بقلم: رضي الموسوي
مرحبا بكم وأنتم تشدون الرحال إلى بلدكم الثاني، البحرين، لحضور القمة العربية الثالثة والثلاثين، التي من المتوقع أن يصدر عنها بيان ختامي، تم إعداده سلفا من قبل المجلس الوزاري العربي، وربما يصدر عنها أيضا "إعلان المنامة". شعب البحرين، كما الشعوب العربية، مضياف يحب أشقاءه ويكرمهم، ويقوم بما يليق بمكانته وتاريخه الضارب في القدم منذ حضارة ديلمون التي لا تزال شواهدها بادية للعيان تُرى بالعين المجردة في التلال الديلمونية والقلاع المنتشرة في ربوعها دلالة على الحقب التاريخية التي مرت بها هذه الجزيرة الصغيرة بمساحتها، الكبيرة بناسها وأهلها وعطائهم الذي لا ينضب.
وقف البحرينيون، ولا يزالون، في الجانب الصحيح من التاريخ، بجانب الشعب الفلسطيني كتفا بكتف، لم يتأخروا عن نصرة هذا الشعب الذي أُبتلي باحتلال صهيوني غاشم زاد في نازيته على هتلر. فمنذ ثورة عام 1936، لبىّ البحرينيون نداء القدس واستشعروا الخطر الصهيوني وهو يزحف على فلسطين بتدبير بريطاني مقيت أصّل له "وعد بلفور" فتم نقل المهاجرين اليهود من أصقاع الدنيا إلى فلسطين، وقدم الانتداب الدعم لعصابات شتيرن والهاغانا وغيرها من العصابات الصهيونية التي كانت مهمتها قتل الفلسطينيين وتهجير من تبقى منهم على قيد الحياة. حينها حزم ثلة من شباب البحرين أمورهم وغادروا إلى أرض المرابطين في بيت المقدس، أرض المنشر والمحشر، مؤكدين أن ما يصيب شعب فلسطين يصيبهم. وهكذا جُبِل أهل البحرين على حب فلسطين وشعبها، ووعَوا ونفروا إليها إبان النكبة التي تعقد القمة العربية في اليوم التالي لذكراها الـ76، وثبتوا على موقفهم في كل الملمّات التي أصابت الأمة في خاصرتها بدءا بالنكبة والنكسة وفي اجتياح لبنان وفي حروب الكيان على فلسطين التي لم تتوقف وصولا لعدوان ما بعد طوفان الأقصى، حيث يحرص البحرينيون على الدعم والتضامن اليومي مع أهل غزة وفلسطين كواجب وطني وقومي وديني وانساني.
وأنتم تحضرون القمة، تأتون مثقلين بدَين عام يتجاوز 1.5 تريليون دولار، يضاف له الفوائد على هذا الرقم الفلكي، والحبل على الجرار، بينما تجارتكم البينية لا تصل إلى 14 بالمئة رغم مرور 27 عاما على اتفاقية التجارة الحرة بين بلدانكم، وتزداد نسب البطالة والفقر ورغبة الشباب العربي في الهجرة من بلدانهم.. توحدوا لكي لا تذهب ريحكم، فأنتم تمثلون أمة قوامها 400 مليون نسمة، إن صلحت تفعل المعجزات.
والقمة على الأبواب، تذكروا أن هناك شعبا في غزة تُطحن عظامه طحنا ويُباد بأكثر الأسلحة الأمريكية فتكا. لقد تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، كما قبله، بإبقاء هذه الغدة السرطانية أقوى منكم مجتمعين، فكيف وأنتم متفرقين شِيَعا، ولم يُخفِ هذا الرئيس صهيونيته، بل يُذكّر بها كلما سنحت له الفرصة، ويكذب أكثر مما يتنفس كما رئيس وزراء الكيان، النازي الجديد، بنيامين نتن ياهو. بايدن وإدارته لم تُعِر أي إهتمام لكل المناشدات التي أطلقها بعضكم، بل أمعن في دعمه ولم يتوقف عن ارسال كل الأسلحة الجديدة ليجربها على أجساد أطفال فلسطين الطرية وعلى نسائها وشيوخها. لا يهمه القانون الدولي ولا حقوق الإنسان ولا الديمقراطية التي تتبجّح بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فقد تعفنت كلها في مستنقع غزة الذي كشف الغطاء عن الأقنعة التي سقطت واحد تلو الآخر ومن على الجميع دون إستثناء.
