DELMON POST LOGO

د. رنا الصيرفي في مجلس بن رجب : الطفل قوي الشخصية ويشعر بقيمته ولديه علاقة قوية مع والديه سيكون أقل عرضة للإعتداء

بناء شخصية قوية لابنائنا من خلال تعزيز قيمتهم الإنسانية التي لا ترتبط بإنجاز ولا بذكاء وإنما بروحهم الإنسانية والخير الذي يحملونه

" مع ازدياد سرعة الحياة ومتطلباتها، ننسى أحيانا إظهار كم المحبة والاهتمام الكبير الذي نكنه لأطفالنا، فيقعوا فريسة البحث عن حب زائف من قبل معتدين. عبروا عن محبتكم لأطفالكم، إنهم بحاجة لها"

هذا ما بدأت به الدكتورة رنا الصيرفي ، استشارية العلاقات الاسرية وحماية الاطفال والمراهقين ، من الاعتداءات الجنسية محاضرتها التي كانت بعنوان " كيف نحمي أبناءنا من الاعتداء الجنسي؟ "بمجلس ربن رجب في بني جمرة مساء امس .

وقالت ، ان خبر اعتداء مدرس على أطفال في إحدى المدارس كان خبر بشع أثار المجتمع. هذا الخبر يمثل الحلقة الأخيرة في مسلسل له حلقات سابقة، فوصول المعتدي إلى مرحلة الاعتداء الجنسي على الأطفال سبقه سلسلة من الأحداث. هذا المسلسل لا يقتصر على هذا الحدث فقط وإنما جميع أحداث الاعتداء الجنسي. فكيف يختار المعتدي ضحاياه؟ وكيف يعتدي؟ وما الذي يجعلهم لا يتحدثون؟

كيف يختار المعتدي ضحاياه - )الأطفال الأكثر عرضة للإعتداء)؟

بشكل عام المعتدي يختار الطفل الذي لن يسبب له المشاكل، أو يجادله أو يعارضه والذي احتمالية أن يخبر أحد أقل. لذلك فهو يختار الطفل الضعيف الشخصية، أو الذي لا يوجد أب أو سند أو حامي في حياته، أو الذي لديه إعاقة، أو الذي يعيش في ظروف تفكك أسري أو عنف أسري، أو الذي ليس لديه علاقة جيدة مع والديه، أو الذي اطلع على أمور جنسية ولم يتم ارشاده.

ويستطيع المعتدي أن يتعرف على ذلك بطرق سهلة وسريعة، كل ما عليه هو مراقبته فقط. مراقبة الطريقة التي يمشي بها الطفل، طريقة كلامه، مشاعره، تفاعله مع باقي الطلبة، ... إلخ.

لذلك كلما كان الطفل قوي الشخصية ويشعر بقيمته، ولديه علاقة قوية مع والديه فهو سيكون أقل عرضة للإعتداء.

محبة الوالدين لأطفالهم وعلاقتهم القوية بهم وشعور الطفل بقيمته الإنسانية والقيم الإنسانية التي يراها متمثلة في الأسرة هم مصل الحماية لأطفالنا (مثلث الحماية).

كيف يعتدي المعتدي؟

المعتدي لا يستعجل النتائج، بل يأخذ وقته في تكوين علاقة وثقة مع الطفل، ولأن الطفل قد يكون ضعيف الشخصية أو يفتقد المحبة من والديه، فهو يغدق عليه بالاهتمام، ويعطيه كل ما يعرف أن الطفل بحاجة له. فإذا توثقت العلاقة مع الطفل، يبدأ في استدراجه.

وأكثر حالات الاعتداء تحدث من أشخاص قريبين، وليس من غرباء.

لماذا لا يخبر الطفل والديه؟

هناك أسباب عديدة لهذا السؤال. هناك أسباب متعلقة بالمعتدي، وأسباب متعلقة بالوالدين.

