DELMON POST LOGO

اليوم العالمي لمكافحة الفساد 9 ديسمبر 2022

بقلم : سيد شرف الموسوي
1) خلفية عن اليوم العالمي لمكافحة الفساد
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 9 ديسمبر من كل عام يوماً دولياً لمكافحة الفساد. بعد أن اعتمدت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في شهر أكتوبر 2003 بموجب قرارها رقم 48/4 وتعتبر هذه الاتفاقية هي الصك الدولي الوحيد المعني بمكافحة الفساد والملزم قانوناً للدول التي صادقت عليها وقد دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2005م. وقد صادق على الاتفاقية 187  دولة حول العالم. قرر أول مؤتمر للدول الطراف أن يكون مكتب UNODC المعني بالمخدرات والجريمة، سكرتارية لهذه الاتفاقية ومتابعة الدول حول استكمال تقاريرهم الدورية الخاصة بتنفيذ بنود الاتفاقية. وتلتزم الدول بتقديم تقرير طوعي حول تنفيذ بنود الاتفاقية من الفصول التي يتم اعتمادها للمراجعة، ويتم مناقشة تقارير الدول اثناء أو قبل انعقاد مؤتمر الدول الاطراف الذي يعقد كل سنتين. آخر مؤتمر عقد في ديسمبر 2021 كان في مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، والمؤتمر الذي قبله في العام 2019 عقد في مدينة أبوظبي دولة الأمارات العربية المتحدة، والمؤتمر القادم سيعقد في شهر ديسمبر من العام 2023 في العاصمة الأمريكية واشنطن DC.
كما قلت تعتبر الاتفاقية إلزامية للدول التي صادقت عليها وتغطي الاتفاقية خمس فصول رئيسية هي: التدابير الوقائية، والتجريم وإنفاذ القانون، والتعاون الدولي، واسترداد الموجودات، والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات. وتغطي الاتفاقية العديد من أشكال الفساد المختلفة، مثل الرشوة، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال الوظائف، ومختلف أفعال الفساد في القطاع الخاص. ومن أبرز ما يميز الاتفاقية إدراج فصل خاص بشأن استرداد الموجودات، بهدف إعادة الموجدات إلى أصحابها الشرعيين، بما في ذلك البلدان التي سرقت منها بطريقة غير مشروعة.
2) تعريف الفساد وتكلفته وأنواعه.
وتعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه "سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية".
وذكرت الأمم المتحدة أن قيمة المبالغ المسروقة عن طريق الفساد والتهرب الضريبي تزيد عن 2.5 تريليون دولار سنويا، وأن هذا المبلغ يساوي أكثر من 5% من الناتج المحلي العالمي.
تنوعت أنواع الفساد منها: الفساد السياسي على أنه إساءة استخدام للسلطة لتحقيق أهداف غير مشروعة بطرق شبه قانونية. ويتم ذلك من خلال التلاعب بالقانون واستخدام الفساد لتحقيق مكاسب شخصية أوغياب النزاهة السياسية خاصة خلال فترة الانتخابات. الفساد المالي وهو تحقيق مكاسب مالية من خلال استخدام السلطات المتاحة تحت يد المسئولين أو الأحزاب السياسية كما هو في بعص الدول. أو الفساد الاجتماعي الذي يتم من خلاله توسيع النفوذ وبالتالي تحقيق مصالح سياسية أو مالية. ويأتي الفساد الإداري الذي يعشعش في إدارة المؤسسات وبعض الجهات الحكومية على المستوى العربي وخاصة في المجال الوظيفي سواء التوظيف لأول مرة أو الترقيات وما يتعلق بها. منظمة الشفافية الدولية أعدت دراسة توثيقية في العام 2019 أثبتت من خلالها إن شخص واحد من بين خمسة أشخاص يدفع رشوة لقاء حصوله على الخدمات العامة. وأن أكثر من ثلث المواطنين يستعينون بالعلاقات الشخصية (الواسطة) لأنجاز معاملاتهم، وتسجل أعلى مستويات الواسطة في المرافق والمحاكم. بالإضافة إلى انتشار الرشوة الجنسية، ومن المؤسف هو استغلال الحاجات الأنسانية في هذا المجال، نشرت الأمم المتحدة على موقعها الليكتروني أنها قامت بالتحقيق في 37 ادعاء بالاستغلال والاعتداء الجنسيين يتعلق بعناصر من الأمم المتحدة الأمم المتحدة، قامت بأجراء هذه التحقيقات مع بعض العاملين لديها بسبب الاستغلال الجنسي. في عمليات الأمم المتحدة في المناطق التي تقع تحت طائلة المساعدات التي تقدمها. كذلك الاستغلال الجنسي في مجال العاملين في الجامعات في بعض الدول الأفريقية مقابل الحصول على قبول في الجامعات او تحقيق نسبة النجاح او ما يشابه ذلك. هذه الأمور يجب أن تتوقف ولن يتم ذلك إلا بتكاتف بين الحكومات والفاعلين والنشطاء و وضع سياسات وطنية لوقف مثل هذه الممارسات.
