرؤى الفكرية والسياسية في الموضوع المحلي الكويتي. فقد عُقِد في الفترة ما بين 9-10 ديسمبر الجاري في الكويت العاصمة، مؤتمر "فلسطين واستدامة الصمود" بتنظيم كل من المنبر الديمقراطي الكويتي الذي تعود جذوره إلى حركة القوميين العرب، والحركة الدستورية الإسلامية، المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، بحضور نخبة من المجتمع الكويتي وقواه الفاعلة، فضلا عن الحضور الفلسطيني المقيم في الكويت والضيوف الذين تمت دعوتهم. وعلى هامش المؤتمر تم تنظيم معرض عن المنتوجات الفلسطينية المتعلقة بملحمة السابع من أكتوبر.

كان جدول أعمال المؤتمر مزدحما بأوراق وورش العمل التي بدأ المؤتمر بواحدة منها عن الدعم النفسي والإنساني في الأزمات والحروب، تحدث فيها كل من د.حصة الهنيدي و د.أحمد عبدالملك، صبيحة يوم السبت التاسع من ديسمبر. افتُتح المؤتمر مساء ذات اليوم بكلمتين للأمين العام للحركة الدستورية الأستاذ مساعد السعيدي والأخرى للأمين العام للمنبر الديمقراطي الكويتي المهندس عبدالهادي السنافي، لتلحقها ندوة عن الدور الكويتي في دعم القضية الفلسطينية، تحدث فيها كل من د.طلال الرشود بالسرد التاريخي للدور الكويتي الداعم للقضية، والنائب أسامة الشاهين الذي تحدث عن الدور التشريعي الكويتي، والمستشارة إسراء المعتوق عن الدور الكويتي الحالي والمستقبلي في إسناد القضية الفلسطينية، والمهندس نادر أبو حنينة عن دور الكويت على مدى عقود (الهيئة الشعبية لفلسطينيي الخارج). واختتم اليوم الأول بندوة حرب المعلومات والإعلام تحدث فيها د. علي أبو رزق، والإعلام الصهيوني التي تحدث فيها د.جودت مناع.

وفي صباح اليوم التالي، عُقدت ندوة باللغة الانجليزية بعنوان "حوار حول تاريخ التطهير العرقي في فلسطين" تحدث فيها د. إسماعيل بهبهاني ود. محمد العنجري. أعقب الندوة ورشة عمل عن المقاطعة والتطبيع (المفهوم والامتداد) قدمت فيها أوراق عمل لكل من أ. مشاري الإبراهيم، أ. محمد البغلي ورضي الموسوي. ثم عُقدت الندوة القانونية "الانتهاكات القانونية الصهيونية وسبل ملاحقتها"، وتوزعت على أربعة محاور، الأول منها عن ملاحقة السلطات "الإسرائيلية" للانتهاكات والجهود الدولية والمحلية لمتابعة الأمر أمام المحاكم الدولية، تحدث فيه د. أنور الفزيع. والمحور الثاني حول إمكانية إلغاء اتفاقية أوسلو أو تعديلها وكذلك اتفاقات التطبيع بالقانون الدولي، وتحدث فيه د.أنيس قاسم. ثم المحور الثالث الذي كان عن حقوق الملكية للشعب الفلسطيني في ظل القانون الدولي وحقوق الأسرى وحقوق اللاجئين وتوفير الحماية للمسجد الاقصى والمرابطين خاصة في ظل التقسيم الزماني، وتحدث فيه د.عيسى العنزي. أما المحور الرابع والأخير فقد تحدث فيه د.محمد علوان عن محاولات الكيان الصهيوني تحريف وتزييف القانون الدولي وتضليل الرأي العام. أعقبها ورشة "مؤثرو الإعلام الاجتماعي والدور الفاعل في دعم صمود الشعب الفلسطيني"، تحدث فيها كل من د.محمد جمال، د.عمر شمس الدين، أ.نوال ملا حسين، أ.هيا الشطي وأ.آلاء حسن. بعدها عقدت آخر ندوة عن طوفان الأقصى وما بعده، تحدث فيها د.علي أبو رزق عن التحولات السياسية بالمشهد الأورو أمريكي تجاه القضية الفلسطينية. كما تحدث د.سليمان أبو ستة عن دواعي طوفان الأقصى من وجهة نظر فلسطينية، فيما تحدث د.علي السند عن مآلات 7 أكتوبر على الحياة السياسية والجيوسياسية في الوطن العربي. وأعقب الندوات وورش العمل ختام أعمال المؤتمر. وقد نظم على هامش المؤتمر معرض عن فلسطين وتراثها وصمود أهلها شاركت فيها مختلف المشارب الفكرية والسياسية الكويتية والفلسطينية في الكويت.

