DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" -10

-هنري كرامبتون: هنالك دافع ومكوِن رئيس لعمليات الَّتْجنِيد في أفغانستان هو الانتقام

- شعر قائد لواء بلفاست بخيبة الأمل والمرارة بعد فقدانه منصبه فاستثمرت المخابرات البريطانية سخطه وجندته

-دافع الثأر يحول الحاج مراد، الرجل الثاني في المقاومة، عميلًا للروس ضد أبناء دينه ووطنه!

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.
في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة العاشرة
38
ضابط وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية، هنري كرامبتون، وبعد أن عدد دوافع الَّتْجنِيد ذكر  أن "هنالك دافع ومكوِن رئيس لعمليات الَّتْجنِيد في أفغانستان وهو "الانتقام". وتستطيع أن تسقط هذا الدافع على حميد كرزاي، فقد "تولى والد حميد كرازي زعامة فرع بوزلزاي في القبيلة الباشتونية، وأعدمته الطالبان منذ أعوام عدة. أراد كرزاي يائسا، وهو الخليفة المثقف ِ لموقع والده السياسي، الانتقام من الطالبان وتحرير البلاد. أدرك في أعقاب الحادي عشر من أيلول أن على الولايات المتحدة أن تشن هجوما مضادا وعرف الفرصة المتاحة وطلب غريغ بتوجيه مني وجهةَ نظرِ كرزاي التي وفرت المعلومات لخططنا".
39
وأحيانا ً لا يكون الثأر بسبب قتل قريب أو صديق، بل لمجرد إزالته من منصبهِ. "فستيكانيف"، وهو الجَاسُوس الذي اخترق الجيش الجمهوري الإيرلندي كَانَ دافع الانتقام هو الخطوة الأولى لتجنيده "فقد شعر بالضعف وخيبة الأمل والمرارة بعد فقدانه منصبه كقائد للواء بلفاست... وكانوا - أي المخابرات البريطانية- قد تلقوا إشارة بأنه قد أصبح ساخطا. فقد فقَد  ولاءه للقضية ولم يَعدْ مكترثا لها" وبنفس الدافع تَّم تجنيد شخص آخر من الجيش الجمهوري الإيرلندي وكان اسمه "فرانك هيغارتي" فقد أحب امرأةً وهجر َ زوجتَهُ بسببها، فما كَانَ من القيادي مارتن ماغينيس إلا أن يطرده من منصبه كأمين المخازن المحلي للجيش الجمهوري. فتم تجنيده من خلال استغلال دافع الانتقام الذي تولد لديه بعد عزله من منصبه.
40
للأديب الروسي ليو تولستوي رواية اسمها "الحاج مراد" بنيت على أنقاض قصة َحقِيْقِّية اعتمد فيها تولستوي على الروايات الشفهية والمذكرات وغيرها من أجل التثبت منها، وقد حصلت هَذِهِ القصة في حروب التحرير القوقازية ضد الإمبراطورية الروسية، توضح لك كيف أصبح الحاج مراد، الرجل الثاني في المقاومة، عميلًا أو متعاونًا مع الروس ضد أبناء دينه ووطنه؛ وكان الثأر هو دافعه!
41
يقوم الثوَار خلال الَّثورَة بقتل بعض المجرمين أو الجواسيس أو المفسدين فيتعصبُ لهم أقرباؤهم حميةً جاهليةً، وقد نبهَ على ذلك أسامة بن لادن فقال: "في العراق دخل العدو الخَارِجِي غازيا للبلاد وأخطأ خطأ فادحا لجهله بالمنطقة وطبيعة أهلها فَأثَار القبائلَ وألبَها، مما أدى إلى تعاطف الشعب مع المجاهدين ومدهم بعشرات الألوف من أبنائه للجهاد ضد الأمريكيين إلى أن حصلت بعض الأخطاء؛ كَانَ من أكبرها ضرب بعض أبناء قبائل الأنبار في غير حالة الدفاع المباشر عن النفس، وإنما كانوا في تجمع للاكتتاب في قوى الأمن مما ألهبَ َ مشاعر القبائِل ضد المجاهدين وانقضوا عليهم، وتعلمونَ أن قتلَ رجل واحد من قبيلة كفيل باستثارتها في تلك الظروف فكيف بقتِل المئاتِ .
42
كثيرا ما تكون التقلبات المجتمعية والتغيرات الِسيَاِسَّية مناخا ً مناسبا ً لظهور المنافسات العشائرية أو السيَاسَّية على كرسي السلطةِ أو منصبِ المشيخة، وهو ما يدفعُ عشاق السلطة نحو الإرتماء في أحضان الأقوياء عَّلهم يكونون عونا ً لهم في بلوغ المنزلة المجتمعية المرموقة التي كَانَتْ قد أسرت قلوبهم.
إذ هنالك خيط رفيع يفصلُ ما بين تلقي الدعم وتقاطع المصالح وما بين العمالة والارتهان ما يخلطُ الناس بينهما، فيصبح للفئة التي سوف تساعدك للوصول إلى السلطة في بلدك. وكثيرا ما يكون الشخص عميلا ً وهو يَظن أن الأمر تقاطعُ مصالح! وهذا تجده في كلام الزعيم الافغاني أحمد شاه مسعود عندما يقول: "ثم أن أي بلد يساعدني، لا يساعدني لأجلي بل من أجل  مصالحه. وأنا آخذ القرار بنفسي". فمن هذا المنطلق نَفى أحمد شاه مسعود العمالة عن نفسه أو لم يراها قد تحققت فيه، وضرب أمثلة على الاستقلالية من بينها أنه يطلق أسرى الطالبان دون الرجوع إلى الجهات الداعمة، وهذا أمر تكتيكي لا يؤخذ بعين الاعتبار.
ولكن هنالك حوادث فاصلة تبين إن كَانَتْ الجماعة المدعومة من الدولة الفلانية تابعة لها أو لا، فمن المعلوم أن الطالبان تتلقى دعما ً من باكستان، وهذا أمر غير خفي، فمثلا ً يقول يوسف العسيري بعد أن ذهب إلى أفغانستان وقام بعدة لقاءات مع قادة الطالبان ووضع كتابا ً يحلِلُ فيه الموقف: "فالتسهيلات الباكستانية الممنوحة لحركة طالبان لمواصلة حربها ليس من الدعم الباكستاني لطالبان، فدعمها لهم ليس حلا تختاره وهي تتجرع المر، فلا غرابة إذا نشأ عن انصياع الطالبان لباكستان"، وترى ذلك في قضية تسليم الشيخ أسامة بن لادن والذي قد ترتب عليها غزو أفغانستان لاحقًا وإعادة ترتيب أوراق المنطقة. يقول الملا عبد السلام ضعيف عن هَذِهِ النقطة:
"طلب برويز مشرف أن يدعى إلى قندهار للقاء أمير المؤمنين من أجل مناقشة صفقة مع الولايات المتحدة فحواها تسليم أسامة بن لادن؛ لـكن أمير المؤمنين رفض، ووجه رسالة له أنه مرحب به كقائد لبلد مجاور يناقش معه قضيتي الأمن والاقتصاد وسواهما من القضايا، أما قضية أسامة بن لادن فلا تعني سوى أفغانستان والولايات المتحدة الأمريكية، ومناقشة أمر مماثل مع الباكستان قد تؤدي إلى تدهور العلاقة بين البلدين الجارين".
وذكر عدة نماذج خلف هذا الكلام حول عدم قبول حركة الطالبان لبعض الأوامر الباكستانية وتعاملها معهم من منطلق الندية دون التبعية.