DELMON POST LOGO

الشذوذ الجنسي.. والديمقراطية وحقوق الإنسان

بقلم : عبدالنبي الشعلة
قلنا لكم إنكم في الواقع لا تؤمنون بالديمقراطية وقيمها الحقيقية، بل اعتقدتم أنكم وجدتم فيها وسيلة لتحقيق أهدافكم؛ وكانت الديمقراطية بالنسبة إليكم كلمة حق تريدون بها باطلا، كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكرم الله وجهه. وكنتم وما زلتم تتخفون وراء ستارها والادعاء بتبنيها وأنتم تهدفون في الحقيقة إلى التسلق فوقها وباسمها للوصول إلى كراسي السلطة ومراكز الحكم؛ لتحكموا وتتحكموا باسم الإله وبصولجان الدين مع التمسك بالمرجعية الفردية المقدسة عوضًا عن مرجعية الشعب التي تعتمدها الديمقراطية الحقيقية، فقلتم لنا إننا علمانيون!
وقلنا لسماسرة الشعارات القومية البراقة وتجارها إنكم قد خسرتم الرهان، وأن بضاعتكم قد بارت وفسدت وانتهت صلاحيتها على أثر انهيار وانهزام الأنظمة الثورية الدكتاتورية والانقلابية العربية وانكسار قادتها واختفائهم من ساحة الأحداث، فأصبحتم آخر من يمكن لهم التحدث عن الديمقراطية أو رفع شعاراتها بعد أن سخرتموها بشكل مفضوح لخدمة تلك الأنظمة التي جلبت للأمة العربية العار والهزائم والانتكاسات التي لا نزال نعاني من آثارها المدمرة، فقيل لنا إننا رجعيون!
نعم، قلنا للساسة المتأسلمين ولتجار الشعارات إنكم قد تسببتم في شلل الديمقراطية وعرقلة نموها في الدول العربية، وعلى خلاف نهجكم فإننا نؤمن حتى النخاع بالديمقراطية الحقيقية وقيمها الإنسانية النبيلة السامية، ونؤمن بضرورة احترام حقوق الإنسان وبالاستمرار في السعي الدؤوب لتحقيق أعلى درجاته، وقلنا أيضًا إننا لا ندعي الكمال؛ لكننا لا نريد الديمقراطية التي تدعو إلى التفسخ والانفلات والانحلال، ولا نعترف بحقوق الإنسان التي تؤدي إلى إشاعة الرذيلة وانتهاك القيم، ولا بالحريات المطلقة التي لا تعرف الحدود الأخلاقية ولا تعترف بقيود الفطرة الإنسانية؛ فقيل لنا إننا متخلفون!
قلنا إننا نؤمن بالديمقراطية أكثر منكم ونعتبرها غاية وليست مجرد وسيلة، وأننا نتطلع إليها كأسلوب للحياة ونظام للحكم وأداة للإصلاح والتطوير، لكننا نرفض استخدامها وسيلة للابتزاز ولإشاعة الفتن والاستقطاب الطائفي وشق الصف الوطني، ومعولا لهدم قيمنا ومعتقداتنا ومؤسساتنا وأنظمتنا، فقلتم إننا عملاء!
وبالفكر الأيديولوجي المتهالك أو بالفكر السياسي الإسلامي، سواء كان الفكر السلفي أو فكر ولاية الفقيه، فقد كنتم تزايدون باسم الديمقراطية بنسختها الغربية، وتعتقدون بأنكم قادرون على امتطائها بادعائكم التكتيكي الإيمان بها، وكنتم تعلمون أن الديمقراطية بنسختها الغربية مشحونة وملغومة بالتبعات والإشكالات، وهي قد تبدو في حالة انسجام مع ثقافة الغرب وتقاليده؛ لكنها تتعارض بشكل صارخ في بعض تطبيقاتها مع ثقافتنا وتراثنا ومعتقداتنا، لقد تجاهلتم، عن قصد، التباين الجليّ بين المعايير والقيم التي تدعو إليها الديمقراطية الغربية وبين ما تدَّعونه من قيم ومبادئ، وتسببتم بذلك في إحداث حالة من الإرباك في المنظومة الفكرية للمجتمعات العربية؛ مما زاد من عرقلة وتعثر نمو هذه المجتمعات ديمقراطيًا.
