DELMON POST LOGO

في المنطقة الشرقية تمتد جسور القربى ويلتقي الماضي بالمستقبل

بقلم : عبد النبي الشعلة

في زيارتي قبل بضعة أيام إلى المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية الشقيقة استضافني عدد من أصدقائي من أفراد عائلة آل بوبشيت الكرام، وهي من العائلات العربية الأصيلة التي تمتد جذورها إلى أعرق القبائل العربية العدنانية، وقد نزحت هذه العائلة من الأحساء التي كانت منطلق انتشارها في المنطقة الشرقية والبحرين، وكانت الأحساء وقتها مركزًا إقليميًّا مهمًّا لتدريس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية والفقهية، فلا غرابة إذًا أن يتصف كبار أفراد هذه العائلة بالعلم والورع والتقوى، وأن يبرز من بينهم العلماء ورجال الدين والقضاة والأئمة والخطباء في المناطق التي نزحوا إليها.

وفي البحرين فإن عائلة بوبشيت صارت تشكل إحدى الحلقات المتينة التي تجسد أواصر القربى والمحبة والمودة التي تربط بين الشعبين البحريني والسعودي.

ولا يمكن أن تنمحي من ذاكرة الطفولة والصبا اسم ووجه المرحوم الشيخ الجليل الوقور أحمد بن عبدالله بوبشيت الذي كان يسكن بمحاذاة فريجنا؛ فريج المخارقة بالمنامة، وكان إمام وخطيب جامع الشيخ علي بن خليفة، الذي كنا نسميه في ذلك الوقت مسجد المهزع إذا لم تخني الذاكرة. وكانت والدتي رحمها الله تأخذني عندما أمرض، إلى “الشيخ العربي” كما كانت تسميه بمعنى الشيخ السني، وهو الشيخ أحمد ليضع يده على رأسي ويقرأ آيات من القرآن الكريم، وكان من بين أبنائه المربي الفاضل الأستاذ الشيخ عيسى بن أحمد بوبشيت. الذي كان يمارس الإمامة والخطابة إلى جانب القضاء والتدريس في البحرين.

ومن البحرين أيضًا انطلق رجل الأعمال العصامي الوجيه المرحوم عبدالله بن عبدالعزيز بوبشيت؛ المعروف باسم عبدالله فؤاد، الذي عاد إلى المملكة العربية السعودية ليؤسس فيها “مجموعة عبدالله فؤاد” وليصبح من أبرز رجال الأعمال ورواد قطاعي المقاولات والعقارات السعودية.

وفي شهر مايو الماضي فقدت كرة القدم البحرينية واحداً من ألمع نجومها، عندما انتقل إلى رحمة الله اللاعب محمد صالح بوبشيت.

وقبل أيام فاز في الجولة الأولى في الانتخابات البلدية عبدالله أحمد بوبشيت عن مقعد الدائرة السابعة بالمحافظة الجنوبية (الرفاع)، وعند كتابة هذه الأسطر كان اسمه يتداول كأحد المترشحين لرئاسة المجلس البلدي للمحافظة الجنوبية.

ولم تقتصر زيارتي الأخيرة للمنطقة الشرقية على لقاء الأصدقاء والأحبة، ولكنها كانت مناسبة أتاحت لي فرصة التعرف أكثر على جوانب من قصة النفط في المملكة العربية السعودية، ودور النفط السعودي وتأثيره على حياة السعوديين وعلى المنطقة بل العالم بأسره، منذ اكتشافه في العام 1932.

في مدينة الظهران؛ قلب الصناعة النفطية السعودية، وفي مجمع أرامكو الضخم، وقفنا أمام “البئر رقم 7” وهو البئر الذي تدفق منه النفط بعد 6 محاولات غير موفقة في ستة آبار، وقد أصاب المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، عندما أمر بتغيير اسمه إلى “بئر الخير”، فعلى فوهة البئر الخامل الآن، وبعد عطاء دام لأكثر من 60 عامًا أقيم نصب تذكاري عندما تقف أمامه تشعر وكأنك تقف أمام مارد جبار تدفق منه بغزارة السائل الأسود الذي ساهم في نشر الخير والبركة، ليس في ربوع المملكة السعودية فقط بل في الدول العربية الخليجية وغيرها من الدول العربية والإسلامية وباقي دول العالم.

