DELMON POST LOGO

العباءة السعودية تؤشر لحقبة جديدة من الموضة والتمكين والفخر الثقافي

بقلم : شيستا خان
ترتدي السعوديات اليوم تشكيلة من العباءات [العبايات] العصرية في مراكز التسوق والمقاهي والأماكن الحضرية في المملكة العربية السعودية. حسب الموسم، تكون هذه العباءات مصنوعة من الكتان أو القطيفة. هنالك عباءات بألوان أحادية داكنة وأخرى بألوان فاتحة، وتُترك مفتوحة لتكشف عن ثياب غير رسمية تحتها. بالنسبة للنساء اللواتي نشأن في السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية، كان هناك نمطان فقط من العباءات السوداء دائمًا: تلك التي تُشبك من الأمام، وتلبس فوق الكتفين، وتلك التي تنزلق من على الرأس.
العباءة هي عبارة عن قطعة ملابس تغطي الجسم بالكامل من الخارج ترتديها النساء في الأماكن العامة. وقد تطورت عن الإزار، وهو لباس لتغطية الجسم من القرن الثامن عشر يتم فيه خياطة قطعتين مستطيلتين من القماش معًا لإنشاء قطعة واحدة من الملابس. اعتمادًا على الزمان والمكان في العالم العربي أو الإسلامي، يُعرف هذا اللباس بأسماء مختلفة. على سبيل المثال، يطلق عليه الجلابية في شمال أفريقيا، أو الشادور في أفغانستان. وفي حين تعد العباءة من الملامح المشتركة في العالم الإسلامي، إلا أن لها في السعودية صدى يمتد عميقًا في التاريخ والدين والثقافة.
“في حقبة ما قبل النفط، كان الثوب التقليدي عبارة عن لباس مربع الشكل مصنوع من شعر الماعز أو وبر الإبل الخالص. في بعض الأحيان، كان يتم زركشته بخيط ذهبي يمتد على الدرازة الخارجية للأكمام. ويأتي اللون الأسود أو الأزرق البحري الداكن من الصبغة النيلية النفيسة”، حسب توضيح ريم المتولي، وهي مؤرخة ومؤسِّسة لمبادرة زيّ، وهي مؤسَّسة غير ربحية تعمل على حفظ وأرشفة الزي العربي التاريخي.
أشارت المتولي، في معرض حديثها عن المجتمع البدوي السائد آنذاك، إلى أن “الأشخاص الذين كان بمقدورهم الحصول على هذا النوع من اللباس هم الأثرياء، لذلك كان يرتديه فقط ذوو المراتب العليا في المجتمع”. وأضافت قائلة، “لذلك، أصبح اللباس يرمز للمكانة”. مع دخول التصنيع، أصبح الثوب يصنّع تجاريًا، وأصبح اللون الأسود هو التقليد المعروف. “كما أنه فقد قيمته كثوب الأثرياء”.
تم خلال سبعينيات القرن الماضي إدخال أقمشة مختلفة، حيث انتشرت عباءة الحرير الخفيفة الشفافة. وأوضحت المتولي أنها كانت تغطي أعلى الرأس وتُجمع عند الخصر بحملها بكلا الذراعين، لتكشف عن الجزء السفلي من الفستان تحته.
في عام 1979، استولى المتطرفون على المسجد الحرام في مكة المكرمة. بعد ذلك، تحولت الأسرة المالكة السعودية للتشدد في تطبيق الإسلام بهدف تأكيد مكانتها كوصي على الدين. وتم حظر أي شكل من أشكال الحداثة، بما في ذلك دور السينما والاختلاط بين الجنسين، ومنحت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية) سلطة هائلة لتطبيق هذه القوانين. كان من الضروري على النساء ارتداء العباءة في الأماكن العامة – بحيث تكون خالية من أي لون أو زركشة، كي لا تجذب انتباه الذكور.
تميز عقد الثمانينيات بإدخال العباءة الإسلامية، وهي عباءة مفصلة خصيصًا بفتحة مع خط العنق ليتم سحب الثوب فوق رأس المرأة، ما يشير إلى نمط متواضع ومغلق. كانت العباءة السعودية (التي تُصدَّر للخليج خلال موسم الحج) شكلاً آخر من العباءة التي تشبه المعطف، بأكمام رفيعة ووشاح للرأس مرتبط بها. خلال التسعينيات، تم إجراء بعض التجارب لإدخال أشرطة الدانتيل والتطريز وأحجار الراين. من عام 2000 إلى عام 2010، بدأ المصممون بتجربة قصات وأنماط مختلفة، حيث راجت الأكمام الواسعة والأجنحة.
مع مرور الوقت، أصبحت العباءة رمزًا للاضطهاد، وفي وسائل الإعلام الدولية الرئيسية انتشرت سردية مفادها أنه ليس للمرأة السعودية صوت أو هيئة تتحدث باسمها. في عام 2016، جردت السعودية الشرطة الدينية من صلاحياتها، بما في ذلك فرض العباءة بشكل صارم.
أشارت مريم موصلي، مؤلفة كتاب “ما تحت العباءة” وهو كتاب مصور يمجد نمط الشارع السعودي، إلى أنه حتى مع كون خيارات الموضة الآن غير محدودة، فإن النساء السعوديات ما يزلن بشكل عام يواصلن اختيار العباءة. قالت، “لم تكن العباءة أبدًا ناجمة عن الاضطهاد الذكوري، وإنما هي امتداد للهوية الثقافية الخاصة بنا”.