من ناحية يقوم المعتدي بجعل الطفل يعتقد أن ما حدث هو برغبة الطفل ذاته، وبالتالي هو المسؤول وهو المذنب، فيقول له مثلا: "أنت الذي وافقت على المجيء معي". كما أنه يستغل كل ما عرفه عن الطفل ضده. فقد يهدده بأن يؤذي أحد أفراد أسرته، أو إذا كان الطفل لديه مشاكل سابقة ولم يساعده والداه فيقول له: "لن يصدقوك، بل سيتهمونك أنت"، وغيرها من العبارات التي تجعل الطفل يتراجع ويشعر بقلة الحيلة.

في إحدى الحالات، كان أحد الأقرباء يعتدي على الطفل وأخبر أمه، ولكن الأم لم تصدقه، وقالت للطفل بأنه يتخيل.

من ناحية أخرى فإن الطفل يراقب والديه، ويختبرهما بأن يقول موقف وينتظر ردة الفعل، فيقول مثلا: "صديقي فتح قميصه فلان". فإذا كانت ردة الفعل قوية، فقد يتراجع ويختار الصمت. أما إذا كانت ردة الفعل هادئة فهو يعطي معلومات أكثر قليلا، وهكذا..

تقول إحدى الطفلات اللاتي واجهن اعتداء : "لم أستطع التحدث مع أمي، لأنها لا تتحمل هذا الكلام. أخاف عليها". فإذا كنا في نظر أطفالنا ضعفاء، فلن يلجؤوا لنا.

سبب آخر يمنع الطفل من الحديث، هو مدى ثقته بقدرتنا على التصرف الصحيح إما بسبب مواقف سابقة كان تصرفنا من وجهة نظره غير صحيح أو خوفا على المعتدي. فبعض الأطفال رغم ما حدث لهم من قبل المعتدي فهم لا يريدون أن يتعرض لأذى (لأن هناك علاقة نشأت بينهما).

ملاحظة مهم وضعها في الاعتبار أيضا وهي أن الطفل قد لا يخبرك بكل شيء مرة واحدة. بل قد يتدرج، ربما يتحدث عن جزء، وبعد فترة يكمل. لذلك، مهم أن تفتح له المجال للحديث والإكمال لاحقا. مثلا عند نهاية الحديث، قل له: "إذا تذكرت أي شيء آخر وتريد أن نتحدث عنه فأنا موجود"

كما أن هناك سبب مرتبط بديناميكية العلاقة بين الوالدين والطفل، فإذا كانت العلاقة منحصرة في (افعل ولا تفعل)، وليس هناك وقت للحديث حول الأمور الشخصية أو الخاصة، فهذا يصعّب الموضوع على الطفل. فعندما يفكر في طرح الموضوع لا يجد وقت مناسب لذلك، أو أن هذه المواضيع ليست ضمن المواضيع التي يتم مناقشتها مثلا. إن التأكد من تخصيص وقت للأحاديث الهادئة والشخصية بين الوالدين وأبنائهم يساهم في حمايتهم.

التقنية وتعرض الأطفال المبكر للمحتوى الجنسي

ممارسة الاعتداء الجنسي الكامل هو عادة ما يخطر في أذهاننا عندما نسمع بمصطلح الاعتداء الجنسي، ولكن هذا هو أحد أشكاله فقط، فهناك أشكال أخرى مثل:

- الكلام الذي به ايحاءات جنسية

- الصور والأفلام التي بها ايحاءات أو تصريح جنسي

- اللمس غير المريح حتى لو كان في مناطق نعتقدها عادية مثل الكتف أو الرقبة أو الذراع.

هذه كلها من أشكال الاعتداء الجنسي لأنها تعرض الطفل لمحتوى لا يناسب سنه وتطور جسمه البيولوجي. فجسمه غير مستعد لهذا، وهو لا يدرك الكثير من الأمور.

في زماننا الحاضر لا يمكننا فصل الاعتداء الجنسي عن التقنيات الحديثة، فهي قد ساهمت وبشكل كبير في تعرض الأطفال المبكر للأمور الجنسية.

حسب دراسات متعددة فإن 95% من الأطفال يستخدمون اليوتيوب في سن مبكرة، قد يستخدمونه لمشاهدة كارتون أو برامج معينة فقط أو بشكل مقنن، ولكن مجرد دخولهم على الانترنت يجعلهم في مرمى هذا العالم الافتراضي.