وفي صدارة صناعة النفط السعودي تتربع شركة الزيت العربية السعودية “أرامكو” وهي أول وأكبر شركة نفط في العالم، وتملك أكبر احتياطي بترول في العالم، وتعتبر أكبر مصدِّر للنفط في العالم؛ ويعمل بها أكثر من 65 ألف موظف قرابة 90 % منهم سعوديون.

وتضيق المساحة المتاحة على هذه الصفحة لاستعراض المجالات الواسعة والمبادرات المتعددة التي تبنتها وماتزال تتبناها شركة أرامكو في إطار التزامها بالمسؤولية الاجتماعية على المحاور الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ وهي المحاور الثلاث الرئيسة التي تشكل مفهوم ونطاق المسؤولية الاجتماعية للشركات.

وخلال زيارتي لمجمع أرامكو أخذني مضيفي في جولة لإطلاعي على بعض ما تقدمه الشركة لموظفيها ضمن مبادرات المسؤولية الاجتماعية، والتي شملت مجمعات سكنية بمختلف المستويات، مستشفيات وعيادات، رياض أطفال ومدارس وجامعات، مراكز للتسوق، مساجد وحدائق وملاعب وأندية ومرافق رياضية وثقافية وترفيهية وما شابه.

كما أخذني مضيفي لزيارة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” وهو في رأيي الأهم والأبرز في مساهمات أرامكو ضمن مبادراتها الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية؛ في هذا الصرح يلتقي الماضي بالمستقبل محفوفين بالتاريخ والإبداع والطاقة، فهذا المشروع يهدف إلى تعزيز الانتماء الوطني والإنساني، وتشجيع الابتكار، واستغلال التقنية الحديثة، واستثمار طاقات الشباب الإبداعية لإثراء حياة المجتمع في مجالات العلوم والفنون والثقافة، والمساهمة في تطوير الاقتصاد القائم على المعرفة.

مركز إثراء صرح شامخ، بتصميم فريد ومبتكر في أسلوبه، وبطراز معماري أخّاذ وجذّاب، ذي دلالات رمزية يتجلى فيه الإبداع في فن التصميم المعماري، وهو على شكل مجموعة من الصخور المتراصة يتوسطها “برج المعرفة” الذي ينطلق في تصميمه إلى الأعلى رافعًا معه 18 طابقًا من المرافق التعليمية، كما إن تصميم الشكل الخارجي للمركز لا مثيل له في فن العمارة المعاصرة، وجاء وفق المعايير والمقاييس المعروفة باسم “الريادة في فن التصميم البيئي والطاقة”.

ويضم المبنى كذلك مركزًا للدراسات والأبحاث ومكتبة ضخمة مكونة من 4 طوابق تضم اليوم 270 ألف كتاب، ومهيّأة لاستيعاب أكثر من نصف مليون كتاب باللغتين العربية والإنجليزية، ومختبر الأفكار في مجالات التقنية والتصميم، والمركز التعليمي، ومتحف الطفل، وأستوديو الإنتاج، وقاعات للعروض والمؤتمرات، ومسارح، وسينما وصالات وقاعات لمختلف الأغراض.

ومن حيث المسافة؛ فإن مركز إثراء يبعد عنا في البحرين بمسافة لا تبلغ 50 كيلومترًا، وإدارة المركز ترحب بالبحرينيين لزيارته والاستفادة من مرافقه وخدماته وما يقدمه من أنشطة وبرامج، ولا يسعنا إلا أن نتقدم لهم بالامتنان والشكر الجزيل، وأن ندعو لأشقائنا في المملكة العربية السعودية قيادةً وشعبًا بالتوفيق والنجاح في كل مساعيهم الخيّرة، وأن ينعم عليهم باليمن والخير والمسرّات.