DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" -11

-تسلم كرامبتون من عميل بائس وثائق خطيرة وصلت مكتب الرئيس الأمريكي في 48 ساعة

-عادةً ما تكون أوجاعُ الناسِ ونقاطُ ضعفهم هدفا ً للإستخبارات يستغلونها في ابتزاز العملاء وإجبارهم على تقديم المعلومات

- عميل تم تجنيده من خلال الابتزاز الجنسي تسببَ في مقتل مؤسس الجهاز العَسْكَرِي الأول لحركة حماس "صلاح شحادة"

- وقع رئيس مكافحة الجاسوسية في المخابرات العَسكَرِية النمساوية الفريد ريدل  في شباك العمالة لروسيا بسبب شدوده الجنسي وحبه الشديد للرشاوي

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.
في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة الحادية عشر
43
يتحدث هنري أ. كرامبتون عن عميل بائس تجند بإخلاص.. فقط من أجل سمعة ومكانة مرموقة لدى ال CIA ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية: "شرع عميلي بعد عدة ًاجتماعات تزويدي بالمعلومات الحساسة جدا والأيديولوجية المهمة، لـكن هذا العميل أراد فوق كل شيء إلى من يستمع إليه وينزله منزلة مرموقة. فحظوظه بالترقية معدومة بسب تعليمه الأساسي وافتقاره إلى الوساطات العائلية.  لا يلقى ما يستحقه من التقدير. العميل يعرف ذلك ويريد المزيد. لم يخف حاجته هَذِهِ، بل عبر عنها بصراحة ووضوح.
بعد نحو عام من تجنيده، وأثناء اجتماعنا بالسيارة، أعطاني حزمةً من الورق داخل مجلد مربوطةً بشريط. قال إن الملف مهم لكنه لم يسهب في الكلام، فلدينا مسائل أخرى نناقشها والقليل من الوقت. أردت أن أبقي اجتماعاتنا لفترة تقل عن خمسة عشر دقيقة. أنزلته.. وقمت بعملية مراقبة للطريق، بدلت سيارتي، وعدت في النهاية إلى المنزل. قرأت الأوراق وأنا جالس إلى طاولة غرفة الطعام. وتمتمت أيها الإله الرحيم، وأعدت قراءة الأوراق. أصبح النص الحرفي للوثائق في غضون ثمان وأربعين ساعة بين يدي رئيس الولايات المتحدة، الذي سأل عمن قدم له المعلومات من مصدر التقرير. وأجابه الشخص بأن المسؤول مصدر بشري سري، عميل أجنبي. ولم يتمكن أن يقدم للرئيس معلومة أكثر من ذلك. لأنه لا يعرف هوية العميل، فشكره الرئيس وأمر بتقديم الشكر للعميل غيرالمعروف.
مرر الشخص الرسالة إلى مكتب الجهاز السري المسؤول عن العَمَلِّية. أبلغني مقر القيادة في اليوم التالي بالأمر عبر برقية مشفرة . بعد ذلك بأسبوعين مررت لعميلي في اللقاء المقرر معه شُكْر َ الرئيس. كنا في لقاء آخر في سيارة منطلقة فلم أتمكن من رؤية جوابه، لكنني سمعت صوته وقد تلعثم وهو يسأل: هل قام الرئيس...!! الرئيس قرأ الأوراق...؟ قلت نعم الرئيس نفسه. أنت تقول.. تخبرني أن رئيس الولايات المتحدة قرأ الأوراق؟ نعم.. أكدت له من جديد . لم أعرف أنه يُمْكِنُ لمثل هذا الأمر أن يحصل. هل يعرف شيئا ً عني؟ لا يعرف هويتك أو أي شيء عنك سوى أنك تعمل للاستخبارات الأمريكية، وأننا نعتمد كثيراَ عليك. سقطت السيارة في اثنتين من حفر الطريق، وأخذ المطر يهطل من جديد، دفعتْ المسّاحات مياه المطر من على الزجاجة الامامية، ولكن ليس بالسرعة الكافية. ووجدت صعوبة في الرؤيا.
نعم.. يمكنكم الاعتماد علي.. يُمْكِنُ للرئيس الاعتماد علي. بالعمل معا سنفعل.. وأنا فخور جدا نعم.. سنعمل معا ً .. هذا مهم.."
