DELMON POST LOGO

نهار آخر .. التطبيع وآثاره الكارثية على البلدان العربية..الإتفاقات "الإبراهيمية" نموذجا (3)

-استماتة أمريكية للتطبيع بين الكيان الصهيوني والسعودي تصطدم بطوفان الاقصى

بقلم: رضي الموسوي

في الحلقة الثانية من ورقة العمل التي قدمت لمؤتمر "فلسطين..الصمود والاستدامة"، الذي عقد في الكويت والمعنونة بـ"آثار التطبيع الكارثية على الدول العربية (الاتفاقات الابراهيمية نموذجا"، جرى التطرق إلى الاتفاقات الابراهيمية الثلاثة بين الكيان وبين كل من الامارات والسودان والمغرب، بينما تحدثنا في الحلقة الأولى عن الاتفاقية مع البحرين لتكتمل رباعية الاتفاقيات المسماة بـ"الابراهيمية"، ومدى الاختراق الصهيوني في هذه الاتفاقيات التي جاءت على حساب الحق العربي والفلسطيني وعلى وكل من وقع هذه الاتفاقيات التي تخدم استراتيجية الكيان في تشكيل الشرق الاوسط الجديد كما ارادها قادة العدو منذ عدة عقود. في الحلقة الثالثة نتطرق الى سعي الكيان إلى مزيد من الاختراقات التطبيعية ويجرى التركيز على السعوية باعتبارها مركزا ماليا واقتصاديا وروحيا في المنطقة.

ثانيا: إرهاصات التطبيع مع السعودية:

تتعرض المملكة العربية السعودية إلى ضغوطات كبيرة من أجل التحاقها بقطار التطبيع بعد أن تمكن الكيان من إحداث الاختراق الكبير بتطبيع أربع دول عربية في 2020. وتعول الإدارات الامريكية المتعاقبة على هذا الحدث الذي إن حصل فأنه سيهز المنطقة العربية والاسلامية بزلزال لايمكن التنبؤ بعواقبه على القضية الفلسطينية وعلى بلدان التطبيع ودول الممانعة على حد سواء. تمارس الإدارة الأمريكية اقصى درجات الضغط على الرياض من أجل الشروع في عملية التطبيع، وهي تتخذ خطوات مُركبّة ومعقدة تبتغي تطويق الدول المفصلية في الوطن العربي وشل حركتها وتوجيهها نحو تطبيع يتخلى عن الثوابت القومية المتعلقة بالقضية المركزية للأمة، فلسطين، حيث تنفذ إبادة جماعية وتطهير عرقي على أيدي جيش الاحتلال ومرتزقته بمشاركة رئيسية ومقررة من قبل الولايات المتحدة التي سارعت منذ اليوم الأول لعملية طوفان الاقصى بإرسال حاملات طائراتها وبوارجها الحربية وقدمت مليارات الدولارات لتعزيز العدوان الغاشم الذي لا نظير له في التاريخ الحديث.

في ندوة نظمتها قناة الحرة الأمريكية استخلصت فيها مواقف مختلف الاطراف المعنية وعرضت مواقف الولايات المتحدة وموقف الكيان الصهيوني والسعودية، حتى اضحت الدوائر الصهيونية متيقنة من خطوة استراتيجية كهذه ليتحول السؤال عند الصهاينة والأمريكان: ليس هل ستطبع السعودية مع الكيان الصهيوني، بل: متى توقع هذا الاتفاق، وفق المعطيات القائمة. ويتحدث البيت الأبيض مؤخرا (قبل عملية طوفان الأقصى) عن التوصل إلى "إطار أساسي" لما يمكن تحقيقه ضمن صفقة التسوية.

في هذا السياق يقول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن التطبيع بين السعودية وإسرائيل "سيكون حدثا تحوليا إذا تمكنا من الوصول إليه. والتطبيع سينقل المنطقة إلى آفاق أكثر استقرارا وتكاملا، بعد ما شهدت عقودا من الاضطرابات".