والديمقراطية الغربية تعاني من الازدواجية التي تتجسد كل يوم في محاولات الغرب الدائمة لفرض إرادتهم على الآخرين بالقوة والإكراه وبالتهديد والابتزاز؛ لفرضها على دول العالم، من دول أميركا اللاتينية إلى الدول العربية والشرق أوسطية وغيرها من الدول؛ وهو ما يتنافى مع أبسط قواعد ومبادئ الديمقراطية الحقيقية، مع العلم أن الغرب قد أخفق في بلوغ أهم أهداف الديمقراطية وهو تحقيق الأمن والسلم والاستقرار في المجتمع الإنساني، فمنذ العهد اليوناني والدعوة تتصاعد في أوروبا لتبني الديمقراطية كنظام للحكم والحياة في المجتمعات الغربية، وقد شهدت أوروبا نتيجة لذلك صحوة وتقدمًا حضاريًا هائلا؛ ومع ذلك وخلال العقدين الثالث والرابع من القرن الماضي شهدت أوروبا أيضًا ولادة ونمو وانتشار أبشع وأسوأ الأنظمة الدكتاتورية التي عرفتها البشرية، فقد ظهرت النازية في ألمانية والفاشية في إيطاليا والفرانكوية في أسبانيا والاستالينية في روسيا وغيرها من الأنظمة الدكتاتورية التي استغلت النظام الديمقراطي السائد في أوروبا وقتها للاستئثار بالحكم.
وبالهدف المعلن لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية البشرية من أسلحة الدمار الشامل المزعوم ومن شرور نظام حكم البعث في العراق؛ تمت عملية غزو العراق في العام 2003م، ليسقط نظام الدكتاتور صدام حسين وليتسلم الحكم فيه أكثر من دكتاتور، ولتستباح وتنتهك الديمقراطية فيه كل يوم، وليسقط العراق الجريح في مستنقع الفساد والتشرذم وسيطرة المليشيات المسلحة، ويُحرم الشعب العراق من أبسط حقوقه كالحصول على الخدمات الأساسية اللازمة للحياة الكريمة كالتعليم وتوفير فرص العمل والعناية الصحية والدواء والكهرباء والماء الصالح للشرب، والإحساس بالأمن والأمان. وباختصار فقد تحققت أهداف الغزو الحقيقية بتفتيت العراق وليس لتوفير الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، والمساواة بين أفراد المجتمع، وحرية المعتقد والفكر والتعبير.
وتتكرر القصة ذاتها بصور وأساليب مختلفة في أفغانستان وليبيا واليمن وسوريا ولبنان وغيرها من الدول العربية، تحت غطاء ما سمي بالربيع العربي الذي حمل أيضًا أهدافًا معلنة لتحقيق الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في هذه الدول، ولا داعي لنكء الجراح وذكر ما تم تحقيقه في تلك الدول وإلى أين وصلت الديمقراطية وحقوق الإنسان فيها.
واليوم وقد كشفت الديمقراطية الغربية عن وجهها الحقيقي، وعن ازدواجية معاييرها وتطبيقاتها؛ فإننا نتمنى أن يدرك الجميع بأن للديمقراطية الحقيقية قدسيتها، ولا يمكن التستر وراءها أو المتاجرة باسمها، كما لا يمكن تخطيها أو الاستغناء عنها؛ وهي تختلف تمامًا عن الصيغة الغربية للديمقراطية وعن حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي الذي يعتبر زواج المثليين والشذوذ الجنسي والمجاهرة به والدعوة إليه وجها من أوجه حقوق الإنسان ومظهرا من مظاهر الممارسات الديمقراطية الحضارية وضربا من ضروب الحريات الشخصية، ولا يكتفي الغرب بمطالبتنا باحترام حق الآخرين بممارسة الشذوذ الجنسي والسكوت عنه، بل يريد منا ويصر على قبولنا وقيامنا بالدعوة والتشجيع والترويج لهذه الممارسة وتقنينها، والأدهى من ذلك أنه لا يكتفي بحصرها ضمن الفئات العمرية التي بلغت سن الرشد بل يدعونا إلى تهيئة أطفالنا وإعدادهم لممارستها مستقبلًا بحجة تثقيفهم المبكر.