DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" - 18

-الموظفة في مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي دانييلا غرين عشقت ابي طلحة الالماني وتزوجته في سوريا

-كيم فيلبي عميل جنده الاتحاد السوفيتي جاسوسا على بريطانيا وبرئه زملاؤه لتعاطفهم معه

-عميل سوفيتي ارسل معلومة موعد الغزو النازي لروسيا، لكن ستالين لم يصدقه كونه من رواد بيوت الدعارة في طوكيو..لكن الغزو حصل

-لم تصدق المخابرات المركزية الامريكية تقريرا دقيقا قدمه عميلها عن القوات المصرية والسورية في حرب اكتوبر، وعندما حصلت الحرب رقي العميل الى مرتبة مدير

-قذف ديبلومسي بريطاني ضابط الماني يحمل وثائق ثمينة، فتلقفه الامريكان ودهشوا من "الوثائق السرية الطازجة"

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.
في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة الثامنة عشر.
68
يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه متحدثا ً عن أهم قواعد إنشاء العلاقات: "أحبب حبيبك هونا ما، علَه يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، علَّه يكون حبيبك يوما ما". لذلك ينبغي على المجند من أجل تجاوز هَذِهِ العقبة أن يتحَّكم في مشاعره بحَيْثُ لا يؤثر ذلك على قِيَمه وعمله. ولعل أهم ما يميزُ الضابطَ الجيد عن غيره هو كبح يسمح لها أن تقيم علاقة حميمة مع العواطف. وقد قال أحد العاملين السابقين: "ليس أمرا مجريات الهدف. وإذا اضطررت إلى فعل ذلك، فهذا يعني أنك لست من يسيطر على  الأمور".
أحيانا ً يكون التعاطف على حسب القيم، ويَجِبُ على المُجند أن يكون مستقلا؛ لأنه، بحسب وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية، ستكون قد ارتكبت جريمة إذا أحببت مصدرك، وإذا خسرت التلاعب به. موضوعيتك، أصبحتَ الطرف الذي يَتِأثر.  ونستطيع أن نضرب مثالا ً جزئيا ً حول هذا، مثل تعاطف الموظفة في مكتب التحقيقات الفيدرالي دانييلا غرين التي بدأت العمل مع المكتب عام 2011 ،وحصلت بعد ذلك على أعلى ترخيص سري، وفي يناير 2014 تَّم تعيينها للعمل في ملف يخص إرهابيا ألمانيا لم يَتِم الـكشف عن هويته في الوثائق، لـكن شبكتنا توصلت إلى أن الأمر يتعلق بأبي طلحة الألماني التي وقعت في غرامه وسافرت لسوريا وتزوجت منه! ولكن موضوعنا يتحدث عن التعاطف السلبي مع شخص داخل دائرة الاستخبارات والتجنيد، وليس التعاطف مع مقاتل في دائرة الأعداء.
69
فقد تعاطف رجال الاستخبارات البريطانية الخاَرِ ِجَّية ( (IM6  مع رجلهم "كيم فيليبي" بعد أن اتهم بالجاسوسية والعمالة، فقد حققوا معه وقد كَانَ من ضمن الموجودين ضباط من الاستخبارات البريطانية الَّداخلِّية IM5 ) ) الذين لم يعجبهم وضع التحقيق. يقول بيتر رايت عن مشاهداته: "دخل فيليبي بطريقة ودية في حياة ثلاثة من زملائه السابقين، ولـكن يعرفونه بِشَكل جيد. لقد تعاملوا معه بلطف وألفة. تلعثم َ فيليبي وهو يحتج مؤكدا أن سماع الأسئلة يقود لإدراك الـكذبة الـكبيرة. فكلما تلكأ فليبي في الإجابة قام أحد سائليه بإرشاده إلى جواب مناسب. حسنا ، أعتقد أن كذا وكذا يمْكِن أن يكون تفسيرا فيوافق فيليبي بلهفة وتستمر المقابلة، مما حد ا بأحد ضباط الاستخبارات البريطانية الداخلية أن يضرب على رجليه قائلًا: "السفلة إنهم يبرئونه!" ويكمل بيتر قائلًا: وأرسلَ كمنغ مذكرة عاجلة إلى غراهام ميشتل رئيس قسم التجسس المضاد في IM5 يقدم فيها تقويما، ولـكنها ذهبت أدراج الرياح. فبعد عدة أيام أعلن ماكميلان في مجلس العموم  براءة فليبي« ، وما حصل في التحقيق مع كيم فيليبي أنه كلما ازداد تعاطف المستجوب مع العميل، ازداد احتمال أن يخترع بنفسه وبأمانة كبيرة مبررات ليفسر ما يبدو غير مناسب في تقريره" .
ثَّم اتضح لاحقا ً بما لا يدع المجال للشك وباعتراف كيم فيليبي نفسه أنه جاسوس للاتحاد ث السوفيتي، ولكن قبل ذلك ومع عدم إدانة كيم فيليبي وتبرئته وإغلاق ملفه من قبل الصحافة، يقول فيليبي أنه أمضى سبع سنوات بعدها في راحة بال ناعمة ، وفي خدمات أخرى قدمتها  للقضية السوفيتية ، فانظر ماذا جنى التعاطف السلبي!
