DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" - 17

-بعد انشقاق رئيس الاستخبارات الكوبية في تشيكوسلوفاكيا كشف أن كل عميل كوبي جندته الوكالة كَان مزدوجا، يدعي الولاء لأمريكا بينما يعمل سرا لصالح لهافانا

-دخل تنظيما داعش والنصرة في حرب ضرب المصداقية واستخدم فيها المنشقين للتشهير في بعضهما البعض وسجلت اعترافات انتزعت عنوة وبثت على وسائل التواصل الاجتماعي

-بعد الحرب العالمية الثانية مارس المهاجرون من المعسكر الاشتراكي عمليات خداع واسعة ضد الاستخبارات الغربية رغم الاحتياطات الواسعة التي اتخذتها هذه الاستخبارات

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.
في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة السابعة عشر.
63
لم يُكشَفْ جواسيسُ كوبا المزدوجين إلا بعد خيانة قد تعرضوا لها، فبعدما انشق رئيس الاستخبارات الكوبية في تشيكوسلوفاكيا الرائد "فلورنتينو أسبياغا لومبارد"، الذي كشف بعد انشقاقه "أن كل عميل كوبي جندته الوكالة على مدى السنوات العشرين الماضية، كَان مزدوجا، يدعي الولاء للولايات المتحدة بينما يعمل سرا لصالح لهافانا، شكلت تلك صدمة ً يصعُبُ تصديقها" لـكن محللي وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية استنتجوا بكآبة بعد َحقِيْقِّية مراجعة طويلة ومؤلمة أن الرائدَ كَانَ يقول الحقيقةَ ".
64
ويرى "بيتر رايت" في تحليله عدة أمور قادته إلى هذا الاستنتاج، منها: سبق للمنشق "بينكوفسكي" أن عرض على وكالة الاستخبارات المَرْكَزية في نهاية 1960 أن يعملُ لصالحهم وقد رفض الأمريكان هذا العرض، ومن ثم اكتشف الأمريكان من خلال منشق آخر وهو "نوسينكو" بأن الغرفة التي جرت المقابلة مع بينكوفسكي كَانَتْ مرصودة سريا بواسطة ميكروفونات وضعتها الاستخبارات السوفيتية. وهذا يعني بوضوح أنه لو كَانَ بينكوفسكي عميلا أصلا لعرف الروس بتجسسه للأمريكيين، ولكن المخابرات السوفيتية لم تفعل له شيئا ً!.
ثَّم قام "بينكوفسكي" بتزويد الغرب بعد انشقاقه بآلاف الوثائق المتعلقة بالأنظمة العَسكَرِية السوفيتية الحساسة، ولكن ثَّمةَ هنالك ثغرة –حسب رايت- وهي أنه كَانَ يزود الغرب أحيانا بوثائق أصلية. وقد بدا لي أنه لا يمْكِن تصديق هذا الأمر إذ لا يعقَل ألا يشعر َ الروس باختفاء هَذِهِ الوثائق من الملفات.
وأما السؤال لماذا أرسل الروس بينكوفسكي كعميِل تضليل؟ يرى بيتر أن الجواب يكمن في السِيَاسَة الـكوبية وسياسة الحد من التسليح. كَانَ لدى الروس هدفان إستراتيجيان في مطلع الستينيات، الأول هو الحفاظ على فيدل كاسترو في كوبا. أما الهدف الثاني فهو تعزيز وتطوير قدرات الصواريخ الباليستية السوفيتية العابرة للقارات دون إثارة الشكوك في الغرب ".
65
