DELMON POST LOGO

“حماس” في حلبة الصراع العربي الإسرائيلي

بقلم : عبدالنبي الشعلة

إنها حماس؛ أو “حركة المقاومة الإسلامية”، لنطلق عليها ما نشاء، ونصمها بما نشاء، أو نضعها ضمن براويز الجماعات والمنظمات الإرهابية المتطرفة، إلا أننا، حتى الآن، وعند هذا المنعطف وبعد مرور أكثر من 80 يومًا منذ أحداث طوفان الأقصى لا نستطيع أن ننكر ما حققته هذه الحركة المنشقة من مستجدات واختراقات وإنجازات قد يصبح بالإمكان استثمارها لصالح القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي برمته، مع تقديرنا لمقولة شكسبير المعروفة: “إن العبرة في النهاية”، ونحن، حتى الآن أيضًا، لم نصل إلى خط النهاية في المواجهة المسلحة بين حماس وإسرائيل.

في يوم طوفان الأقصى كانت خسائر إسرائيل المادية والمعنوية والإستراتيجية فادحة ومؤلمة ومروعة، لم تشهد مثيلًا لها من قبل، وهي معروفة للجميع وأدت إلى زعزعة أركانها الأمنية، وإلى سقوط أسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر وأسطورة القدرات الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية التي لا شبيه لها على وجه المعمورة؛ فقد انهارت هاتان الأسطورتان وتحطمت هيبة هاتين المؤسستين أمام الإسرائيليين وغيرهم منذ الساعات الأولى من ذلك اليوم، كما أن عملية الطوفان كشفت عن الحجم الحقيقي لإسرائيل التي سارعت بطلب العون والمساعدة من الخارج لمواجهة مئات فقط من المسلحين المتسللين إلى حدودها من قطاع غزة، هذه الاختراقات والإنجازات تحققت بكلفة عالية جدًّا بلغت، حتى الآن أيضًا، أكثر من 20 ألف قتيل، غالبيتهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين، وتدمير أكثر من 80 % من المباني والممتلكات ومرافق البنية التحتية في غزة.

إن حماس منذ تأسيسها وولادتها من رحم الإخوان المسلمين في العام 1978 وانشقاقها عن الصف الوطني الفلسطيني كانت واضحة وصريحة في أهدافها ومراميها؛ وهي تدمير إسرائيل وإقامة دولة إسلامية على أنقاضها، وفي انسجام تام مع أهداف “الإخوان” والمنظمات الإسلامية السياسية الأخرى بشقّيها السني والشيعي، فإن عملية الأسلمة لا ولن تنحصر في إسرائيل بعد تدميرها ولا تقف عند أي حدود.

وقد اصطفت حماس إلى جانب الحركات والأطراف المتطرفة الأخرى في المنطقة، ووسعت دائرة خلافاتها وعداواتها لتشمل الدول العربية المجاورة والمساندة والداعمة بسخاء للقضية الفلسطينية؛ ما أدى إلى فقدان الحركة لتأييد محيطها العربي، وإلى تراجع معظم هذه الدول عن دعم القضية الفلسطينية ماديًّا.

وبدخول حماس إلى حلبة الصراع العربي الإسرائيلي ببزّتها المتأسلمة أصبح حل القضية الفلسطينية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني أكثر صعوبة وتعقيدًا، بعد أن أسبغت هذه الحركة الصبغة الدينية على الصراع مع إسرائيل، وحولته من صراع سياسي حقوقي إلى صراع ديني بين المسلمين واليهود، وبعد ما أحدثته من تمزق وانشقاق في الصف الفلسطيني الذي قاد بدوره إلى مواجهات مسلحة بينها وبين السلطة الفلسطينية؛ كان أبرزها ما حدث في العام 2007 عندما فرضت حركة حماس بالقوة المسلحة سلطتها المطلقة وانقضت بوحشية على كراسي الحكم في غزة وطردت ممثلي السلطة الفلسطينية ونكلت بهم وقتلت في خمسة أيام المئات من أنصار وقادة حركة فتح، وعلى سبيل المثال فقد قامت كتائب عز الدين القسام بإعدام سميح المدهون قائد كتائب شهداء الأقصى في غزة التابعة لحركة فتح والتي تخلت عن العمل المسلح، وطافوا بجثته في الشوارع بين مخيمات اللاجئين.