لقد هرع البعض لعقد اتفاقيات تطبيع مع الكيان الغاصب تحت يافطة السلام والازدهار والأمن، لكنها لم تكن سوى وهم وسراب وليس ماءً يروي الظمآن. مزق هذا الكيان اتفاقية كامب ديفيد منذ زمن وأعاد تمزيقها بدباباته التي احتلت معبر رفح وقتلت ودمرت كل شيء في غزة وأكملت على كل القطاع المسبي، وفرمت أجساد أهلنا الذين قيل لهم ادخلوا رفح بسلام آمنين، لتُرتكب المجازر التي فاقت ما فعله هتلر في الحرب الكونية الثانية وفي الهولوكوست أيضا.
هذا الكيان هو نفسه الذي مزق اتفاق أوسلو المذل واتفاقية وادي عربة التي أرادها، ورماهما في نهر الأردن، ووضعهما في آلة الفرم كما فعل سفيره في الأمم المتحدة أمام الملأ قبل أيام وهو يفرم القانون الدولي. مزق "أوسلو" و"وادي عربة"، وأعلن عتاة نازيوه أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين الذين عليهم الاختيار بين المجازر الجماعية والإبادة، أو التهجير، إن تمكن الكيان إلى ذلك سبيلا.
تذكروا أن الاتفاقيات التي تسمى "إبراهيمية"، وهي ليست كذلك، قد سحب الكيان الدسم منها، إن وجد، قبل أن يجف حبرها. أراد منها ما يشاء وفرمها كما يفرم أطفال غزة كل ساعة. فقد كان يبحث عن صورة في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض يجمع فيها من يرغب أن يكون في إطارها بمعية رئيس أمريكي وهب ما لا يملك لمن لايستحق، القدس الفلسطينية والجولان السورية، لكيان مارق فاشي يتمدد على حساب أهل الأرض وملّاكها الأصليون.
لكن، وأنتم تتذكرون كل ذلك، توقفوا قليلا أمام فجر السابع من أكتوبر، يوم بزغ فجر جديد لهذه الأمة بعد يأس دام طويلا. يومها دان بعضكم المقاتلون الفلسطينيون الذين عانقوا السماء وهزموا الجيش الذي أوهم العالم أنه لا يقهر، فإذا به يؤكد وظيفته الإجرامية في القتل والتدمير. توقفوا قليلا أمام صمود هذا الشعب الذي رفض التهجير إلى سيناء والأردن ودفع الثمن عن بعضكم أو عن جميعكم، عشرات آلاف الشهداء والجرحى والنازحين وتدمير بناه التحتية. تيقنوا أن طوفان الأقصى كان نتيجة التواطؤ والتآمر الذي دام أكثر من سبعة عقود على شعب تحت الاحتلال، والحصار الذي استحكم عليه، بينما تُفتح سفارات عربية في الكيان بلا تردد.
إن لم تكن قمة المنامة قمة لوقف حرب إبادة أهل غزة وفلسطين، فما الحاجة لها؟. فلسطين اليوم تدافع عن شرف الأمة وكرامتها بلحم أطفالها ونسائها وشيوخها، وتدفع قرابين حريتها وتحررها، وتحمي ظهر العواصم العربية من هولاكو العصر. عواصم يهددها نتنياهو علنا وهو يرفع في الأمم المتحدة خريطة الشرق الأوسط الذي يسعى لأن يكون امبراطورًا عليه ويريد للبقية أن تكون تُبعٌ له.
على هذه القمة أن تقرر فك الحصار عن غزة وفتح معابرها، وأن تلغي اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني، كأضعف الإيمان، وأستعينوا بالحكمة لوقف سفك الدم الفلسطيني، وإن استعصت عليكم خذوها من طلبة الجامعات الأمريكية والأوروبية الذين بدأوا في تغيير السردية. كونوا عونا لفلسطين وأهلها. أوقفوا مسلسل التنازلات وأعيدوا الوهج للقمم العربية وأستدعوا لاءات قمة الخرطوم الثلاث: لا صلح، لا إعتراف ولا تفاوض.