44
ابتزاز المخابرات للناس وعذاباتهم باب واسع يحتاجُ مراقبةً دقيقةً لواقع الناس، وتحليلا ً واسعا ً لشخصية كل فرد وما يمر به من ظروف صعبة ، فعادةً ما تكون أوجاعُ الناسِ و بلاياهم ونقاطُ ضعفهم هدفا ً للاستخبارات يستغلونها في ابتزاز العملاء وإجبارهم على تقديم المعلومات، تماما ً كاستغلالِ المريضِ الفقير الذي لا يجدُ علاجا ً يرفعُ به ألمه، وال مُستدينُ الم ُعْسرُ الذي لا يجدُ مالا ً يدفعُ ً به ديْنه، والزاني الم ُستخفي الذي تََّم تصويرُ فجوره وتوثيقُه، والمشردُ البائسُ الذي لا يجدُ ملجأ ي ُؤويه، والسجينُ المُدانُ بجرمه الذي يرجو العفو عنه، والفقيرُ الجائعُ الذي لا يجدُ طعاما ً يسد رمقَهُ ورمقَ أطفالِهِ الصغارِ.
فالذي تسببَ بمقتل مؤسس الجهاز العَسْكَرِي الأول لحركة حماس »صلاح شحادة« كَانَ قد جُنِد من خلال الابتزاز الجنسي، فقد كَانَ شحادة على رأس قائمة القادة المستهدفين كونه قائدُ الجناح المسلح والمسؤولُ الأول عن سقوط مئات القتلى في سلسلة العمليات الاستشهادية التي نسقتها ونفذتها مجموعته، وفي منتصف ليل 23 يوليو 2002 شَّن الطيرانُ ً الصهيوني غارةً على مبنىً آهل بالسكان في مدينة غزة، بناء على معلومات وفرها للاستخبارات الإسرائيلية مخبر فلسطيني، فانهار المبنى المؤلفُ من طابقين، متحولا ً إلى ركام مسببا ً سقوط منزل آخرَ . قُتلَ صلاح شحادة على الفور وقضى معه ستة عشر مدنيا ً بينهم تسعة أطفال ورضيعان وجُرِحَ ما يزيد عن مئة وخمسين شخصا ً، وكان هذا الجَاسُوس الفلسطيني هو (أكرم الزطمة) الذي جُند من قبل المخابرات الإسرائيلية بعد أن ابتزه ضابطان في الاستخبارات الإسرائيلية بصور فوتوغرافية مزيفة تظهرني في وضعيات مخلة. يقول: "بدأوا بمضايقتي و ابتزازي مستخدمين صورا  جنسية مريبة، وقالا لي إنهما سيستخدمان هَذِهِ الصور ضدي إن لم أتعاون معهما".
45
وهذا الأمر لا يَنحصر في العلاقات بين الجنسين بل حتى العلاقات الشاذة، التي قد تكون مدخلا ً للتجنيد والابتزاز كما هو حال الجَاسُوس المجند من قبل الاتحاد السوفيتي جون فاسيل. فقد  زود هذا العميل الاستخبارات السوفيتية بجميع أسرار الناتو. ولكن كيف تَّم القبض على جون فاسيل؟ فذلك لأنه أصبح ينفقُ مالا ً لا يتفق مع حجم مدخوله، حيث كان ينفق أمواله على  الملابسِ الفاخرةِ وعاشَ حياة تفوق دخلَه العادي ولقد لفت ذلك الانتباه إليه، ذلك أن القاعدة التي تكاد تكون مطردةً في كشف بعض الجواسيس هي "عدم تكافؤ المصروف مع  المدخول".
ويبدو أن هذا كان أسلوبا شائعا يستخدمُهُ الروس لتجنيد خصومهم، فقد قامت الإمبراطورية الروسية بتجنيد "الفريد ريدل" الذي كَانَ يشغَلُ منصب رئيس مكافحة الجاسوسة في جهاز المخابرات العَسكَرِية  للإمبراطورية النمساوية من 1901-1905، حيث وقع في شباك العمالة بسبب طباعه وأخلاقه التي تتمثلُ في الشذوذ الجنسي وحبه الشديد للرشاوي، فكان لهذا الشخص ومنصبهِ الكبير أثر ً في رئاسة أركان الجيش النمساوي المجري مدمر، إذ كَانَ عضوا وكان يمتلك السبيل والطريق للوصول إلى خطط الحرب الخاصة بهذا الجيش المشترك وإعطائها للروس ولكن لم يجرى التعرف على حجم الضرر الذي تسبب به؛ لأنه انتحر بعد القبض عليه.