لقد كان الملايين من الفلسطينيين والعرب والإسرائيليين والملايين الأخرى من باقي شعوب العالم المحبة للعدالة والسلام يراقبون بقلق ويرفضون بشدة الدور الذي تلعبه حركة حماس منذ تأسيسها، ويحملونها مسؤولية إجهاض جهود حل القضية الفلسطينية سلميًّا، ومسؤولية انقسام وشق الصف الفلسطيني، ويرفضون مناوأتها ومحاربتها للسلطة الفلسطينية الشرعية المعترف بها دوليا ما أدى إلى إضعاف موقف الرئيس محمود عباس في مواجهة الحكومات الإسرائيلية، وبالنتيجة إلى تمكن هذه الحكومات من التنصل من الالتزامات التي وافقت عليها وتعهدت بتنفيذها بموجب اتفاقات أوسلو.

أما اليوم فإن صورة حماس وسمعتها ومكانتها في وجدان غالبية الشعوب العربية والإسلامية وغيرها من الشعوب المحبة للعدالة والسلام قد اتسعت وارتفعت؛ وذلك بفضل السياسات المتعنتة للحكومات الاسرائيلية وإمعانها في استباحة كرامة الشعب الفلسطيني وانتهاكها لأبسط حقوقهم وخرقها للمواثيق والقوانين الدولية وإغلاقها لأبواب الأمل في وجوه الفلسطينيين وسعيها إلى دفعهم إلى هاوية اليأس والإحباط، وعدم توفيرها لأي خيار آخر لهم سوى اللجوء إلى السلاح والعنف؛ وعليه فإن إسرائيل هي التي تتحمل وزر ومسؤولية ما حصل في يوم طوفان الأقصى وما تبعه من تداعيات.

إن شعوب العالم المحبة للعدالة والسلام تشجب بكل قوة ما تقوم به إسرائيل منذ يوم الطوفان من عمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في حق الشعب الفلسطيني وعلى الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، ورغم قسوة الإجحاف الإسرائيلي وضراوة ووحشية العمليات العسكرية الإرهابية التي تقوم بها إسرائيل بذريعة القضاء على حماس، فإنها لن تنجح في تحقيق هذا الهدف؛ وقد تتمكن من العثور على قادة حماس والقضاء عليهم، لكنها وبفضل سياساتها الحمقاء، كما ذكرنا، فإن حماس أصبحت الآن أكثر قوة وأوسع نفوذًا من ذي قبل بين صفوف الفلسطينيين، حماس بفضل سياسات إسرائيل أصبحت فكرة إلى جانب كونها حركة، والأفكار يصعب التغلب أو القضاء عليها بالعنف وقوة السلاح، وأصبح بإمكان حماس الآن استقطاب وتجنيد المزيد، بل مئات الآلاف، من المقاتلين إلى صفوفها من بين أسر الشهداء الذي قتلوا أمام أعينهم على أيدي الإسرائيليين، وهي ذات الأيدي الملطخة بدماء أكثر من أربعة آلاف طفل فلسطيني، وهي جريمة أخرى وخطأ فادح آخر ارتكبته إسرائيل في مواجهتها العسكرية مع حماس؛ لأن هؤلاء الأطفال سيخلفون وراءهم بعد سنوات قليلة مئات الآلاف أيضاً بل الملايين من الأطفال الفلسطينيين الذين سيبدأون برشق جنودها بالحجارة ثم بقصف مدنها ومستوطناتها بالصواريخ والمسيرات.

إننا نشجب ما تقوم به إسرائيل في حق أشقائنا الفلسطينيين، وإننا في الوقت نفسه مقتنعون ومتمسكون وملتزمون بالمبادئ التي ترفض وتشجب استعمال العنف والإرهاب كوسائل لتحقيق الأهداف أو حل الخلافات بين الدول والشعوب، مهما كانت رجاحة وعدالة المبررات؛ وعلى الرغم مما نعانيه ونكابده من مرارة الآلام وما يتملكنا من أحاسيس الحزن والغضب والانفعال لما يتعرض له أشقاؤنا الفلسطينيون في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد القوات الإسرائيلية المحتلة، إلا أن ذلك لا يدعونا إلى اليأس بل يجعلنا نقف بصلابة وإصرار إلى جانب الملايين من الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب وغيرهم من الشعوب المحبة للعدالة والسلام ونشاركهم القناعة بأن حل القضية الفلسطينية وحصول الفلسطينيين على ما تبقى من حقوقهم المشروعة لا يمكن أن يتحقق بالمواجهات المسلحة غير المتكافئة والعمليات الانتحارية، إن ما يحدث اليوم من تدمير شامل في غزة وما يتعرض له أشقاؤنا الفلسطينيون من مجازر يؤكد أن حماس لن تتمكن من بلوغ أهدافها ومراميها بتمسّكها بالأساليب العنفية المسلحة غير المتكافئة، وأن تلك الأهداف والحقوق لا يمكن تحقيقها إلا بالحوار وبالوسائل السلمية وبعد أن يقرر الفلسطينيون رصّ وتوحيد صفوفهم، وينطبق المبدأ ذاته على إسرائيل بشكل أقوى.