70
يشرح الصحفي ستيفان غراي علة َ التوجس الدائم من الجواسيس: "يَجِب أن يكون الجواسيس غدارين، بالأكاذيب.  وتأتي الحقائق من الجَاسوس مغَّلفة ويَجِب أن يخونوا بلدهم و يكذبوا، لذا من الصعب التأكد من أن أشخاصا كهؤلاء معتادون على الـكذب وبارعون فيه لا  يخادعون بشأن المعلومات التي يسلمونها« .
71
استطاع عميل الاستخبارات العسكرية السوفيتية المزدوج والذي يعمل بدوام جزئي في السفارة الألمانية في طوكيو "ريتشارد" الحصول على موعد دخول الجيش النازي إلى أراضي الاتحاد السوفيتي، وأرسلها الى موسكو، وقد رفض ستالين القبول بهذا التقرير لأن مصدره كَانَ "إنسانا دنيئا  يقيم في بعض المصانع الصغيرة وبيوت الدعارة في اليابان".. لكن الالمان غزو روسيا.
72
وأحيانا ً تكون الدقة الشديدة للمعلومات سببًا لرفضها! وهذا حاصل في قصة مدير سابق لإحدى محطات وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية  الذي استطاع الحصول على كل خطط مصر وسوريا العَسكرية لحرب أكتوبر سنة 1973 والتي تذكر بالتفصيل ترتيب القتال وموضع كل وحدة، فأرسلها إلى مقر وكالة الاستخبارات في واشنطن ولـكنهم لم يصدقوه ولم يصدقوا مصدره، ... وأن محللي وكالة الاستخبارات المَرْكَزية لم يستطيعوا تقبل أن لديهم عميل  بهذه الجودة يستطيع تزويدهم بأمور كهذه، إلا بعد حصول الحرب والتأكد من صحة التسريب »أصبح مدير المحطة بطلا، مما عزز مصداقيته المستقبلية".
73
وأحيانا ً تجعل أخطاء الاستخبارات الشنيعة الجهة المقابلة تتردد في قبول أخبار العميل المزدوج، فكيم فيليبي رئيس قسم مكافحة الجواسيس في جهاز الاستخبارات السِرِّية البريطاني والعميل للسوفييت، قد عُيَّن في هذا المنصب الحساس دون التدقيق في تاريخه ونشاطاته الشيوعية واليسارية وزواجه من امرأة شيوعية ألمانية تدعى "ليتزي فريدمان"، وقد شكك بِشَكل واسع بفيليبي والمجموعة التي معه والتي كَانَتْ تسمى ب "خماسي كامبريدج"، وفي عام 1943 أرسل جهاز الاستخبارات السوفيتي إلى رئيس محطة لندن ان كل جواسيس كامبريدج الخمسة متعاونون مع البريطانيين: فلا وجود لأي تفسير آخر لـكيفية تمكن "جهاز الاستخبارات السِرِّية البريطاني وتنفيذية العمليات الخاصة من تفويض عمل دقيق كهذا في مجالات ذات مسؤولية لأفراد كانوا منخرطين في نشاطات شيوعية ويسارية  في الماضي!
زد إلى هذا السبب أن من أساليب الاستخبارات البريطانية اكتشاف جواسيس الدولُ الأخرى تَّم اعتقالهم وجعلهم يرسلون معلومات مضللة إلى الدول التي كانوا يعملون إليها. فاثناء الحرب العالمية كان كل جاسوس ألماني يهبط في بريطانيا إما أن يَتِّم أسره أو يعاد الى  المانيا. وقد شكك السوفييت بانه لربما يهب ليحصل  وليقدم معلومات مضللة للقيادة الألمانية.
لكن أحيانا يحصل العكس
وبنفس هذا المسوغ خسرت بريطانيا معلوماتِ استخبارات قيمةً لصالح الأمريكان، ففي نهاية عام 1943 بات يظهر أن دول المحور تسيرُ قُدما ً نحو الهزيمة، الأمر الذي جعل أفواجا ً من الضباط الألمان يقفون صفا ً أمام أبواب البعثات الدبلوماسية الحليفة عارضةً التعاون وطالبةً اللجوء، وقد وفد أحد الألمان العاملين في وزارة الخاَرِجَّية الألمانية إلى البعثة الدبلوماسية البريطانية في سويسرا وأحضر معه حقيبة ملأى بالوثائق.
وبعد أن سمع الملحق العَسْكَرِي ادعاءه قام برميه خارجا ً إذ كَانَ من غير المعقول أن يستطيع شخص ما المرور عبر مراكزِ التفتيش الألمانية مع حقيبة ملأى بالوثائق السرية، وبعد فشله مع البريطانيين حاول التواصل بالأمريكيين الذين كَانَتْ قواعدهم أقلُ صرامةً من الإنجليز، فاعتبر سكرتير البعثة الأمريكية أن القضية لها علاقة بالجاسوسية، وقد طلب من الرجل مقابلة ألين دالاس الذي قرر دون أي تردد أن الوثائق أصلية، وقد صدم الديبلوماسي الأمريكي بالوثائق الأمريكية لدرجة أنه استمر تحت تأثير الصدمة عندما ارسل  تقريره إلى واشنطن: لو استطعتم فقط مشاهدة  هَذِهِ الوثائق في حالتها الطازجة.