DELMON POST LOGO

نهار آخر .. لك الله يا سعد

بقلم: رضي الموسوي

لن نسمع بعد اليوم جملة: "لك الله يا مواطن" التي كانت تخرج بألم من جوف قلب موجوع حتى النخاع لما وصلت إليه حال البلد.

لقد رحل الرفيق المناضل سعد سلطان وفي قلبه غصة، بعد أن أمضى وطرا يعاني من وعكته الصحية بسبب الجلطة التي أصيب بها والجرثومة المشؤومة التي التصقت بجسده المنهك..لم يتحمل كل هذا، وهو الذي حمل شعلة النضال منذ كان فتيا في فريق الزراريع وأبو صرة والنعيم والمنامة ومدينة حمد..عقود من الزمن وهو في نشاط دائم، في المظاهرات والمسيرات والإعتصامات العمالية والوطنية والقومية..كانت فلسطين تسكنه كما البحرين..أليس هو ابن بار لحركة القوميين العرب وامتداداتها؟

**

في آخر زيارة قمنا بها له في منزله بعد مغادرته المستشفى العسكري، كان يتحامل على آلامه وهو جالس في كرسيه المتحرك، يوزع ابتساماته المرحبة بضيوفه. لم ينس مزج الجد بالطرفة التي كان يتمتع بها، وكأن الوجع غادره، وكأن أصابع رجله التي تمكن السكري منها قد شفت، وهو يتحدث عن حوادث حصلت قبل عقود، وفي مواضيع شتّى بذاكرة متقدة حاضرة وكأنه يتحدث عن الأمس القريب.

**

قبل شهرين، كتبتُ في زاوية (نهار آخر) عمودا بعنوان "إنهض ياسعد"، جاء في بعض سطوره: "توزع ابتساماتك على أحبتك الذين يشتركون وإياك في كسرة خبزٍ مغمسةٍ بآمالٍ كبيرة..زوار يعشقون دربك-دربهم المضني، يدعون ذاك الفرس للنهوض من كبوة المتوثب لإطلاق صهيلٍ أصيلٍ يداعب شغاف قلوب الذين يترقبون "بودكاستا" يُشفي غليلهم ويخفف عليهم هذا الشقاء الذي طال ليله".

لكن سعد لم ينهض من تلك الكبوة، فقد تمكن المرض من جسده المتعب وتمكّن من بعض أطرافه. كان مؤمنا بالقضاء والقدر، ثابتا على مبادئه، واثقا أن غدا أجمل قادم لا محالة مهما طالت العتمة الحالكة.

كان يبعث الأمل في الأرجاء..ويصهل.

**

مجازر بني صهيون منذ أسبوع في غزة وفلسطين أوجعت قلب سعد ونالت منه وهو يرى إبادة جماعية لهذا الشعب الجبار، فلم يتحمل مشاهدة مئات الأطفال والنساء تتم إبادتهم على أيدي غزاة العصر وتتاره. غزاة يركلون سيدة مسنة على أبواب الأقصى، ويقطعون الأجساد الطرية بطائرات أمريكية وقنابل أمريكية لم يشهد التاريخ بشاعتها. لكنه همس بصوت متهدج قبل رحيله: النصر لـ"طوفان الأقصى" ولأولئك الذين يعانقون سماء الحرية بقرابين التحرير.

**

تشبّع سعد بالقضية الفلسطينية من شقيقه المرحوم الرفيق الفنان سالم سلطان، حيث شارك سعد والتحق بدورات نقابية في دمشق في سبعينات القرن الماضي، بتنظيم الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، وبترتيب مع اتحاد عمال البحرين عندما كان العمل النقابي سريا، وكان سعد بمعية المرحوم أحمد حارب وآخرين. كان شقيقه سالم من أثّر عليه ليلتحق بالعمل التنظيمي منذ ستينات القرن الماضي في حركة القوميين العرب وامتداداتها، حيث كان سالم واحدا من العناصر التي تحركت لترتيب الأوضاع التنظيمية الداخلية واضطر للسفر إلى دبي مع المناضل عبدالله مطيويع، الذي يشير هنا إلى أنه والمرحوم سالم سلطان كانا في دبي وساهما في ترتيب سفر سريع للراحل عبدالرحمن النعيمي من الإمارة قبل أن تصله أجهزة الأمن، وذلك إثر الاعتقالات التي حصلت في عُمان للحركة الثورية لتحرير الخليج العربي.

واصل المرحوم سعد نضاله النقابي في مختلف المنشآت التي التحق بها وأسهم بقسطه في إشاعة الوعي النقابي-العمالي في صفوف العمال، ولم يتوقف يوما عن دوره النقابي والوطني طيلة العقود الماضية كمناضل في صفوف الجبهة الشعبية في البحرين ومن ثم في جمعية وعد التي تأسست في سبتمبر 2001، وتم حلها في 2018.

**

عندما بلغني خبر وفاته صباح اليوم (14 أكتوبر 2023)، كتبتُ تغريدة جاء فيها: آه يا سعد..يالها من خسارة.. يا ابن البلد البار..لم تهدأ لحظة في الدفاع عن أبناء شعبك الذين تفرمهم الليبرالية المتوحشة، حتى وأنت تعاني من جلطة ومن جرثومة التصقت بجسدك المنهك..كأن هذا الجسد وطن مثخن بجراحاته.

رحمك الله وأسكنك فسيح جناته وألهم ذويك الصبر والسلوان".

والله إنا حزينون على فراقك ..

ولك الله يا سعد.