في دراسة قامت بها منظمة "We Protect" شملت دولا عدة وجدت أن:

- ربع المشاركين الذين تلقوا محتوى جنسيًا صريحًا من شخص بالغ يعرفونه أو شخص لا يعرفونه حدث لهم ذلك بين سن 9 و12 عامًا

- تعرض حوالي 50% من الأطفال إلى محتوى جنسي بوصولهم إلى المرحلة الإعدادية. وأن هذا التعرض جعلهم أكثر عرضة للاعتداءات الجنسية.

خلال السنوات الأربعة الماضية، أغلب الاستشارات التي قدمتها كانت لأمهات أطفالهن أصغر من 10 سنوات تعرضوا لمشاهد جنسية على الانترنت وبالخصوص اليوتيوب.

بعض الأطفال كانوا يبحثون عن شيء آخر وظهرت لهم مشاهد أثارت فضولهم، والبعض قال لهم أصدقاؤهم عن ذلك، وشاهدوه معا، وغيرها.

ردة فعلنا في هذه الحالة تأثيرها كبير جدًا. فإذا كانت ردة الفعل هي الصراخ والتأنيب فقط، فقد يختار الطفل المواصلة مع أصدقائه ودون علم أهله، لأن باب كبير للفضول انفتح. فعندما يشاهد الأطفال هذه المشاهد فهناك عشرات الأسئلة التي تثار في أذهانهم، وهم يحتاجون إلى إجابات لهذه الأسئلة أما قمعها فقط، سيجعلهم يبحثوا عن الإجابات بطرق مؤذية لهم.

تقول إحدى الفتيات، إنها شاهدت بعض المشاهد مع صديقتها في سن صغيرة، وعندما اكتشفت أمها ذلك نهرتها وصرخت عليها، ولكنها واصلت المشاهدة لكثرة الفضول الذي لديها، وعلاقتها مع والدتها كانت ضعيفة، فهذا جعلها تنخرط في أمور غير مناسبة لسنوات من حياتها.

لذلك من المهم أن نكون مستعدين لإثارة هذا الموضوع بطريقة فيها احترام لأجسامنا، بعيدة عن الحرج، وتجيب على أسئلتهم. طريقة تجعلهم يلجؤون لنا.

بعض الآباء يجدون حرجا في ذلك، لكنهم يختارون شخص متمكن، وقريب يثقون به، بحيث يتحدث مع أطفالهم، وذلك ممكن أيضا. المهم أن لا ندعم يندفعون في هذا المحيط الكبير للإنترنت بدون أدوات نجاة.

التعرض للإعتداء أو التعرض المبكر لمشاهد جنسية أو فيها ايحاءات جنسية يثير الأطفال في سن مبكرة ولا يكون جسمهم مستعد لها، وهذا له تبعات كبيرة عليهم، أحدها أنهم يقلدون ما شاهدوه مع أطفال آخرين. هذا لا يجعلهم معتدين، وإنما ضحايا.

واختتمت المحاضرة بعدد من النصائح او لتوصيات حيث قالت :

- نحن في عصر يتعرض فيه الأطفال للكثير، لذلك فنحن نحتاج أن نساعدهم على فهم أجسامهم واحترامها واحترام أجسام الآخرين أيضا، وأن نكون مصدر المعرفة في هذه الأمور، لإجابة التساؤلات التي لديهم عوضا عن أن يبحثوا عنها على الانترنت. هذا لن يكون إلا إذا كانت هناك علاقة قوية مع أطفالنا.

- أن نبني شخصيتهم القوية يعني أن نعزز قيمتهم الإنسانية، التي لا ترتبط بإنجاز ولا بذكاء وإنما بروحهم الإنسانية، والخير الذي يحملونه.

- كل طفل لديه إحساس قوي، فهو يشعر بشعور غير جيد عندما يلمس بطريقة ما، أو يكون برفقة شخص ما. هذا الإحساس علينا أن نقويه لدى الأطفال، ونعزز ثقتهم به، بحيث يتصرفون بذكاء. أما أسلوب التخويف فهو يجعلهم ضعيفين، ولا يستطيعون التصرف الصحيح في المواقف التي يتعرضون لها.