DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" -8

-عند ما ارادت "القاعدة" رشوة الاستخبارات الباكستانية، خافت الاخيرة من الامريكان الذين كانو معهم لاعتقال احد قيادات التنظيم

- استحوذ الجشعون من الشرطة الباكستانية على مال كثير لدى  أحد قيادات القاعدة وقالوا له: "مستعدون لإطلاق سراحك شرط أن تتنازل لنا عن المبلغ

-قدم جمال القيادي في القاعدة على طبق من ذهب للاستخبارات الامريكية معلومات تفصيلية عن بن لادن وحال التنظيم اقتصاديا وعسكريا

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم  يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.

في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة الثامنة
32
الجماعات الَّثورِّية تستخدم دافع المال لصالحها أيضا. وعلى قاعدة "المال مقابل المعلومات"، وكذلك من  أجل شراء ذمم العاملين مع العدو لحماية أنفسهم أيضا ً في كثير من البلدان، إن لم نقل في  أكثرها يمْكِن التخلص من المآزق بالمال. يقول المسؤول الأمني في تنظيم القاعدة عبد الله العدم موضحا ً كيفية تطبيق الكلام السابق: "عندما جاءت الاستخبارات الباكستانية، وأحاطت المنزل الذي كنا فيه برفقةِ أبي زبيدة. سيطروا على المنطقة قاموا بمحاصرة المنطقة من كل مكان. أمر أبو زبيدة أحد الإخوة وأعطاه مبلغا كبيرا من المال وقال له: إذهب للتفاوض معهم، من أجل رشوتهم، ولـكن هؤلاء بسبب وجود الأمريكان معهم، لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا، كعادتهم دائما يشترونَ بالمالِ ، ولـكن هَذِهِ المرة بسبب وجود الأمريكان لم يقبلوا".
33
وأحيانا ً لا تحتاج أن تذهب إليهم وتعرض عليهم بل هم يأتون إليك ويعرضون عليك خدماتهم، كما حصل مع إبن الشيخ الليبي. يقول القيادي في تنظيم القاعدة أبو يحيى الليبي: "حينما قبض عليه أودعَ سجن كوهات. وحيث كَانَ هو أمير تلك المجموعة –أي ابن الشيخ- في باكستان و سرت، استحوذ الجشعون من الشرطة والاستخبارات الباكستانية على مبلغ من المال والذي كَانَ معه وقالوا له: "نحن مستعدون لإطلاق سراحك بشرط واحد أن تتنازل لنا عن المبلغ الذي معك من المال كاملا"، فأجابهم قائلا: "لا أقبل هذا إلا إذا وافقتم على إطلاق جميع  الأسرى الذين معي"، فأبوا ذلك".
وهذا ليس بغريب على الاستخبارات الباكستانية، التي رأت في اعتقال مقاتلي الطالبان والقاعدة ومن لف لفهم فرصةً لتكوين ثروة مالية، وكما يقول سفير طالبان في باكستان عبد السلام ضعيف بعد أن تَّم توقيفه واعتقاله في باكستان: "كنْت أعلم أن القيمة المعنوية لديهم مرتبطة بقيمة المبلغ المَالِي المحترم الذي سيقبضونه عندما يبيعونني. كانوا يتاجرون بالبشر تماما كما يفعلون بالماعز. كلما ارتفع سعر الشاة ازداد سرور البائع".
34
أحيانا ً، التلهفُ الشديدُ للمال يجعلُ الشخصَ ينتقلُ من كبيرة إلى كبيرة إلى أن يقع في الكفر، فبعد أن يُفلِسَ ويخسرَ في تجارته لا يريد أن يتقبل الحقيقة وما آل إليه الأمر، بل لابد أن يدخل في تجاربَ جديدة يكون رأسمالها معلوماته التي يعرفها عن أصحابه السابقين، فيشي بهم ويقف مع عدوهم ضدهم، مثل قصة السوداني جمال أحمد الفضل. يقول عضو الشورى في تنظيم القاعدة بجزيرة العرب "أبو خبيب السوداني" حاكيا ً قصته في نص مطول:
