DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" -14

-البرغوثي: الفلسطينيون بين المطرقة والسندان، بين احتلال صهيوني يصب جام غضبه على المدنيين العزل، وبين سلطة ملتزمة باتفاقية أوسلو، تلاحقُ كل من قرر النضال والمقاومة

- يضغطون على الثوَار لترك الَّثورَة وينضموا إلى صفوف أجهزة السلطة الأمنِّية، ومن لم يقبل لوحِقَ وقُتل على يد رجال الأمن الوقائي والمخابرات العامة في المناطق التي انسحب منها الاحتلال

الصهيوني

-عميل صهيوني: انطلقت الانتفاضةُ لكنني لم أشارك فيها، بل واصلت الحضور في الجامعة رغم أن غالبية الطلبة كانوا يشاركون في فاعليات الانتفاضة.. كنت أمقت تلك الفعاليات كما أمقت الانتفاضة

- بينما كان الاحتلال يحصد أرواح العشرات من الشباب والأطفال، كَانَ رجالات أوسلو ينتقلون من محطة فضائية إلى أخرى، أبطالا ً فاتحين ومحررين، متسلقين جثث الشهداء نحو مجد زائف

- قال المحقق الصهيوني للعميل: لماذا لم تحضر جنازة أخيك؟.. أخيك الشهيد معتصم الذي أراد الانتقام لأخيك الشهيد أشرف فقتل جنديا ً وأصاب آخر. لم يجب العميل على الأسئلة، لكنه قال للمحقق: أريد أن أعمل معكم

