DELMON POST LOGO

نهار آخر .. ولادة بطل جديد

بقلم: رضي الموسوي
كأنه استحضر طلقات سليمان خاطر قبل ثمانية وثلاثين عاما، عندما أردى خمسة صهاينة وجرح سبعة آخرين. حينها اتهم البعض خاطر بالجنون. هكذا بدم بارد برودة التطبيع المشين. حين نُقِل سليمان من سجنٍ لآخر تمت تصفيته بجريمة منظمة تم التخطيط لها مع سبق الإصرار والترصد. أرادوا تلويث سمعته فاشاعوا انه انتحر، بيد أن أحدا لم يصدقهم، لا في مصر ولا في الوطن العربي. يومها قالت أم سليمان: "ابني اتقتل عشان ترضى عنهم أمريكا وإسرائيل".
الذين ترتعد فرائصهم ويتحسسون رقابهم حين يسمعون أن جنديا صهيونيا مر قربهم..هؤلاء لا يعول عليهم.
لكن الأبطال يولدون من جديد، في لبنان حيث تتجلى البطولة في كل مبارزة مع عدو جبان يفقه لغة القتل فقط، وفي فلسطين حيث يقف الفلسطيني راسخا في أرضه كشجرة الزيتون المباركة، رغم الطعنات الكثيرة في الخاصرة ورغم هول الإبادات الجماعية التي ترتكبها عصابات فاشية عنصرية أسست لها دولة على أرض فلسطين. وفي مصر حيث يولد الأبطال من جديد. أبطال ابطلوا مفعول نظرية الجيش الذي لا يقهر، تلك الكذبة التي اراد النظام الرسمي العربي ومن وراءه الدول الداعمة للكيان أن نصدق تلك الكذبة السمجة التي انهارت بضربات المقاومين المؤمنين بأن هذه الأرض لنا من نهرها الى بحرها.
**
لم يكترث الجندي المصري بما تردده أنظمة صدئة عن قوة الجيش الصهيوني وبطشه. بهدوء الواثق عبأ 6 أمشاط لبندقيته وحشاها رصاصة تلو الأخرى، بعد أن صلى ركعتي الجهاد. جهّز بندقية "كلا شينكوف" قديمةِ الصنع تعود لعقود عدة. لم تنحرف بوصلته. فتح حدقة عينه على مصراعيها وداعب قلبه النابض بالعزة والكرامة. حاكى روحه وعقله ثم وجه بوصلته صوب القدس. تطابقت المقاييس والمسافات، فهتف لفلسطين التي تنزف وقد دنس الجند أقصاها وقيامتها، وجُزِرّ شبابها وسحق بيوتها. أراد الثأر لسليمان وخالد ولمن بُقِرَ في بحر البقر. ضغط على الزناد وأفرغ مشطا أو اثنين من الرصاص الحي الذي زغرد فقتل جنديين أولا. انتظر الدورية الصهيونية التي ستسحب جثتيهما، ولما وصلت امطرها بما تيسر له من رصاص في جعبته فقتل جنديا ثالثا وجرح الرابع..أستشهد وعينه شاخصة نحو القدس عروس العروبة وعنوان الصراع.
**
في 1985 وقّت سليمان خاطر روزنامته على يوم الخامس من أكتوبر، قبل يوم من ذكرى حرب أكتوبر 1973 وأفرغ ما في جعبته من رصاص صائب شاطبا بها قرابة عقد من الزمن من التطبيع البائس مع قتلة الاطفال والانبياء. وفي 3 يونيو 2023 وقّتَ الجندي المصري سبابته على زناد الكلاشينكوف ومضى في عمق فلسطين، وحين قابل رجلي عصابة ضغط على الزناد وارداهما بينما كانت عينه تحدق نحو القدس..كان يسهم في غسل عار الأمة الغارقة في فرجتها وتآمرها على الابادة التي تصحو عليها فلسطين كل صباح.
**  
ثمانية وثلاثون عاما مضت، كانت دولة الابارتهايد العنصرية تُشيّد جدار الفصل العنصري وتسقط جدارا آخرا لتفتح منه ثغرة التطبيع المُهين، إلا أن الفعل البطولي يوم الثالث من يونيو أسقط الحلم الصهيوني وعزز لشعب مصر العظيم ثقافة مقاومة التطبيع مع العدو لتسقط النظرية الأمنية عن الحدود الآمنة مع مصر كما سقطت ذات النظرية مع غزة والضفة ولبنان.
أيها الجندي المتوثب على الحدود، المتمسك بعزة وكرامة هذا الوطن الممتد من البحر الى النهر، لك المجد والخلود، ولدمك الطاهر المسفوك على أرض فلسطين قبلة من ملايين العرب المنكوبين بأنظمة مهترئة، لكنهم يقفون كالطود في وجه التطبيع مع عدو غادر لا بعرف إلا لغة القوة التي يتوجب التحضير لها.