DELMON POST LOGO

نهار آخر .. التطبيع وآثاره الكارثية على البلدان العربية.. الاتفاقات "الإبراهيمية" نموذجًا (1)

بقلم: رضي الموسويفرضت عملية السابع من أكتوبر 2023 معادلة جديدة وأكدت الحق الفلسطيني وأسقطت السردية الصهيونية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، بتجديد أبطال طوفان الأقصى والمقاومة الفلسطينية التأكيد على أن الشعب المتجذّر في أرضه عبر آلاف السنين مستعد لتقديم التضحيات الجسام من أجل نيل حقوقه المشروعة وتحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة على كامل التراب الوطني وعاصمتها القدس. في معركة ذلك اليوم تهاوت سمعة وهيبة الجيش الذي لا يقهر، وأعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، وأسقط الطوفان أقنعة كثيرة أدّت إلى بدء الهجرة المعاكسة من الكيان، حيث غادر ويتهيأ للمغادرة آلاف المستوطنين من المدن والكيبوتزات التي احتلوها إلى بلدانهم الأصلية، بينما تم ترحيل الذين استوطنوا غلاف غزة ومستوطنات شمال فلسطين المحاذية للجنوب اللبناني. يضاف إلى ذلك هجمات أنصار الله في اليمن على البواخر الصهيونية واحتجاز واحدة منها وإطلاق صواريخ وطيارات مسيرة على بواخر تعود ملكيتها إلى صهاينة او تحمل بضائع له وتناوش البوارج الحربية الأمريكية.
لقد شكلت عملية طوفان الأقصى مفصلا في الصراع العربي الصهيوني ومنعطفا تاريخيا أعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي وخصوصا لدى الرأي العام العالمي، الذي بدأ يتغير بمعدلات متسارعة لصالح فلسطين، وذلك بعد أن شاهدوا هول المجازر وحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ينفذها كيان الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس. ولم تقتصر آثار وتبعات زلزال الطوفان على المعطيات الراهنة التي أعقبت العدوان، إنما توسعت شظاياها إلى اتفاقيات التطبيع التي تسمى زورًا "ابراهيمية" والمساعي الحثيثة من الإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني لخلق معطيات جديدة للتطبيع بين الكيان والسعودية. فالموقف الشعبي الداعم للمقاومة الفلسطينية ضد العدوان الصهيوني أخذ في التأثير على حركة التطبيع التي كانت تعمل بكل طاقتها قبل الطوفان، لكنها تعثرت بعده، فتراجعت الدعوات التي كانت يومية في الصحافة والإعلام وانتزعت أخبار المجازر حيّزًا مهمًّا في الإعلام العربي وطغت على وسائل التواصل الإجتماعي. تركز هذه الورقة، التي قدمت في مؤتمر "فلسطين واستدامة الصمود" بتنظيم من المنبر الديمقراطي الكويتي والحركة الدستورية الاسلامية "حدس"، على آثار الاتفاقيات الإبراهيمية التي تم توقيعها مع دولتين خليجيتين هما الإمارات والبحرين، ودولتين عربيتين هما المغرب والسودان، فضلا عن المحاولات التي تجري من قبل العدو للتطبيع مع الرياض، ويحاول تزييت عجلتها بطرق عديدة بمعاونة ومشاركة فعالة من الإدارة الأمريكية. ورقة العمل التي ننشرها ملخصة في أربع حلقات، وهنا الحلقة الأولى.بعد توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين على اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني في منتصف سبتمبر 2020، ضجت وسائل الإعلام الخليجية بتصريحات مسؤولي البلدين بأن "الاتفاقات الإبراهيمية" هي لخدمة القضية الفلسطينية، وتبرع بعضهم بالإدعاء أن هذا الحدث جاء مشروطا بوقف الاستيطان في الضفة الغربية. لكن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أبطله سريعا بتوقيعه على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، واستمر وزير الأمن الداخلي بن غفير في توجيه المستوطنين لمزيد من الاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، وحياكة مخططات القتل اليومية لفلسطينيي الـ48، وذهب الكيان بعيدا عندما قرر تسليح المستوطنين ووجّههم بمضاعفة هجماتهم على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، وتزايدت هذه الاعتداءات بعد طوفان الأقصى.