DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" -7

- الجَاسُوس المغربي عمر ناصري اخترق الجماعات الإسلَامِية في التسعينيات حبا في المال، لكنه لخص تجربته بالقول: خاطرت بحياتي للاشيء..لا شيء على الإطلاق"

- ضابط الاستخبارات السوفيتية فولـكوف قتلته وزوجته مخابرات بلاده في اسطنبول بينما كان يهم لتقديم معلومات للاستخبارات البريطانية مقابل المال

-اكتشفت المخابرات البريطانية أن أحد عملائها يسرب وثائق سرية للسوفييت سنة 1965، رتبت له كمين وحكم بالسجن 21 سنة  

- استطاع الجَاسُوس بكيل أحمد فاضل أن يتسبب بقتل القائد الميداني في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حمزة الزنجباري واثنين من رفاقه

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.
في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة السابعة
25
أثناء الحرب العالمَّية الثانية استخدمت بريطانيا المالَ من أجل الحصول على المعلومات الحساسة عن الضباط الألمان، يحكي كيم فيليبي قائلًا: "أعطى –أي الرئيس- أرمادا الصلاحية لصرف مبلغ كبير من المال ِ لشراء معلومات حول كبار ضباط الاستخبارات الألمانية في إسبانيا. وقد وصلت وأعطاني برقية وكانتْ قصيرة للغاية تحتوي هَذِهِ المعلومات دزينة من الأسماء وبعض المعلومات عنها: "غوستاف لينز" رئيس العمليات الخاَرِجَّية، "نانس غوده" مسؤول المخابرات البحرية إلخ ... والذي أزعجني في الأمور أنني اكتشفت فيما بعد مصدر أرمادا وكان ضابطا عاليا في الأمن الإسباني، وكانت أسعاره عالية بالتأكيد. وأما أنا فكنت أناضل لـكي أحصل على خمِس جنيهات إضافية لعملاء كانوا يزودوننا بمعلومات متواصلة ، وإن كَانَتْ أقلَ استعراضية من تلك".
26
الجَاسُوس المغربي عمر ناصري والذي اخترق الجماعات الإسلَامِية في التسعينيات، كَانَ سبب عمله كجاسوس هو حبه للمال. فقد أقَّر "أنه أصبح جاسوسا لأنه كَانَ طماعا، فقد سرق بعض المال من الجماعة في أحد الأيام، واكتشف رفاقه أنه اللص، وأخبره أخوه ِ أنهم سيقتلونه إن لم  يرجع المالَ، وبما أن الخيارات كَانَتْ محدودة امامه، ظن ناصري أن المعلومات التي بحوزته عن نشاطات الجماعة الإسلَامِية المسلحة تستحق شيئا. لذا قصد المديرية العامة للأمن الخَارِجِي عبر دخوله القنصلية الفرنسية في بروكسل". إن الطمع الذي كَانَ لديه وجعله يسرقُ المالَ وهو في الجماعة الإسلَامِية المسلحة هو نفسه الذي جعله يقصِدُ مديريةَ  الأمن الفرنسي للعمل كجاسوس فقد "كَانَ يأمل في أن يكشف أسراره لقاء مكافأة ضخمة".
وبعد أن أمضى سنة ونصف في معسكرات القاعدة في أفغانستان، رجع ناصري إلى فرنسا محملًا بكمية كبيرة من المعلومات عن المعسكرات وبرامج تدريبها والشخصيات، ولكنهم بالكاد اهتموا بما قاله، وقرر الفرنسيون أنه يَجِبُ تشغيله بالتعاون مع جهاز الأمن البريطاني MI5، ولكن كما يقول ناصري عن الاستخبارات البريطانية: "كرهت طريقة إخبارهم أنهم سيشغلونني كما لو أنني كنْت حيوانا في السيرك"، ولم تلبث أن انهارت علاقته مع الاستخبارات البريطانية وأخبرته أنه غيرُ مرغوب فيه بالبلاد وطلبت منه المغادرة، ثم انتقل للعمل مع الاستخبارات الألمانية ولم يلبث أن تركهم ولخص ناصري تجربته بالقول: "أشعر بأني خاطرت بحياتي للاشيء..لا شيء على الإطلاق".
27