وأضاف أن "تحقيق تقارب بين السعودية، الدولة المحورية في العالم الإسلامي، وإسرائيل، سيكون له أصداء تتجاوز منطقة الشرق الأوسط"

أما السِناتور الديمقراطي، بن كاردن، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي فيقول: "إذا ما تحقق الاتفاق، ستحدث تغيرات حقيقية في الشرق الأوسط، وسيكون مهما لسياستنا الخارجية وأمننا القومي؛ وأنا متحمس جدا لذلك".

ويلاحظ مساعد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سابقا، وأستاذ في "جامعة جورج تاون" في واشنطن، بول بيلار، إن إدارة الرئيس، جو بايدن، "لم تشرح سبب وضع أولوية كبيرة الآن على مسألة التطبيع بين دولتين لا حرب بينهما. إنها بلا شك مسألة سياسية حزبية داخلية بين بايدن وترامب، من دون أن نهمل ارتباطها بالتنافس الأميركي الصيني". ويعتقد بول بيلار أن التطبيع بين السعودية وإسرائيل "من دون احراز سلام حقيقي بين إسرائيل والفلسطينيين، يضرب حل الدولتين دون أن يقدم بديلا عنه".

أما حسين إبش، كبير باحثين في "معهد دول الخليج العربية" في واشنطن فيرى أن "للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية أساسية في شبه الجزيرة العربية، وفي الممرات المائية المحيطة بها. والاتفاق سيقوّي الدور الأميركي فيها في إطار مواجهة الصين وروسيا. نعم، هناك قضايا صعبة حقا: الضمانات الأمنية الأميركية للسعودية، وبناء برنامج نووي مدني للسعودية. وحلّ الدولتين المتعثر. ويرى، إن " إسرائيل لن تقدم تنازلات للفلسطينيين، خاصة مع حكومة نتنياهو".

ويشدد، الكاتب في فورين بوليسي، شالوم ليبنر، على أن "طريق نتنياهو نحو الرياض مسدود". والسبب برأيه هو أن "ما يقوم به أعضاء التحالف الذي يقوده نتنياهو يقوض جهود التقارب مع السعودية. رغم أن التطبيع يساهم في السلام والاندماج في المنطقة، ويفتح أبوابا اقتصادية ودبلوماسية كانت مغلقة في السابق في وجه إسرائيل".

ويشير ليبنر بأن "بعض الأطراف المتحالفة مع نتنياهو ترى أن الملف الفلسطيني يجب أن يكون معزولا عن التفاوض مع الرياض، بينما ترى السعودية أن نتنياهو ليس له هامش حرية كافٍ لتقديم ولو الحد الأدنى من التنازلات لصالح الفلسطينيين، لأنه يخشى من خسارة حلفائه".

لكن الكاتب السعودي، عبد الله العساف، يرى أنه "لا يمكن السير بإتفاق من دون حل الدولتين. فالسعودية متمسكة بالمبادرة العربية كثمن مُعلن، وحد أدنى. فالفلسطيني يحق له العيش بكرامة في دولته". ويضيف الباحث السعودي، أن "المفاوضات ماراثونية وصعبة، وهناك طلبات معقدة بين الأطراف الثلاثة، الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل".

يتضح من ذلك أن الكيان يسعى للشروع في ضرب مقومات رفض التطبيع في العمود الفقري لتدمير فكرة المقومات الرئيسية ويستهدف هنا قدرة السعودية على إحداث الفارق إذا نجح في توقيع اتفاقية تطبيع معها، تكون المسمار الأخير في جدار رفض التطبيع في مجلس التعاون الخليجي الذي تتعرض بعض دوله لمحاصرة من يرفض التطبيع، كما هو الحال مع الكويت التي سجلت موقفا مشرفا، رسميا وشعبيا، ضد التطبيع وضد جرائم حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، بل ذهبت الكويت عميقا عندما أكدت أنها لا تزال في حالة حرب مع العدو الصهيوني.

ومع عملية طوفان الأقصى، لاشك أن مخطط التطبيع قد تعثر في أكثر من مكان بسبب جرائم الاحتلال في غزة والضفة الغربية، ويحتاج الأمر إلى موقف شجاع يردع الاحتلال الذي ينتهك كل القوانين الدولية وينتهج أكثر مما كان الزعيم النازي الفوهرر هتلر يرتكبه من جرائم إبان الحرب العالمية الثانية وقبلها..يتبع