DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" -16

-قام التنظيم بتسريب خبر أن الشيخ أبا سفيان مع تسعة من الإخوة المهاجرين من بلاد الحرمين اختفوا وأن التنظيم يبحث عنهم

-استطاع العسيري تجاوز عدة مطارات ونقاط تفتيش دون أن يُكشف، وتم تفجير نفسه في نهاية المطاف في مجلس محمد بن نايف، الذي نجا  من التفجير باعجوبة

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.
في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة السادسة عشر
62
كاد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أن ينجح في محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي، آنذاك، محمد بن نايف آل سعود، وقد حصل الاختراق المضاد بعد أن بعث محمد الغزالي المكنى بـ "رشيد" من قبل قيادة التنظيم في مهمة وهي معرفة واختبار إجراءات التفتيش المتبعة من ساعة دخوله إلى الحدود وحتى خروجه من مكتب الأمير محمد بن نايف، والتنسيق للاستشهادي الذي سينفذ العَمَلَّية.
وكان الخيط الأول من عَمَلِّية التضليل هو بالاتصال مع الجواسيس التابعين للسعودية في اليمن من أجل مقابلة محمد بن نايف، وإيصال رسالة أن هنالك مجموعة من القيادات الجهادية وعلى رأسهم سعيد الشهري المعروف بـ"أبي سفيان الأزدي"، يريدون الانشقاق عن التنظيم والرجوع إلى المملكة وأخذ ضمانات من مساعد وزير الداخلية محمد بن نايف، بشرط ألا يسجنوا، ولا يُكرَهوا على الظهور في وسائل الإعلام، ولا يحقق معهم، وأن يخرج الأسرى الذين سجِنوا من بعدهم.
بما أن العنوان المعلن كَانَ الانشقاق عن التنظيم وأن هذا التفاوض لا تعلم عنه قيادة التنظيم شيئا ً –في الظاهر- فكان لابد من تغطية على خروج محمد الغزالي "رشيد"، من اليمن إلى السعودية، فكان الخيط الثاني في عَمَلِّية التضليل هو كما يقول رشيد نفسه: "أوقعت الضابط ابى فارس في حرج حَيْث ذكرته بأني سأعود إلى الإخوة في التنظيم فماذا أقول لهم بخصوص الدعم المادي؟ لأني قد قلت له أني عند التنظيم دخلت بلاد الحرمين لجمع المال، فارتبك وسألني عن خطتي في ذلك، فقلت له: آخذ منك بعض المال على أنه مقدمة لاتهِم بدعم التنظيم، وبعد الضغط وافق على ذلك، خاف في البداية وقال بأنه لو فعل ذلك لن يسمحوا لي بالعودة مرة  أخرى، كَانَتْ هَذِهِ الخطوة ليظن الضابط أني حريص على المال".
ثم أقدمت على الخطوة الثانية في التضليل وهي الانقطاع الطويل، يكمل رشيد قائلا: "بدأنا الاتصالَ بالضابط أبي فارس، في البداية انقطعت عنه شهرا كاملا حتى أشاهد تأثير هذا، ثم اتصلت به وقلت له أن الأوضاع مبشِرة، وأن الشيخ أبا سفيان مستبشر، وأني سأواصل الترتيب".
ثم جاءت الخطوة الثالثة وهي تسريب الأخبار بِشَكل متواتر حتى تصل إلى مسامع الجواسيس فيتأكدوا من صحة كلام رشيد. أثناء ذلك قام الإخوة في الجهاز الأمني يتابعون أحد الجواسيس الذين يعملون لحساب محمد بن نايف ويدعى "صالح شرهان" فقام التنظيم بتسريب خبر التقطه صالح شرهان وطار به إلى أبي فارس، مفاد هذا الخبر أن الشيخ أبا سفيان مع تسعة من الإخوة المهاجرين من بلاد الحرمين اختفوا وأن التنظيم يبحث عنهم"، وكَانَتْ المعلومات تتواتر عبر جواسيس محمد بن نايف لتؤكِد أن الخِلاف اشتد وأن الشيخ سعيد الشهري قد انشق مع مجموعة من المجاهدين عن التنظيم، ومع تواتر الرواية عبر اكثر من جاسوس، لم يعد هناكَ مجال  شك في المعلومة .
وعلى إثر ذلك تَّم الترتيب للقاء أحد هؤلاء المنشقين المزعومين وهو عبد الله العسيري، احد المطلوبين على قائمة الخمسة وثمانين لـ "محمد بن نايف" من أجل التنسيق لعودة جميع المنشقين المزعومين إلى السعودية، فقد استطاع العسيري تجاوز عدة مطارات ونقاط تفتيش دون أن يُكشف، وتم تفجير نفسه في نهاية المطاف في مجلس محمد بن نايف، الذي نجا  من التفجير باعجوبة.
العميل المجند قد ينقلب عليك في أي لحظة ويخونك. فهو أفضل شيء في العالم ولـكنه أيضا أخطر شخص في العالم بالنسبة إلى المشغل. إنه الرجل الذي يستطيع خيانتك في  أي لحظة . هذا إذا كَانَ لم يخنك منذ البداية، ففي أغسطس من سنة 1918 دخل من الحرس البريتوري منشقان لاتيفيان )الحرس الشخصي) للقيادة السوفيتية إلى السفارة البريطانية، وقالا إنهما يريدان تغيير ولائهما لصالح البريطانيين. فأرسلهما ضابط الاستخبارات البريطاني "كرومي" إلى "بروس لوكهارت"، أول مبعوث َّ رسمي لبريطانيا إلى الحكومة البلشفية في روسيا، وقد عرفهما هذا الأخير إلى رجل الاستخبارات البريطانية "سيدني رايلي" وانتقلا في الحديث من الانشقاق إلى إعداد انقلاب ثَّم انضم إليهم في وقت لاحق العقيد "برزين" قائد مسلح على الحكومة البلشفية الجديدة، ثَّم التقى "رايلي" بـ"برزين" قائد  الفوج اللاتيفي الذي يحمي الكرملين "وأعطاه مليون وأربعمئة ألفِ روبل لتنفيذ المؤامرة، وفي الثالث من سبتمبر أغارت الحكومة البلشفية على السفارة  البريطانية وأعلنت إفشال المؤامرة.
فالخطةُ قد رُسمت والأموالُ قد انفقت ورؤوس ضباط الاستخبارات قد كُشفت لشخصين لاتيفيين بناء قد على استعدادات الضباط اللاتيفيين وتعاونهم  ثم تبين أن اللاتفيين لم يخططوا للتمرد مطلقا ً! فقد تبيَّن أن كل معارف البريطانيين تقريبا كانوا عملاء للتشيك. جهاز استخبارات الحكومة البلشفية والذي تحول في نهاية المطاف إلى (KGB) ، كل الرجال الذين تَّم تجنيدهم لتلك المهمةِ كانوا يقبضون من فليكس دزيرجينسكي مؤسس ورئيس التشيك.
تسببت هَذِهِ المحاولة ُ الفاشلة ُ بقتِل الضالعين في المؤامرة أمثال »كرومي« ، وحتى من نجى  منها تتبعوه واستدرجوه حتى قتل مثل "رايلي" واعتقال "كلوكهارت"، وأتخذت هَذِهِ العَمَلِّية الانقلابية كمبرر لشن حملة تطهير خمسين ألف إلى مئتي ألف  شخص،  ففقدت بريطانيا خيرة ضباطها بسبب الاختراق المضاد، وتسببت بهستيرية ستالينية أدت لمقتل مئات الآلاف من الناس.