DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" - 20

- ادعاءات كورفبول "علوان" بمشاهدته إنتاجا حديثا للأسلحة الجرثومية العراقية عام 1998 كَانَتْ وهمية

-تلاعب علوان بمسؤول المخابرات الألماني الذي صدق كل كذبة كان "كورفبول" يدعي فيها ان العراق يمتلك اسلحة جرثومية

- ادعى علوان كذبا بأن مستودع في جرف النداف -جنوبي بغداد- تأتيه شاحنات يُعاد ملؤها وكَانَتْ تحتوي على معدات لتخمير الجراثيم وتجفيفها"

- لم يقتنع الدكتور بيتر بأنه قد خُدع إلا بعد أعلان علوان "أن الرواية ملفقة" وأنه كان يكذب!!

-اعتمدت أمريكا على رواية كاذبة عن أسلحة الدمار الشامل لتبرير غزو العراق

- بعد غزو العراق وتدميره وتهجير أهله، خرج علوان (كورفبول) قائلًا "تسنت لي الفرصة لألفِق شيئا لإسقاط نظام الحكم"

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.

في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة العشرين.

ولد رافد أحمد علوان، وهو عراقي من قبيلة الجنابي، في العاصمة بغداد في العام 1967، غادر العراق لأسباب مجهولة في العام 1999، ويقول البعض إنه اتهم بعملية احتيال تافهة. سافر إلى الأردن ومصر والمغرب ثَّم فرنسا، ثَّم عبَر الحدود الألمانية في سيارته متوجها نحو نورنبرغ في بافاريا. كَانَ يريد لجوءا سياسيا في ألمانيا. وقد تظافرت لدى علوان الظروف لتمريرِ روايته، منها:

أولا: إن ما أخبر بهِ هو بالضبط ما كَانَتْ تحتاجه المخابرات الألمانية والمخابرات الغربية. مما جعلهم يتساهلون في تقييم المصدر ومصداقيته لأنه فقط أعطاهم ما يريدون. فعندما سئل براين جونز وهو من كبار محللي الاستخبارات في الاستخبارات الدفاعية البريطانية عن سبب، قال: "إن محتمل تغاضي جهاز الاستخبارات السِرَّية عن قلقه بأن كورفبول كَانَ ملفقا قصة مختبرات الأسلحة الجوالة، وأن معظم ضباط الاستخبارات في بريطانيا والولايات المتحدة كانوا دائما متضايقين.

لـكن ذلك تغيَر عندما ظهرت مصادر جديدة فجأة لتأييد القصة. انَ هنالك دائما حذر كبير بشأن كورفبول على جانبي الأطلسي إلى أن برزت الحاجة إلى بعض المستندات "الحاسمة" بمعنى أن الضغط لتقديم مستندات للعموم شجع رؤساء الاستخبارات على التخلي عن حذرهم«.

لم تستطع المخابرات –كما تزعم- التأكدَ من سجله والسؤال عنه والتثبت من تاريخه وصحة أقواله عن ماضيه حتى لا تُعرفُ هوية المصدر السري الذي كَانَ يزودهم بالأخبار. وعندما تَّم استجواب العراقي "لطيف" المدير السابق لعلوان في عمله والذي انشق وسكن في سلطنة عمان من قبل اثنين من ضباط المخابرات كَانَ الاستجواب ناقصا . فلـكي يتجنبا الإفصاح عن هوية مصدرهما لم يتمكن الثنائي من طرح أي أسئلة محددة عن علوان. لذا فشلَ المستجوبان في أن يعرفا من لطيف إن كَانَ علوان قد طرِد من مركز الهندسة الـكيميائية والتصميم في العام 1995 أم لا. ولو أنهما سألاه عن هَذِهِ النقطة لتوضيحها لكان بإمكانهما تنبيه المملـكة المتحدة وألمانيا قبل الحرب إلى أن ادعاءات كورفبول "علوان" بمشاهدته إنتاجا حديثا للأسلحة الجرثومية في العام 1998 كَانَتْ وهمية. وهذا مثال عن أن السِرِّية في  حماية المصدر يمْكِن أن تكون مكلفة جدا أحيانا .

ثانيا: استطاع علوان الحصول على كتب تعليمية ومستندات تمكِنُ من خلالها تأليف روايته  للحدث بالدمج ما بين شهادته ورؤيته للمعامل في العراق والأمور العلمية والتقنية التي استطاع الحصول عليها من الدكتور بيتر؛ فقد كَانَ يملكُ معرفةً تقنيةً َحقِيْقِّية  يصِفُ الأماكن وصفا ً دقيقا ً مما أعطى لكلامه شيء من المصداقية.

ثالثا : سذاجة الدكتور بيتر الذي باشر التحقيق معه، فقد تلاعب به علوان بمهارة. يقولُ  ستيفن غراي: "قال علوان: إن الدكتور بيتر لم يعامله إلا بلطف، ولـكنه لم يكن محترفا  وعندما سألته إن كَانَ قد تلاعب بالدكتور بيتر؟ ابتسم لي العلوان ولم ينطق بكلمة".

وقد لاحظ طبيب تابع لوكالة الاستخبارات المَرْكَزية الأمريكية يدعى بـ "لس" أن الدكتور بتير كان مقربا جدا من الدكتور كورفبول "علوان"، وحكى أنه »كَانَ واضحا لي أن الضابطَ المسؤولَ ً جدا ً كَانَ معجب به ويعتبره لا  يخطئ؛ أعني أن القصة كَانَتْ صحيحة مئة في المئة".

