DELMON POST LOGO

أفراح العفو الملكي.. ولا عودة إلى الوراء

بقلم : عبد النبي الشعلة

عيد الفطر السعيد هذا العام كان أكثر الأعياد بهجة وسعادة وحبورًا من أي وقت مضى بالنسبة إلى شعب البحرين ومحبيها بعد أن تزامن مع احتفالاتنا بمرور ربع قرن على تولي جلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم وإطلاقه وقيادته لمسيرة وطنية حافلة وزاحفة نحو تحقيق الإصلاح والتنمية الشاملة والتطوير.

ثم إن هذا الشعور بالفرحة والسعادة والسرور تضاعف وتغلغل في قلوب وبيوت كل البحرينيين بعد أن كلل جلالة الملك المعظم هذه المناسبة بإصدار مرسوم ملكي بالعفو عن عدد كبير من المحكومين في قضايا أمنية وجنائية، في عملية عفو جماعي وصفت بأنها الأكبر من نوعها؛ وهي في الوقت نفسه لفتة أبوية حانية وخطوة استراتيجية حاذقة جاءت كبادرة ثقة وحسن نية وجس نبض، ومن دون أي وساطات أو ضغوط أو تسويات، وفي الوقت المناسب بعد أن تمكنت الدولة من ترسيخ ركائز الأمن والاستقرار وتخطي تبعات الأحداث المؤسفة المؤلمة التي مرت بنا أثناء هبوب عواصف ما سمي بالربيع العربي في العام 2011 الذي أدركنا فيه وتعلمنا منه الكثير من الدروس والعبر.

إن جلالة الملك المعظم بهذه اللفتة الكريمة والخطوة المعبرة قد ضم إلى صدره وبين ذراعيه مرة أخرى أطياف الأسرة البحرينية كافة، وبكل مكوناتها، بما يضع كل أطراف الحراك المجتمعي والسياسي في البلاد أمام مسؤولياتها الوطنية، ويدعوها إلى  الوقوف وقفة إكبار وتقدير حيال هذا الموقف الإنساني النبيل وهذا التطور الوطني المهم؛ ومطالبتها بالتجاوب الإيجابي المدعوم بالثقة والتفاؤل والاعتدال والإحساس بالمسؤولية والمبني على دروس وعبر وتجارب مما مضى؛ حتى يصبح بالإمكان استثمار هذه المبادرة وجعلها فاتحة للمزيد من المبادرات الوطنية الخيرة.

وعلينا جميعًا أن نرتقي إلى مستوى الحدث، وأن نساهم بكل طاقاتنا وإمكانياتنا لجعل هذا التطور منطلَقا إلى تحقيق المزيد من الاستقرار والوئام والتلاحم لتعزيز وحدتنا الوطنية ومسيرتنا التنموية. إن هذه الخطوة الموفقة تحمل بين طياتها وفي ثناياها العديد من الرسائل، وتبرز بدون أدنى شك كمؤشر واضح على بدء مرحلة جديدة في مسيرة العمل الوطني تتسم بالمزيد من الانفتاح والاستقرار والثبات والتطور والنماء، وتنسجم كل الانسجام مع الواقع ومستجداته، وتُوفر الفرصة للمشككين من أطراف الحراك السياسي في البلاد لتغيير مواقفهم ومفردات خطابهم، وليعيدوا تموضعهم ليرتكز على أسس من المنطق والاعتدال المقرون بالواقع ومعطياته التي تحددها المتغيرات والظروف الموضوعية الداخلية منها والإقليمية والدولية؛ بجوانبها الجيوسياسية والاقتصادية، وعلى هذه الأطراف أن لا تسيء التقدير مرة أخرى، وتُخطئ في قراءة الرسائل التي تضمنها مرسوم العفو الملكي، أو تسيء فهمها فتحاول المساومة عليها أو إجهاضها أو دفعنا من جديد إلى حالة التوتر والاستقطاب.

وعلينا أن نتحلى بالشجاعة ونتصدى لأية محاولة تهدف إلى اختطاف فرحة الشعب البحريني بهذه الخطوة الملكية المباركة، أو التشكيك فيها، أو التقليل من شأنها، أو أي محاولة لإعادتنا إلى نقطة الصفر وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو الزج  بنا إلى أتون التأزيم والتشنج والتقسيم، وأن نُصر على كل من لديه رأي آخر أن يعبر عنه بالأساليب السلمية والقانونية ومن خلال القنوات والمنابر الدستورية، وأن يتخلى عن منهج العنف والقوة والإرهاب في القول والعمل. وأن يكون خطابه منسجمًا مع إيقاع هذا العصر والظرف.

ولا شك أن هناك من لم تسرهم هذه المبادرة، وهذا أمر مؤسف لكنه طبيعي يجب أن نعيه ولا نخشاه، وأن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يهديهم سواء السبيل، ومع ذلك علينا أن نكون يقظين وحذرين من العناصر التي تنتعش في أجواء الخلاف والانشقاق بين أفراد الأسرة الواحدة، وتفقد وجودها عندما يتفق الناس ويتوحدون، وتتنفس من رياح وروائح الفتن والمزايدات والكراهية والأحقاد، وتقتات من وراء تسويق الشعارات الرنانة والوعود البراقة والأفكار الأيديولوجية البالية، أو تلك التي تسعى إلى تقسيمنا وتفريقنا في اصطفاف طائفي وراء رايات ثيوقراطية موزعة بين الآيات والملالي والإخوان.

لقد شجبنا من قبل وسنظل نشجب أية محاولة للاستعانة بقوى أو دول أو منظمات أجنبية خارجية وزجها في شؤوننا الداخلية، كما حدث من قبل، وعليه؛ فإن على الجميع الالتزام بالأجندة الوطنية الخالصة والتمسك بالنظام المدني في الإدارة والحكم، والالتفاف حول قيادتنا الرشيدة والإصرار على احترام الجميع للنظام السياسي الملكي وللقوانين والأنظمة والمؤسسات الدستورية كما ينص عليها الدستور وميثاق العمل الوطني.

ندعو الله العلي القدير أن يحفظ البحرين وشعبها، وأن يوفق مليكنا المعظم وولي عهده الأمين رئيس الوزراء إلى ما فيه الخير والصلاح، وأن يعينهما على تحقيق وترسيخ قواعد الأمن والاستقرار والتقدم والرخاء لوطننا الغالي العزيز، إنه سميع مجيب.