3) الآثار السلبية للفساد.
تعتبر ظاهرة الفساد أزمة مالية عميقة وتتسبب في مشاكل اقتصادية وهيكلية واجتماعية للدول وعلى الأخص الدول النامية التي يزداد فيها الفساد بسبب البيئة السياسية المشجعة للفساد بغيات الديمقراطية والمحاسبة والشفافية مما يزيد على هذه الدول عبئ التنمية وبالتالي تخلفها تمام عن الركب الحضاري لذلك نجد إن الدول النامية دائما ما تتبوأ المراكز الأخيرة على سلم مدركات الفساد الذي تعده منظمة الشفافية الدولية كما يتسبب الفساد في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في الدول التي ينخر فيها الفساد لحين أن يأتي قائد سياسي يؤمن بمكافحة الفساد كما حدث مثلا في سنغافورة، أو البرازيل أوأثيوبيا حيث تمكن القائد السياسي من انتشال هذه الدول من براثن الفساد والانطلاق بها لبرامج التنمية. ومن أهم أسباب انتشار الفساد الأستبداد والجشع وانعدام الضمير وأنهيار الأخلاق، وغياب المسائلة والعقاب.
أحد الأعداء الرئيسيين للديمقراطية هو الديكتاتورية والفساد وهذا لا ينتشر إلا في الدول التي تفتقد إلى الديمقراطية، الفساد وهو منظومة هلامية صعب تفكيكها والقضاء عليها يتولى الفساد محاصرة الديمقراطية في أي دولة لحين التمكن منها، فترى الفاسدين يتمكنون من ايصال أعضاء للبرلمان بأجندة فساد، وما حدث في احدى الدول العربية التي كشفت فيها حالة فساد اعتبرت فساد القرن بمبالغ تزيد عن 3 مليار دولار أمريكي إلا أحد الشواهد التي تبين كيف لهؤلاء الفاسدين من الوصول الى مواقع المسئولية واتخاذ القرار والسيطرة على مقدرات الدول.
4) أهم الفاعلين في مكافحة الفساد.
يعتبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) المكتبين الأممين المعنيان بتقديم المشورة والدعم والتدريب للدول التي تعمل جاهدة في مكافحة الفساد. بالإضافة الى منظمة الشفافية الدولية وهي منظمة مستقلة تضم بين صفوفها أكثر من 100 فرع لمنظمات مجتمع مدني حول العالم منها هذه الفروع الجمعية البحرينية للشفافية و6 فروع في 6 دول عربية أخرى. كما إن هناك الشبكة العربية للنزاهة ومكافحة الفساد وهي أحد أدرع المكتب الأنمائي ( UNDP ) في الدول العربية لدعم جهود الدول والمنظمات غير الحكومية في جهودها لمكافحة الفساد حيث تتشكل هذه الشبكة من أغلب الدول العربية وفيها المجموعتة الحكومية والكثير من منظمات المجتمع المدني في مجموعتها غير الحكومية وتعمل الشبكة في دعم الدول في تأسيس الهيئات المستقلة لمكافحة الفساد حسب متطلبات الاتفاقية وكذلك المساهمة في كتابة استراتيجيات الدول لمكافحة الفساد كما تقدم الدعم الفني والتدريب للعناصر الحكومية ولمؤسسات المجتمع المدني العربية.