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.
في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة الرابعة عشر  
60
تحدث عبد الله البرغوثي صاحب كتاب المقصلة عن دافع مهم للتجنيد وهو "الياس" أو "اليأس في ظل غياب الممثل الحقيقي للمقاومة..". لقد وصف البرغوثي حال الفلسطينيين كمن وقع بين المطرقة والسندان، بين احتلال يهودي (صهيوني) يصب جام غضبه على المدنيين العزل لمجرد أنهم فلسطينيون مسلمون، وبين سلطة ملتزمة باتفاقية أوسلو، تلاحقُ كل من قرر النضال والمقاومة، ولا تختلف أساليبها في شيء عن تلك التي يستعملها اليهود، بل قد تكون من حَيْثُ الضراوة أشد وأقسى بكثير، وغالبا ً ما تشن هَذِهِ الأجهزة العميلة ُ حملات على المجاهدين تنسيقا ً مع الشاباك وتنفيذا للاحتلال. . إن هذا الوضع المرير قد يولد يأسا ً لدى الفرد الفلسطيني، حَيْثُ أصبح ينظر إلى الحكومة والسلطةِ القائمةِ في الأراضي الفلسطينية فيجدها متسخةً هابطةً منحطةً، يجدها عميلة ً بالدرجةِ الأولى لليهود، خائنة لدينها وقيمها بكل المقاييس، تحرس أمن الاحتلال، تلاحق عدوه، وتتقرب له بالتجسس والترصد والقضاء على الثوَار.
ينظر خلفه فيرى وجها ً قبيحا ً قد نخر الفساد في جلده، وسلطةً لا يعدوا أصحابُها أن يكونوا ً حقراء لحكومة يهود، فيقول المسكين في نفسه: لما النضال إذا؟ أمِنْ أجل هؤلاء العبيد الأوغاد تُبذل الدماء والأموال، وتُرمل النساء، وتيتم الأطفال؟ أمِنْ أجل أن يَقطف هؤلاء  الثمرة أُضحي أنا بالغالي والنفيس، أشرد وحيدا في كل أرض، وأُلاحق طريدا في كل مكان؟!
فيقع الجواب في نفسه المنهزمة المدَّمرة القانطة: "لا والله. إنهم لا يستحقون ذلك، فلإزاحمهم في سلطتهم، و ْلَأَّتصْل أنا بالنبع مباشرةً، و ْلَأربْط َحبْلي بالسيد الذي يخدمونه مباشرة  فاكون عبدا لسيد حقيقي  خير لي من أن أكون رقيقا للعبيد.
هنا  فقط؛ حين يظن الفرد أنه لا قيمة لنضاله ولا فائدة من مقاومته لأنه لا وجود حقا ً لمشروع أو قدوات يستحقون ذلك؛ وأن الذي يمثل الَّثورَة والمقاومة ليس إلا خائنا ً عميلا ً ومن تحت الطاولة، من هنا تبدا سلسلة العمالة انطلاقا ً من اليأس، مرورا بالخضوع؛ من هُنَا تبدأ قصة عبد الله البرغوثي، أو هكذا كَانَتْ قصة الجَاسُوس الذي في "رواية  المقصلة"، متحدثا ً على لسان الجَاسُوس:
"لقد استشهد أخي قبل نهاية الانتفاضة الأولى بقليل، وبعد بدأ دخول رجال السلطة إلى المناطق المحتلة بقليل أيضا ً، تلك الفترة الضبابية التي عملت خلالها أجهزة السلطة على إثبات قوتها ونفوذها على الأرض، من أجل كسب ثقة أجهزة الأمن الصهيونية التي كَانَتْ تعطيهم ًمن الصلاحيات كلما تفانوا في عملهم. كانوا يهدفون من وراء هذا العمل إلى القضاء على الَّثورَة والثوار، وهكذا أغروا الكثيرَ من الثوَار بأن يتركوا الَّثورَة، وينضموا إلى صفوف أجهزة السلطة الأمنِّية، ومن لم يقبل لوحِقَ وقُتل على يد رجال الأمن الوقائي والمخابرات العامة في المناطق التي انسحب منها الاحتلال الصهيوني ، استشهد أخي الذي كُنْتُ أعده أبا لي برصاص الاحتلال بعد ان اعتقله رجالات السلطة وضيقوا عليه الطوق والخناق.. فلم تعتبر السلطة أخي شهيدا ً، رغم أنه كَانَ من أطفال الحجارة في بداية الانتفاضة الأولى، وأصيب العديدَ من المرات خلالها.
كبرت وأنهيت دراستي الثانوية، وقبلت في إحدى الجامعات، وقبل أن أنهي شهريَ الثاني في الجامعة قرر الشعب الفلسطيني أن يبدأ انتفاضةً ثانيةً، انتفاضة الأقصى، بعد أن دنس شارون المسجد الأقصى بقدميه النجستين.
انطلقت الانتفاضةُ لكنني لم أنطلق معها، بل واصلت الحضور في الجامعة رغم أن غالبية الطلبة كانوا يشاركون في فاعليات الانتفاضة. تلك الفاعليات التي كُنْتُ أمقتها كما أمقت الانتفاضة. فلقد كُنْتُ أرى رجالات السلطة الذين كانوا يسّوقون إلى السلام المزعوم في أوسلو قد باتوا يحرضون الشباب على مقاتلة الاحتلال. الاحتلال الذي كَانَ يحصد يوميا ً أرواح العشرات من الشباب والأطفال، بينما كَانَ رجالات أوسلو ينتقلون من محطة فضائية إلى أخرى، أبطالا ً فاتحين ومحررين، متسلقين جثث الشهداء نحو مجد زائف . .
داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزل أهلي الذي كُنْتُ أعيش به أنا وأمي وإخوتي، ثم عملت جرافاتها على هدم المنزل، لأن أحد إخوتي قد قام في صباح ذلك اليوم بطعن جنديين، فقتل أحدهما وأصاب الآخر بجروح خطرة ، ورغم أن أخي هذا قد تَّم قتله على الفور إلا أنهم هدموا منزلنا وشردونا.
لم أعترض على ما قاموا به، لكن أخي الآخر اعترض وحاول هو أيضا ً طعن جندي من أولئك الذين قاموا بهدم منزلنا، فاعتقلوه، وحكموا عليه بثمانية عشر عاما ً ، رغم أنه حاول.. حاول فقط، ولم يتمكن من طعن أحد من أولئك الجنود. كُنْتُ أشاهدُ ما يجري وكأن لا علاقة لي به، فلم أتأثر لاستشهاد أخي الثاني ولا لاعتقال أخي الثالث، ولا لتشرد أمي وأختي..
أما أنا فلقد ذهبت إلى الجامعة في صباح اليوم التالي، ولم أحضر جنازة أخي، فلقد كُنْتُ مشغولا ً بالبحث عن سكن قريب من الجامعة، ووجدته في إحدى البنايات المخصصة لسكن الطلاب الجامعيين، مكثتُ في ذلك السكن الجامعي عدةَ أيام، حتى دُوهِمَ من قبل قوات الاحتلال... تلك القوات التي اعتقلتني ثُّم اقتادتني إلى أحد مراكز التحقيق..
هناك قال لي المحقق لماذا لم تحضر جنازة أخيك؟.. أخيك الشهيد معتصم الذي أراد الانتقام لأخيك الشهيد أشرف فقتل جنديا ً وأصاب آخر.. لم أجب على أسئلة المحقق، فلم تكن عندي إجابات أصلا ً على تلك الأسئلة، لكني قلت له أريد أن أعمل معكم.. أريد أن أصبح عميلا ً وجاسوسا ً لكم.. فأنتم الأسياد.. ورجالات السلطة ليسوا سوى مجموعة من أذناب كلاب الأسياد.. أما نحن الشعب فمجرد وقود للمعركة التي يحصد ثمارها لصوص السلطة من ناحية، وأسياد السياسَة الصهيونية من ناحية أخرى، لا أريد أن أكون مجرد وقود للمعركة، بل أريد أن أكون جاسوسا ً عميلا ً يعملُ مع الأسياد".
طبعا وافق الشاباك على تشغيله، وبقي على ذلك اثنتا عشرة سنةً كاملة، تسبب خلالها في قتل العديد من الثوَار، إلى أن أعتقل وأعدم على يد المقاومة.