»وعندما غادر الشيخ أسامة إلى السودان كَانَ جمال من أول المغادرين إلى هنَاكَ ليكون قريبا منه فقد كَانَ الشيخ يستعين به في قضاء كثير من الأمور. وعندما تأسست شركة طابا دير التجارية كَانَ جمال هو المدير التجاري للشركة وكنت أنا محاسبا أدير دفاترَ الحساباتِ وأرصدةَ البنوك، وكان من أمر هذا الرجل أنه كَانَ يشترط على الزبائن دفع عمولة معينة لصالحه جمع منها مالا حراما مكنه من شراء بيت وسيارة وبناء مصنع صغير للزيوت، وقد علمت الشركة بموضوع العمولات من أحد الزبائن أثناء العام 1993م، فقدمَ جمال استقالته من الشركة وذهب يشق طريقه بنفسه، وبطريقة ما فيما بعد وبالتعاون مع أحد مدراء البنوك استطاع أن يحصل على قرض حسن قيمته أربع مئةِ مليون جنيه سوداني تعادل في تلك الأيام حوالي ثلاثَمئةِ ألفِ دولار اشترى به كميات كبيرة من الفول السوداني ليقومَ بعصرهِ في مصنعه ثم يبيعَه في السوق المحلي.
قام جمال بتخزين هَذِهِ الكميةِ الـكبيرةِ من الفول في فناء مكشوفه، وشاءت إرادة الله أن هطلت أمطار غزيرة على الفول أحالت أحلامه إلى هواء. الله يمهل ولا يهمل.
أدرك جمال حجم الكارثة التي ألمّت به فحمل معه ما كَانَ في حوزته من مال وفر هاربا خارج البلاد أواخر عام 1995م. المهم أنه تجول هنَا وهناك حتى نفذ جيبه وأسقط في يده ولم يجد ملجأ من الله الا الشيطان الأكبر أمريكا والعياذ بالله ، فلجأ إلى سفارتها، وقدم لهم نفسه أنه عضو في تنظيم القاعدة وأنه من المقربين إلى أميرها الشيخ أسامة وأن لديه كنزا من المعلومات وأن الشيخ أسامة هو الذي كَانَ يستهدِف مصالحهم في الصومال وشرق أفريقيا.
حقق معه الأمريكان تحقيقا أوليا ووجدوا فعلا أن الرجل كما يقول يملِك كنزا ِمن  المعلومات ، فطاروا به مباشرة إلى نيويورك وأدخلوه تحت برنامج حماية الشهود. لم يكن الأمريكان قبل جمال الفضل يملـكون من المعلومات إلا النزرَ اليسير عن نشاط القاعدة والشيخ أسامة، وهذا باعترافهم، فقدم لهم هذا المخذول على طبق من ذهب كما هائلا من المعلومات عن نشاط القاعدة بشقيه العَسْكَرِي والاقتصادي.
وكان هذا هو الشاهد الَّرئِيسِ رقم واحد ضد كثير من الإخوة الذين حوكموا في نيويورك عام 2000 بتهمة تفجير السفارات في نيروبي ودار السلام وعلى رأسهم الشيخ أبو هاجر العراقي ووديع الحاج وآخرين. كَانَ من نتائج هَذِهِ المعلومات أن تَّم التضييق المباشر من أمريكا ووكلائها على السودان".
يتطابق هذا الكلام مع رواية الدكتور أيمن الظواهري الذي قال أن جمال "كَانَ عضوا في القاعد ثَّم عينه الشيخ أسامة بن لادن في إحدى شركاته في الخرطوم، فاختلس منها أموالا، أضاف إليها أموالا أخرى احتال على أخذها من إخوة آخرين، ثم عاش حياة من  الاحتيال والغش، وكانت إحدى آخر مغامراته شراكة تجارية مع أحدِ أصحابِ النفوذ في السودان ثم لما غش كالعادة، وهربَ بالمالِ، أحَّس بأن الخناق قد ضُيّق عليه في السودان، ففي هَذِهِ الفترة سلم نفسه للأمريكان، ليحاولَ أن يستثمر َ ما لديه من حقائقَ مخلوطة  بأكاذيب وقدمها للأمريكان، الذين رحبوا به، ووضعوه تحت رعاية برنامج حماية الشهود، ثم حاول استدراج صهره محمد النافع لألمانيا بحجةِ وجود فرص للعمل، فلما جاءه قبض عليه الأمريكان، وطالبوه التعاون معهم مثل جمال الفضل، فلما أبى، حكموا عليه بالسجن عشر سنوات. ثم مارس  دوره أكثر من مرة مع المخابرات والمحاكم الأمريكية".