**ثلاث سنوات عجاف من التوقيع على ما يسمى بـ"اتفاقات إبراهام" التطبيعية تمكنت فيها الدولة العبرية من تحقيق اختراقات كبرى كانت طُبِخَت على نارٍ هادئة في العقود الثلاثة الماضية بما فيها وجود سفارة سرية للعدو الصهيوني منذ أكثر من عشر سنوات في بعض الدول العربية لا تعلم شعوبها بها، ووفود غير معلن عنها لم تتوقف عن حضور المؤتمرات واللقاءات وعقدها الصفقات تحت الطاولة. اتفاقيات هي أبعد ما تكون "إبراهيمية"، بتأكيد الكيان أنه يسعى إلى تحقيق هدفه المتمثل في تطيير ما تبقى من فلسطين وتجسيد قانون الدولة القومية العنصري الذي ينص على "يهودية الدولة"، وسياسة التطهيرالعرقي والديني عبر تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من أراضيهم والسطو وسرقة منازلهم وممتلكاتهم. وزادت قوات الاحتلال والمستوطنين فصعّدت حربها بالاعتداء على المسيحيين والبصق عليهم وعلى الصليب تحت ذريعة "التقليد اليهودي"، بعد أن استمرأت الاعتداءات على النساء في باحات الاقصى وركلهن وأسرهن.يجري كل ذلك بالتوازي مع العمل على تنفيذ الاستراتيجية الصهيونية القاضية بالسيطرة على الوطن العربي، من خلال تفتيت دوله إلى كانتونات عرقية وطائفية ومذهبية متناحرة، والشروع في إقامة "الشرق الأوسط الكبير"، الذي بشّر به الكيان والولايات المتحدة بعد مؤتمر مدريد 1991، وتشكيل أحلاف أمنية وعسكرية وسياسية لفرض قيادة الدولة العبرية للمنطقة وعزل الدول المناهضة لهذا المشروع وتشريع قوانين أمريكية "حِصارية" كما هو الحال مع قانون قيصر الذي يستهدف شعبي سوريا ولبنان، وقد فعل فعلته، وشيطنة المقاومة ضد الاحتلال وخلق معارضات لها بدعم لا محدود من الإدارات الأمريكية المتعاقبة.أولا: حصاد سنوات التطبيع(أ‌) اتفاق التطبيع بين الكيان والبحرين: قبيل حلول الذكرى الثالثة لتوقيع اتفاقية التطبيع بين حكومة البحرين والعدو الصهيوني، جرى في الرابع من سبتمبر/ أيلول2023 الاحتفال الرسمي بافتتاح سفارة الاحتلال في المنامة بحضور وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين. وقتها قال وزير الخارجية البحريني عبداللطيف الزياني أن هذه المناسبة (افتتاح السفارة) "تدل على الالتزام المشترك بالأمن والإزدهار لجميع شعوب المنطقة"، فيما قال وزير خارجية العدو "اتفقنا أنا ووزير الخارجية (البحريني) على ضرورة العمل معا لزيادة عدد الرحلات الجوية المباشرة وحجم التجارة والاستثمارات".يشدد الاتفاق بين حكومة البحرين والعدو الصهيوني على بدء حقبة من الصداقة والتعاون سعياً لأن تكون منطقة الشرق الأوسط مستقرة وآمنة ومزدهرة لصالح جميع دول المنطقة وشعوبها، وفق ما يزعم الاتفاق.ويشير الاتفاق إلى أنه تم تسهيل هذا الإنجاز الدبلوماسي بواسطة مبادرة "الاتفاقيات الإبراهيمية" للرئيس دونالد ترامب، والذي يعكس المثابرة الناجحة لجهود الولايات المتحدة لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وأن الطرفين ناقشا التزامهما المشترك بتعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط، وتبنِّي رؤية "الاتفاقيات الإبراهيمية" وتوسيع دائرة السلام والاعتراف بحق كل دولة في السيادة والعيش بسلام وأمان ومواصلة الجهود لتحقيق حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وتم الاتفاق على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة وتعزيز الأمن الدائم وتجنّب كل من التهديدات واستخدام القوة بالإضافة إلى تعزيز التعايش وثقافة للسلام.