DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" - 19

- د.عبدالله النفيسي: الغزو العراقي للـكويت لم يكن مفاجئا، بل سبقته إرهاصات كثيرة لم تحسن الحكومة الـكويتية التعامل معها بجدية.

- امريكا وفرنسا وإيران حذرت الكويت، كلا على حدة، من غزو عراقي مقبل

-الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني حمّل السفير الكويتي في طهران رسالة تحذيريةً لحكومة الكويت بقرب دخول جيش العراق إلى أراضيها.

- كثرة عمليات التضليل بين أجهزة الاستخبارات جعلتها لا تأخذ بجدية أي ضربةِ حظ قوية تحصل مفاجأة

- وقعت خطة هتلر لغزو فرنسا في أيدي المخابرات البلجيكية، لكنها والمخابرات البريطانية والفرنسية تساهلت ولم تصدق أنها خطة، بل خدعة هتلرية!!

- وجدت المخابرات الألمانية أن للاجئ عراقي خلفيةً "علمية" مثيرةً للفضول خصوصا مع ضغطِ أمريكا على العراق بسبب برنامجُّ أسلحة الدمار الشامل

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.
في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة التاسعة عشر.
74
أحيانا ً تتردد وكالة الاستخبارات في التعامل مع التحذيرات الفجائية، لأنها سوف تتعرض للسخرية إذا تبين أنها كَانَتْ تحذيرات مخطئة، لذا تميل إلى التردد لدى تلقيها تحذيرات فيكون الأوان قد فات، كهذه، ربَما حتى وقت متأخر جدا.
والنموذج الفعلي على هذا الأمر مسألة غزو الكويت. يقول عبد الله النفيسي: "من يقرأ تقرير لجنة تقصي الحقائق عن أسباب غزو العراق لدولة الكويت ومقابلات اللجنة مع الأشخاص المعنيين والمعلومات المتجمعة لديها، يدرك تمام الإدراك أن الغزو العراقي لدولة الـكويت لم يكن مفاجئا، بل سبقته إرهاصات ومقدمات كثيرة لم تحسن الـكويت التعامل معها بجدية على مستوى القيادة والحكومة. فالسفير الـكويتي في العراق وقتها خالد البحوة نقل منذ 17/7/1990 رسالة مؤكدة من سفيرة الولايات المتحدة لدى بغداد، أبريل جلاسبي، مفادها أن صدام قرر احتلال الـكويت. أما د. طارق رزقي سفير الـكويت في باريس فقد أخبرته المخابرات الفرنسية بأن صدام قرر عملا عسكريا ضد الـكويت، ولذلك جاء السفير إلى الـكويت 30/7/1990 لإبلاغ المسؤولين بذلك. وأخبرني شخصيا سفير إيران لدى الـكويت حسين صادقي بأنه نقل نفس المعنى لوزير الخارجية الـكويتي آنذاك قبل الغزو بأسبوع استنادا إلى تقرير للمخابرات الإيرانية في البصرة بأن صدام على وشك الهجوم على الـكويت.
على الرغم من هذا الـكم الخطير من المعلومات والتهديدات كَانَ رد فعل المسؤولين في الـكويت: "لا داعي للقلق"!! أستدعي السفير الإيراني في الكويت إلى مقابلة أو بِشَكل أدق الرئيس الإيراني آنذاك "هاشمي رفسنجاني" وأعطى رسالة ً تحذيريةً لحكومة الكويت لقرب دخول جيش العراق إلى أراضيها، وبعدما ذهب السفير إلى الكويت وقابل المسؤولين، قال: "لم يأخذوها مأخذ الجد" وكان ردهم عليه" شكرا.  
75