وأضافت حفصة لودي، مؤلفة كتاب “الاحتشام: أحد تناقضات الموضة”، أن الإعلام الغربي لم يتطرق إلى الفرق الكبير بين العباءة الحديثة والمعاصرة وبين الثوب الأسود الشامل الذي كان موجودًا في السابق. وتقول لودي، “لقد أصبحت العباءة الآن لباسًا مواكبًا للموضة، وليس لباسًا دينيًا. وعلى الرغم من أنه لم يعد مفروضًا، إلا أن نساء المملكة لم يتركن العباءة على الإطلاق”، وأضافت قائلة، “لم يكن هناك أي نوع من التحرر أو السفور. وبدلاً من ذلك، قامت النساء مؤخرًا بإعادة تفصيلها لتتناسب مع احتياجاتهن العصرية”.
مع مشروع رؤية السعودية 2030، والذي يسعى لإدخال المزيد من النساء لسوق العمل، تطورت العباءة لتتلاءم مع الأدوار الاجتماعية التي تقوم بها المرأة حاليًا. قامت أروى العماري، مصممة الأزياء صاحبة العلامة التجارية أرام ديزاينز (Aram Designs) والحائزة على جوائز، بمشاركة مثال والدتها الطبيبة. قالت، “في الماضي، كانت وظائف النساء محصورة في المستشفيات أو المدارس. عندما كانت أمي تصل المستشفى، كانت تخلع عباءتها وترتدي معطف المختبر الأبيض لأداء عملها”. وتابعت، “لكن في السنوات القليلة الماضية، شغلت النساء أدوارًا مختلفة وفي صناعات مختلفة؛ والعباءة تتطور مع كل هذه التغييرات السياسية والاجتماعية-الاقتصادية والثقافية الجارية في السعودية”.
وأشارت المؤرخة ريم المتولي كذلك إلى أنه مع زيادة القوة الشرائية، يميل الجيل الحالي إلى التسوق بناءً على القيمة، ما يعني أنهم يتسوقون لشراء العلامات التجارية والملابس التي تتماشى مع معتقداتهم الشخصية. ولتلبية هذا الطلب الجديد، يعمل المصممون المحليون الآن للجمع بين التواضع والراحة والاستدامة والأناقة والتراث في تصاميمهم.
فعلى سبيل المثال، تعمل تصاميم العماري على تضمين التراث السعودي. يتميز بشت السهرة السعودي الشهير بياقة صدر مزخرفة باللون الذهبي ومعاطف مطرزة بطبعات السدو – وهو نمط من المطرزات الهندسية التي يستخدمها البدو. تقوم إيمان جوهرجي بتصميم عباءات “رياضية” محتشمة تسمح بالقيام بالأنشطة في الهواء الطلق. عباءاتها الرياضية مصنوعة من القطن وتشبه البدلة في هيأتها الخارجية، مع سحاب يمتد إلى الأسفل من الجهة الأمامية وسروال واسع يسمح بالركض أو ركوب الدراجات أو القيادة، حتى في فصول الصيف السعودية القاسية. تقول جوهرجي إن “المصورة تحتاج للمرونة للتحرك؛ والمهندسة المعمارية تقوم بزيارات ميدانية – ترغب النساء في التصميمات العصرية العملية والمريحة، ولكنهن يردن أيضًا التمسك بثقافتنا وتقاليدنا”. وعلى الرغم من أنها بدأت كعرض متخصص، إلا أن عباءات جوهرجي الرياضية المحتشمة تتمتع الآن بقبولٍ وتقديرٍ على نطاق واسع.
تتميز مجموعة توبي فيم ((Toby Femme Collection للمصمم حاتم العقيل بعباءات الباستيل المنسقة ذات الطيات العريضة على الصدر والمزركشة بالطواويس، والتي ترمز إلى التعبيرات الإبداعية في الموضة. تشتهر عباءة لومار بهيأتها القوية والمناسبة للجنسين. ويعد تصميم الأزياء الراقية، كالعباءات المزركشة باللون الأزرق السماوي واللازوردي من عباءات سماح، بعيدًا كل البعد عن أيام العباءة التقليدية.
أضافت المؤلفة لودي أن النساء السعوديات لا يبحثن فقط عن العلامات التجارية المنتجة محليًا لتلبية احتياجاتهن من العباءات، ولكنهن يبحثن أيضًا عن العلامات التجارية العالمية. حيث قالت إن “الطفرة العالمية للموضة المحتشمة التي حدثت خلال العقد الماضي أثرت حقًا في هذا القطاع”. ويقدر تقرير “حالة الاقتصاد الإسلامي العالمي 2022” الصادر عن مؤسسة دينار ستاندرد أن الإنفاق الاستهلاكي الإسلامي سوف يصل إلى 402 مليار دولار بحلول عام 2024. وقالت لودي، “وهذا يلهم العلامات التجارية العالمية مثل أسوس (ASOS) وشين (Shein) للأزياء السريعة لابتكار بدائل للعباءات للنساء المسلمات”.
ومع ذلك، فإن العباءة السعودية المعاصرة وبدائلها تمثل الآن الموضة الراقية والأناقة الفردية. ونظرًا لوجود خيار ارتداء العباءة أو لا، تواصل النساء – السعوديات والوافدات – ارتداءها لأنها مؤشر على الهوية الثقافية والانتماء، شأنها شأن الساري الهندي أو الكانجا الأفريقية.
---------------------------------------
شيستا خان هي صحفية ثقافية مستقلة تكتب عن السعودية ومنطقة الخليج. نشرت أعمالها في بي بي سي ترافيل والجزيرة ويو إس إيه توداي وغيرها.