وانطلاقاً من هذه المبادئ، تم الاتفاق على إبرام اتفاقات بشأن الاستثمار والسياحة والرحلات المباشرة، والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة، والرعاية الصحية والثقافة والبيئة ومجالات أخرى ذات المنفعة المتبادلة، بالإضافة إلى الاتفاق على الفتح المتبادل للسفارات، حسبما جاء في الاتفاق. **يبدو أن بعض المسؤولين والإعلام الرسمي يُظهرون المزيد من الحماس للتطبيع ويقدمون معلومات مرسلة، لكن تقريرًا صادرًا عن الكيان الصهيوني نفسه فنّد كل هذا الحماس، ووصف الشعب والمجتمع المدني البحريني بأنه "مجتمع نابض".يقول التقرير الصادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب: إنّ العلاقات بين "إسرائيل" ومملكة البحرين، ستدخل أو دخلت بالفعل مرحلة من الجمود، وعزا ذلك إلى الضغوط الداخلية، حيث "ينشط مجتمع مدني نابض، يشكل تحديا بشكل دائم". وركز على "الاحتجاجات الشعبية المتواصلة في البحرين ودورها في هذا الفتور في العلاقات، منذ توقيع اتفاق التطبيع بين البحرين ودولة الاحتلال، وتأييد الفلسطينيين الواسع من قبل الشعب البحريني. وذكر التقرير، أنّ العلاقات بين الطرفين لم تشهد تطوراً يذكر ولا سيما من الناحية الاقتصادية، وقارن بين حجم التبادل التجاري للبحرين مع كيان الاحتلال، وبين الأخير والإمارات، موضحا أنّه في العامين 2021 – 2022 كان حجم التبادل التجاري بين الإمارات و”إسرائيل” حوالي 2.5 مليار دولار، في وقت لم يتجاوز التبادل بين البحرين و”إسرائيل” 20 مليون دولار.

وعرّج التقرير على المجال السياحي، فقال: زار الإمارات مليون سائح من "إسرائيل"، مقابل بضعة آلاف إلى البحرين، في وقت زار "إسرائيل" عام 2022 الماضي 1400 سائح من الإمارات مقابل 400 سائح من البحرين"، بحسب التقرير.وفي إطار إشارته للرفض الداخلي للعلاقات مع العدو الصهيوني تحدث التقرير عن إرسال 44 رجل دين بحريني رسالة إلى وزير التربية والتعليم طالبوا فيها بإلغاء تغييرات مشبوهة في المنهاج الدراسي الحكومي، بعد إزالة أحاديث نبوية منه ونشيد يُمجِّد المسجد الأقصى.وشدد رجال الدين حينها على أنه "لا يمكن تبرير هذه التغييرات بادعاء التسامح والتعايش" فضلاً عمّا أثارته الرسالة من ضجيج على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعبيرات عن رفض البحرينيين لتغيير المناهج.ووصف تقرير المعهد الصهيوني هذا الجمود بـ "خيبة الأمل"، وأنه يمكن أنّ يؤدي إلى تراجع العلاقات "الأمنية والعسكرية المزدهرة بين البلدين، وبالتأكيد سيكون لهذا تأثير سلبي على قرار دول أخرى تدرس إذا كانت ستطبع علاقاتها مع "إسرائيل"، مؤكدأ على أنّه "لا يمكن تجاهل الأهمية الكبيرة للقضية الفلسطينية لدى الجمهور البحريني. المؤكد أن الشعب البحريني ليس بحاجة إلى شهادة معهد صهيوني، فموقفه القومي الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني تجلَّى أكثر منذ طوفان الأقصى، عندما جددت كل مكونات الشعب البحريني تأكيدها على الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى حرب إبادة في غزة والضفة الغربية والقدس..يتبع

(الحلقة الأولى من ملخص ورقة عمل قدمها الكاتب في مؤتمر "فلسطين واستدامة الدعم" في الكويت)