وكثرة عمليات التضليل بين أجهزة الاستخبارات جعلتهم لا يأخذون بجدية أي ضربةِ حظ قوية تحصل مفاجأة، لذلك تجدهم يرفضون ما يُعتَبَرُ هديةً من الله، مثل ما حصل مع الوثائق النازية السِرية حول غزو فرنسا والتي وقعت بين يدي الاستخبارات البلجيكية، ففي العاشر من يناير عام 1940 خلال العام الأول من الحرب العالمَّية الثانية حدث أن كَانَتْ طائرة ألمانية تحمل رسائل خاصة في رحلة بين موقعين في ألمانيا وقد ضلت هَذِهِ الطائرة طريقها بعد أن نفذ منها الوقود، وأرغمت على الهبوط اضطراريًا في مكان ما اتضح أنه بلجيكا، وقد كَانَتْ الطائرة تحمل الخطة الكاملة لغزو ألمانيا لفرنسا عبر بلجيكا وهي الخطة التي كَانَ هتلر قد أمر بالفعل بالبدء في تنفيذها وعندما أدرك قائد الطائرة المكان الذي هبط فيه قام سريعا ً بإشعال النيران وحاول حرق جميع الأوراق التي كَانَتْ على متنها إلا أن السلطات البلجيكية أدركته قبل أن يَتِّم عمله واستردت أوراقا شبه محترقة ً وأخرى نصف سليمة وأخرى سليمة لتجمع معا لتكشف الخطة الألمانية. كل هذا مفهوم، ولكن الغريبَ هو ردةُ فعِل بعض كبار المسؤولين في بريطانيا وفرنسا أنها خدعة ألمانية وليست خطة فعلية. وتساءلوا: كيف يمْكِن للألمان أن يكونوا بمثل هذا التساهل بحَيْث يسمحون لطائرة صغيرة بأن تحلق بالقرب من الحدود البلجيكية في مثل هذا  الجو السيء وعلى متنها خطة غزو تامة ومفصلة؟!
76
ومثل ذلك ما حدث مع الألباني "سيسرو" الذي استطاع أن يكسرَ قفلَ خزانة السفير البريطاني في تركيا، واطلع على وثائق بريطانية سرية للغاية عن مجريات الحرب، وعرض في أحد الأيام بيع الوثائق للألمان فضلا ً عن مواصلة إمدادهم بوثائقَ مماثلة، وقد تَّم قبول عرضه مبدئيًا إلا أن الخبراء في برلين لم يكن بوسعهم أن يصدقوا تمامًا أن تسريب هَذِهِ الوثائق ليس  خدعةً بريطانيةً ! فالشاهد إن عَمَلِّية التضليل تؤدي ليس إلى رفض أخبار العميل بل حتى إلى رفض الوثائق السِرية!
77
أحيانا ً يؤدي الإفراطُ في تصديق العملاء إلى نتائجَ كارثية ، إما أنها ترتد على الدولة نفسها، أو تؤدي إلى كوارثَ كبرى مثل احتلال العراق.
فمثلًا العميلُ رافد أحمد علوان الجنابي المعروف في الأوساط الاستخباراتية بــ : "كورفبول"، فقد هرب من بلاده سنة 1999 بعد أن اتهمَ بعمليةِ احتيال تافهة، ووصل إلى ألمانيا في احد مخيمات طالبي اللجؤ، وكان الخبر منتشرا  بين النزلاء في المخيم، ان زيارة مكتب الاستخبارات الألمانية خلف مركز اللاجئين سيسرعُ طلب اللجوء، فذهب إليهم وأخبرهم أنه درس الهندسة الكيميائية في جامعة بغداد للتكنولوجيا، ونُقِلَ خلال خدمته  العسكرية برنامج صدام حسين لأبحاث التسلح؛ هيئة التصنيع الحربي ثم عمل في مركز الهندسة الكيميائية والتصميم في بغداد على معدات لمعالجة البذور والعوامل البيولوجية. فوجدت المخابرات الألمانية أن لعلوان خلفيةً مثيرةً للفضول خصوصا مع ضغطِ أمريكا على العراق بسبب برنامجُّ أسلحة الدمار الشامل ثم اخضع علوان للتحقيق على يد الدكتور بيتر والذي أصبح الضابط المسؤول عنه.
==