يعد ُ الضابطُ فلوكوف من الأمثلة الحية عن التجسس مقابل المال؛ فقد كَانَ ضابطَ مخابرات سوفييتي يعملُ في مكافحة التجسس ويعرِفُ َ أسماء الجواسيس ومواقع عملهم، اتصل بالقنصلية البريطانية في إسطنبول وعرض كشف أسماء الجواسيس السوفياتِ في بريطانيا مقابل المال. أعطى لأحد موظفي السفارة قائمة بالمؤسسات التي يعمل فيها هؤلاء الجواسيس. ولسوء حظ فولـكوف أن قائمته هَذِهِ وصلت إلى مكتب كيم فيليبي في قيادة MI6،وكان فيليبي في ذلك الوقت رئيس قسم مكافحة التجسس السوفياتي، فقام بإقناع رئيس الشعبة بالسماح له بالذهاب إلى تركيا بحجة ترتيب هرب فولـكوف. ثم  ّأخر فيليبي وصوله إلى إسطنبول مدة يومين. وهكذا اختفى فولـكوف. ويعتقد الأتراك بأن فولـكوف وزوجته نقلا على حمالة إسعاف إلى طائرة سوفياتية أقلتهما من إسطنبول إلى موسكو.
29
في سنة 1965 تَّم اكتشاف تسريب وثائق بالغة السِرَّية والأهمية تتعلق بالأسلحة الموجهة إلى الاتحاد السوفيتي، فتم تحديدُ الأشخاصِ المشبوهين الذين بإمكانهم الوصولُ إلى هَذِهِ المعلومات ووضِعُوا تحت المراقبة، وتم التركيز على شخص اسمه بوسارد، يقول بيتر رايت: »وكان يستغل ساعة الغداء ليذهب لأخذ حقيبة من مكتب الأمتعة في محطة مترو واترلو ثم يذهب بها إلى فندق ليسجل وجوده هنَاكَ تحت اسم مستعار. ويبقى في الفندق حوالي نصف ساعة ومن ثَّم يعود إلى العمل ويعيد الحقيبةَ إلى مكتبِ أمتعةِ المحطة.
قامت MI5 بفتح الحقيبة بعد أخذها من المحطة في وقت مناسب، فوجدت فيها كاميرات نسخ وثائق وأفلام ..  فاتخذ قرار اعتقال بوسارد في المرة القادمة عندما يأتي ليأخذ الحقيبة من محطة واترلو.
حدث ذلك في 15 آذار 1965، حيث القي القبض عليه متلبسا في عَمَلِّية تصوير وثائق ذات أهمية قصوى وعندما تمت مواجهته بأن MI5 تعرف كل شيء... اعترف بأنه كَانَ يزوِد الوثائق السِرِّية عن طريق صناديقِ الرسائل مقابلَ المالِ وكان يستلِم مستحقاته المَالَّية بنفس الطريقة، وفي أيار عام 1965 حكم على بوسارد بالسجن 21 سنة".
30
لكن هل فعلا ً المال لا يؤثرُ وغيرُ فَّعال في اختراق الجماعات الإسلامية؟ يقول ستيفن  غراي عن المنتسبين إلى هَذِهِ الجماعات: "الرشوة لم تحرضهم لـكي يتجسسوا"، وقد يستدل البعض بحادثة "همام البلوي" الذي قال: "فحاولوا إغرائي بالمال وعرضوا علي مبالغ تصل إلى ملايين الدولارات حسب الرجل المستهدف، وخاصة قادة قاعدة الجهاد في بلاده أن يحفظهم، فكانوا يعرضون علي الملايين في بلاد خراسان ولم يكن ذلك مجرد كلام. هم يظنون أننا نعبد المال ونعبد الشهوات كما هم يعبدونها".
31
بينما قد يُفلح المال في اختراقِ الجماعاتِ الإسلَامِّيةِ بل وقد أغرى المال بعضهم، فقد استطاع الجَاسُوس بكيل أحمد فاضل أن يتسبب بقتل القائد الميداني في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حمزة الزنجباري واثنين من رفاقه، من أجل المال، وقد عثِرَ على فيديو في هاتفه الشخصي بعد اعتقاله وهو يسبح بين الأموال التي أعطيت له مكافأة على مهمته هَذِهِ، ويقول خالد باطرفي، القيادي في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب: "يستغلون تلهف هذا الجَاسوس للمال ليستخدموه كأداة قتل  رخيصة ضد المسلمين والمجاهدين"، وكذلك من تسبب بقتل القيادي في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خولان الصنعاني والقيادي الآخر نبيل الذهب كَانَ هو الجَاسُوس عثمان الشهري الذي اعترفَ أنه جُند بدافع المالِ ، يقولُ هذا الجَاسُوس: "أنا نقطة ضعفي حب المال، جاؤوني من ناحية المال".