DELMON POST LOGO

في مثل هذا اليوم قبل 25 عاما

بقلم : عبدالنبي الشعلة

مما درجت عليه الشعوب الواعية، تخليد ذكرى وذكريات قادتها ورموزها الوطنية، وتأكيد الفخر والاعتزاز بعطائها وإنجازاتها، من خلال جملة من الأنشطة والمبادرات والخطوات، ومن بينها إقامة النُصُب التذكارية والتماثيل لهم في الميادين والأماكن العامة؛ تعبيرًا عن التقدير والامتنان لهم وتحفيزًا لغيرهم، إلا أننا في الدول العربية الخليجية لا نسمح ولا نجيز لمثل هذا الوجه من أوجه التقدير؛ رضوخًا ونزولًا عند تفاسير بعض نصوص التراث الإسلامي! على خلاف بقية الدول والعواصم العربية الإسلامية الأخرى، التي من أبرزها جمهورية مصر العربية والقاهرة، تحديدًا حاضرة الأزهر الشريف، ومنبع كبار العلماء ورجال الدين والمفسرين، والجمهورية العراقية، وبالتحديد بغداد حيث مراقد عدد من كبار أئمة المسلمين بشقيهم السني والشيعي؛ ففي هذين البلدين لا يلتزمون بهذه التفاسير ولا يقرونها، فتنتشر في ميادينها وبشكل بارز تماثيل عدد غير قليل من قادتها ورموزها وأعلامها وغيرهم.

وجدت أن هذه المقدمة لازمة لأبدأ هذا المقال بمناسبة مرور ربع قرن على وفاة المغفور له صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، الذي اختاره الله إلى جواره في مثل هذا اليوم قبل 25 عامًا، وفي مثل هذا اليوم قبل 25 عامًا عوضنا الله جلت قدرته بتولي نجله الأغر صاحب الجلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، زمام الحكم، فكان خير خلف لخير سلف، وكان ذلك اليوم يومًا تاريخيًا بالنسبة لكل البحرينيين، امتزجت فيه مشاعر الحزن والأسى لفقدان الأمير الراحل بمشاعر البهجة والاستبشار بتولي جلالة الملك المعظم لمقاليد الحكم، فهذا الشبل من ذاك الأسد.

نعم، في مثل هذا اليوم من كل عام، وما دمت قادرا على التنفس، وعلى حمل القلم بيدي، سأعود إلى أوراقي وسأستنهض ذاكرتي، وكوني مواطنا بحرينيا، تتجدد في وجداني بمثل هذا اليوم من كل عام أحاسيس الفخر والاعتزاز بما قدمه الأمير الراحل للبحرين من منجزات، وتقرع في داخل قلبي أجراس الوفاء والامتنان والعرفان لما لقيته شخصيًا من سموه رحمه الله من عطف ورعاية وتقدير واهتمام، ستظل عالقة في صميم ضميري، وسأظل أتذكرها ولن أنساها ما حييت وحتى الرمق الأخير من حياتي، فلا ينكر الصنيع الطيب إلا الجاحد الضال، وقد صدق المتنبي إذ قال:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته .. وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

إن كل البحرينيين يقفون في هذا اليوم وقفة تقدير وإكبار أمام هذه الذكرى الغالية؛ ليجدّدوا العهد بالحب والولاء والإخلاص لرجل أفنى حياته في خدمة وطنه ومصالح شعبه، ولا يمكن لهم أن ينسوا أو يتناسوا ما حققه المغفور له من إنجازات وطنية تاريخية، من أهمها وأبرزها تحقيق استقلال البحرين وإدماجها في منظومة الأسرة الدولية، والتصدي بحكمة وحنكة للادعاءات الإيرانية، والنجاح في المحافظة على عروبة البحرين وسيادتها وسلامة أراضيها بالوسائل السلمية ودون إراقة قطرة دم واحدة، ثم تمكنه بالوسائل السلمية أيضًا من حل الخلاف مع الشقيقة قطر وضمان سيادة البحرين وملكيتها لجزر حوار، وفي عهده (رحمه الله) دخلت البحرين عصر الازدهار والنمو الاقتصادي، وأصبحت مركزًا إقليميًا للمصارف والخدمات المالية، ورُبطت بالجزيرة العربية الأم عن طريق جسر الملك فهد، وحافظ (رحمه الله) على استقرار البحرين وسلامتها في خضم طوفان من الخلافات والحروب الإقليمية والتطورات والتحديات الأمنية التي عصفت بالمنطقة.

ويشهد القاصي والداني بأن المغفور له كان من القامات الشامخة التي لا يمكن لتعاقب الأيام أو السنين أن تمحو ذكراهم، ولا أن تغيب عن الذاكرة خصالهم الإنسانية وسجاياهم الحميدة؛ فقد تميز (رحمه الله) وبشكل منقطع النظير بالتسامح والكرم والجود والتواضع والبساطة وسمو الأخلاق ودماثتها، إلى جانب السماحة وبشاشة الوجه وطلاقة المحيا، في الوقت الذي لا تنقصه صفات الإقدام والشجاعة في اتخاذ القرار والصمود في وجه الأزمات والتحديات والحزم والشدة عند الحاجة.

اليوم صباحًا، ككل عام في مثل هذا اليوم، وبعد مرور 25 سنة على وفاته سأتوجه إلى مقبرة “الحنينية” بالرفاع لزيارة قبر المغفور له أمير القلوب الراحل صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، لأقرأ على روحه الطاهرة سورة الفاتحة، ولأضع على قبره باقة من الورد رمزا لتأكيد قيم الوفاء والإحساس المتأصل بالجميل والعرفان، وتعبيرًا عن الحب والتقدير والولاء. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وأمد في عمر خلفه الصالح مليكنا المعظم حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه ووفقه وسدد خطاه.