أهمية المؤتمر

تكمن أهمية المؤتمر في المادة الدسمة التي توزعت على الندوات وورش العمل طوال يومين ازدحما بالمناقشات الجادة لأوراق العمل القيمة التي تحدث فيها المشاركون الذين تنوعت مشاربهم الفكرية والسياسية، الأمر الذي أضفى انطباعا وحدويا في الموقف الكويتي إزاء القضية الفلسطينية ودعمها اللامحدود منذ انطلاقة الشرارة الأولى في منتصف ستينات القرن الماضي. فرغم تباينات الموقف من الشأن الداخلي، وإرث الماضي، إلا أن التيارين التاريخيين المتباينين تمكنا من تجاوز الخلافات بينهما وعقدا مثل هذا المؤتمر على قاعدة "فلسطين تُوَحِد"، وهو الشعار الذي رفع في البحرين منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023.

كان اللافت في مؤتمر "فلسطين واستدامة الصمود" العدد الكبير من المتحدثين الذين قدموا أوراق عمل قيمة من مختلف التيارات السياسية، سواء على صعيد المنتدين الكويتيين أو العرب. فهم ينتمون إلى تيارات وطنية ديمقراطية وقومية ويسارية وإسلامية، ما يعطي أهمية كبيرة للمؤتمر من حيث تعدد الرؤى الفكرية والسياسية من جهة، وإبراز القضية المركزية للأمة باعتبارها موحدة لمختلف الفرقاء في قراءتها للمشهد الفلسطيني، بعد طوفان الأقصى على الأقل. ربما هذا التنسيق يفتح نوافذ للتنسيق بين تيارين طالما احتدم الخلاف بينهما: التيار القومي اليساري والتيار الاسلامي، بما يخفف الاحتقانات السياسية بين أطراف العمل العمل السياسي في الكويت، وامتدادها لدول مجلس التعاون الخليجي ومنها البحرين التي شرعت بهدوء في بواكير التنسيق بين هذه التيارات على أرضية مناصرة ودعم الشعب الفلسطيني في مواجهته للاحتلال الصهيوني وجرائمه النازية ضد المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء.

لا شك أن هناك من تياري المنبر الديمقراطي الكويتي والحركة الدستورية الإسلامية (حدس) من يختلف مع تنظيم مؤتمر مشترك بين التيارين. وهذا أمر طبيعي لحدث جديد وفعل يجيء في ظل حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي واستذكار الخلافات التي كانت تحتدم أكثر في المفاصل والمنعطفات التاريخية التي مرت بها الكويت. لكن المعطيات التي تفرضها ظروف المرحلة تفرض معادلاتها الجديدة على الجميع. فلا يمكن إحداث فارق في الفعل الداعم والمتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة في ظل الفرقة والعمل الفردي لكل تيار على حدة. ربما يحتاج الأمر إلى توحيد كافة التيارات الفاعلة على الساحة الكويتية والخليجية لمواجهة طوفان مواجه هو التطبيع مع العدو الصهيوني الذي يفرض التنسيق والتحالف بين كل التيارات الحية لمواجهة التغول الصهيوني في بلداننا.

اللافت أيضا كان الحضور الشبابي الطاغي في المؤتمر، إن كان على مستوى التنظيم حيث الوجود الشبابي الكامل من قبل التيارين المنظمين للفعالية، أو من حيث المنتدين الذين كان أغلبيتهم الساحقة من هذه الفئة الواعدة التي أحيت القضية الفلسطينية ووضعتها في واجهة الاحداث، ليس على مستوى الكويت والبحرين فحسب، بل على المستوى العربي والعالمي، الامر الذي يطمأن بأن شعلة دعم فلسطين والتضامن معها في لب اهتمام الشباب الخليجي والعربي والعالمي، وهي في أيدي أمينة.

وضع مؤتمر "فلسطين واستدامة الصمود" أرضية للتنسيق بين مختلف القوى يمكن تكرارها وتطويرها بما يخدم الصالح العام، رغم الملاحظات التي قدمها المختلفون، وهي ملاحظات يمكن فهمها على أنها تنطلق من إرث الخلافات وتراكماتها، لكنها أيضا تعبر عن حرص المختلفين للوصول على أفضل النتائج لعمل مشترك إزاء أقدس وأعدل قضية على وجه الخليقة.