ويعتبر دور الصحافة الاستقصائية في كشف حالات الفساد دوراً مهما، وعلى سبيل المثال أوراق بنما وأوراق بانادورا التي كشف عنها الاتحاد العالمي للصحفيين الاستقصائيين بالتعاون مع مجموعة من الصحف العالمية في المانيا، أمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول. كشفت هذه الوثائق عن دور الفاسدين سواء أشخاص أو شركات وكيفية استغلال هذه الشركات في تهريب الأموال وعلى الأخص شركات الأوف شور. حيث اتضح حجم الفاسدين السياسيين وبعض القيادات حول العالم في حالات فساد تسببت في تدمير مقدرات الدول او التخلف عن استكمال برامج التنمية لديها. وظهر في الآونة الأخيرة في بعض الدول الدور الكبير الذي يلعبة الأوغارشيين من خلال التعاون مع بعض القيادات السياسيية في تهريب الأموال المنهوبة.
5) كيف تتمكن الدول من الحد من الفساد ومكافحته؟
ولمواجهة الفساد في أي دولة لا بد من توافر عناصر أساسية أهما توفر الإرادة السياسية كما ذكرت سابقاً وكذلك توفر البيئة القانونية واستكمال القوانين المتعلقة بالمسائلة والشفافية والنزاهة والحوكمة الرشيدة سواء في المؤسسات العامة ـو الوزارات والجهات الحكومية أو ضبط وتوفر المعايير المناسبة للقطاع الخاص وأهمها الشركات المملوكة للدولة والشركات المطروحة في البورصات. ومن أهم ما يجب الالتزام به هي اتفاقية الأمم المتحدة وعلى سبيل المثال:
1. انشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد.
2. وجود استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد.
3. قانون لحماية الشهود والمبلغين.
4. اصدار قانون حق الوصول إلى المعلومات.
5. دعم منظمات المجتمع المدني وفسح المجال لها للعمل لدعم الجهود الحكومية في نشر ثقافة النزاهة والشفافية والمسائلة بدلا من التضييق عليها بشكل مستمر ومتواصل.
6. العمل على نشر ثقافة النزاهة من خلال اعتماد برنامج اكاديمي ضمن برامج الجامعة والجامعات الخاصة كمقرر اختياري، بالإضافة الى تمكين المجتمع المدني للقيام بدوره التثقيفي، والدورات والبرامج التثقيفية في هذا الشأن بشكل عام.
7. توفير الدعم إلى وسائط الإعلام وعلى الأخص الصحافة الاستقصائية.
6) التعاون الدولي لمكافحة الفساد.
التعاون الدولي لمكافحة الفساد تهدف الحملة إلى تبادل الممارسات الجيدة والأمثلة في مجال منع مكافحة الفساد، من خلال تعزيز التعاون الدولي. وأهم بند في هذا المجال الذي يتطلب هذا التعاون هو استرداد الأصول المسروقة وإعادتها للدول التي سرقت منه، وهذا بصرحة ما تعانية الدول النامية في هذا المجال، حيث يقوم الفاسدين من الدول النامية بتحويل الأموال المسروقة الى بنوك الدول الغنية أو لشراء عقارات أوشركات فيها لذلك لابد من تعاون بين الدول لاسترداد هذه الأصول، والعمل على تطوير حلول مبتكرة للقضاء على الفساد بشكل نهائي. وهذا يتطلب دعم المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص للقييام بأدوارهم.
-----------------------------------------------------
الرئيس السابق للجمعية البحرينية للشفافية.