والاختراق المضاد من أجل التشكيك وضرب المصداقية لا ينحصر بين الدول الكبرى، بل هو موجود بين الجماعات المتقاتلة نفسها، ومنهج متبع لدى جماعة الدولة "داعش" في خصومتها مع جبهة النصرة، فأثناء حربهم بالمنطقة الشرقية اَّدعى أحدُ الدواعش وهو أبو ذر العراقي انشقاقه وانضم إلى جبهة النصرة وشارك في سلسلة مرئية تتكلم ُ عن تجربته في جماعة  الدولة وكيف انشق وما هو سبب انشقاقه ُثّم ما لبث أن خرج من جبهة النصرة ورجع إلى تنظيم الدولة وأعلن أنه سجَلَ تسجيلَه ُ السابقَ بعد أن أجبِرَ على ذلك، وبذلك أعطى إيحاء أن كل التسجيلات التي خرجت في السلسلة المرئية إنما هي تسجيلات أجبِرَ أصحابها على قول هذا الكلام، وبذلك ضربت الدولة مصداقية شهادات المنشقين ثَّم حاولت جماعة الدولة تحصين نفسها من هذا الأسلوب الذي اتبعته وقالت أن هنالك شهادات كاذبة عنها يتبعها الخصومُ من تنظيم القاعدة وهي أنهم يرسلون ناسا ً من أجل أن يبقوا في تنظيم الدولة ثّم يعلنوا انشقاقهم ويسجلوا شهادتهم؛ فكل من يفعل ذلك فهو تابع لتنظيم القاعدة من أجل تشويه سمعة الدولة، حتى لا يُؤخذ كلامه بعين الاعتبار، وبذلك قامت بخطوة استباقية ضد أي منشق .
66
وأحيانا ً يحصلُ الاختراقُ المضادُ بسبب عدم قبول التحذيرات، فمثلا ً اكتُشفَ في لشبونة أثناء الحرب العالمَّية الثانية شخص مشبوه ؛ يقول كيم فيليبي عنه أنه يعيش في البرتغال تحت اسم مستعار، وكنا نعلم عن طريق الاتصالات اللاسلـكية أن هذا الشخص يقدم معلومات إلى الاستخبارات الألمانية، فيما علمنا بعد فتحنا للحقيبة الدبلوماسية التشيكية أنه يعمل أيضا لمصلحة الـكولونيل بان ممثل الاستخبارات التشيكية آنذاك في لشبونة. وقد أمضينا أشهرا عديدة في محاولة إنذار "بان" دون أن يعلم َ المصدرَ الذي استقينا منه معلوماتنا، فقاومَ كل محاولاتنا بعناد،  فبقي هذا الجَاسُوس المتعاون مع الألمان يزود أحد دول الحلفاء بمعلومات استخباراتية قد تشكل اختراقا ً أو توجيها ً من قبل الأعداء لهذه الدول عبر المعلومات؛ لأن أحد مسؤولي الاستخبارات رفض النصيحة في التخلي عنه.
67
قد ينظر إلى المعلومات المغلوطة على أنها باب من أبواب الرزق، وقد يُستغل شغف بعض الدول للحصول على المعلومات ، ومن هُنَا يدخل الكثير من النصابين خصوصا ً الذين هاجروا من الدول الشيوعية وزعموا أن لديهم معلومات تفيد الجانب الغربي. يقول الضابط كيم فيليبي: من المؤكد أن الحرب كَانَتْ السبب في لفت أنظار كل أوروبا إلى باب الرزق الجاسوِسَّية؛ وفي الأربعينيات استثمر بعض الجهلاء الملايين في إسطنبول للحصول على معلومات مفبركة داخل المدينة نفسها. ويتحمل الأمريكيون الوزر الأساسي في رفع أسعار المعلومات المزورة. لـكن في سنة 1947 ازدادت شهية المخابرات البريطانية للحصول على المعلومات المزيفة على نحو كبير. وقد أمضينا وقتا طويلا في إيجاد وسائل لإخراج هذه المعلومات واصحابها من مخابئهم ولم  ننجح إلا نادرا.  وأنا أؤكد أنه رغم احتياطاتنا الواسعة فإن الـكثير من المهاجرين قد خدعونا".