هذا التعاطفُ والسذاجةُ جعلت من الدكتور بيتر مرقعا ً للثغرات والأخطاء الواضحة الموجودة في رواية علوان.  يستطيع المجنِد أن يخترع منطقا لإثبات صحة ما يقوله العميل، سواء أكانت معلومات العميل منطقية حقا أم لا. يستطيع المجنِد أن يصبح أداة للـكذبة، فيساعد في تغطية كل تناقض في الأقوال. ويمكن أن يحصل كل هذا عن غير إدراك . فكلما ازداد تعاطف المستجوبِ مع العميل، ازداد احتمال أن يخترع بنفسه وبأمانة كبيرة ، مبررات ليفسرَ ما يبدو غير مناسب في تقريره« ..

والتطبيق العملي على هذا عندما شرح علوان شرحا ً مفصلا ً عن مستودع في جرف النداف -جنوبي بغداد- حَيْثُ كَانَتْ شاحنات متنقلة تأتي لكي يُعاد ملؤها. وقال "إن الشاحنات كَانَتْ تحتوي على معدات لتخمير الجراثيم وتجفيفها". وكان المكان الذي وصفه كورفبول معروفا للاستخبارات الغربية ومفتشي الأمم المتحدة.

ولـكنهم يعرفون أنه مبنى صغير وضيق ومحاط بجدران عالية، وكان عليه أن يشرح كيف تستطيع الشاحنات الدخول والخروج.

وعند سؤاله عن هذا قال كورفبول إن الشاحنات تخرج عبر جدار ذي مفصلات في زاوية. كَانَتْ المشكلة هي أن الجدار ذا المفصلات لم يكن موجودا. وتوضح ذلك من الصور الفوتوغرافية الملتقطة في العام 2001 بواسطة الأقمار الاصطناعية الأمريكية التي كشفت وجود جدار إضافي في الطريق. أبلغ كورفبول عن الصور، ولـكنه لم يأبه لها وتشبث بروايته. ولعبت التبريرات دورها مرة أخرى. فقد استنتج الدكتور بيتر والمحللون الأمريكيون أن البنية التي تبثها الأقمار الاصطناعية لابد أن تكون مؤقتة أو جزء  من حيلة".

ولم يفق الدكتور بيتر على أنه خدع إلا بعدما أعلن العلوان أنه كذاب!". فبعد التفتيش في كل زاوية من زوايا العراق وعدم العثور على أي شيء، وحتى بعد أن اعترفَ كورفبول (علوان) أن الرواية كَانَتْ ملفقة وأنه كذاب، صدق الدكتور بيتر أخيرا.

ولم يكن أحد يرغب في أن يلفت نظر الدكتور بيتر إلى أن »الرجل الذي كَانَ حقا يمد  كورفبول بكل أكاذيبه - وربما عن غير إدراك ومن دون خبث - كَانَ الدكتور بيتر نفسه.

ومع هذا ظل البعض يأبى الاعتراف بالهزيمة والخداع وبقي مصدقا ً رواية علوان!. إن العديد من الاستخبارات الألمانية ظلوا يصدقون قصة كورفبول حتى بعد انتهاء حرب العراق، قال غوتز: تكلمت مع جميع الأشخاص الضالعين في هذا الموضوع. إنهم يصدقون.. حتى بعد سنين  من انتهاء الحرب، وحتى بعد أن بحثوا في كل أرجاء العراق ولم يعثروا على شيء.

78

اعتمدت أمريكا على رواية أسلحة الدمار الشامل وغيرها من الأسباب لتبرير غزو العراق، ولكن بقية الأسباب سقطت وبقي سبب أسلحة الدمار الشامل، يقول الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في مذكراته: "بدأنا العمل على جدال آخر، وهو تصريح بالحرب، طلب الـكونغرس الأمريكي من الاستخبارات تحضير تقييم استخباراتي وطني لتحليل برنامج صدام لأسلحة الدمار الشامل. جمعَتْ المخابرات الأمريكية التقييم الاستخباراتي الوطني باستخدام البيانات نفسها التي أطلعتني عليها في الأشهر الثمانية عشر الماضية. وقد توصَل التقرير إلى أن بغداد تملك أسلحة كيميائية وبيولوجية.

لقد كَانَ للمخابرات تأثيرها على أعضاء الـكونغرس. فوفقا للسيناتور جون كيري الذي قال: "حين أقوم بالتصويت لأمنح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السلطة لاستخدام القوة إذا لزم الأمر لنزع الأسلحة من صدام حسين، فالسبب الوحيد الذي يدعوني لذلك هو اعتقادي بأن وجود ترسانة فتاكة من أسلحة الدمار الشامل بين يديه يمثل تهديدا جسيما".

79

وبعد أن حصد الأغلبية داخل أمريكا لم يضرب اعتبارات مجلس الامن أو الامم المتحدة، وغزا ً العراق بناء على  هَذِهِ التقاريرِ التي كَانَ كورفبول أحد أهم مصادرها المعتمدة ثم بعد حصول الغزو وما جَّر على العراق من قتل وتهجير وتدمير، خرج علوان أو والموثقة، كورفبول قائلًا "تسنت لي الفرصة لألفِق شيئا لإسقاط نظام الحكم. أنا وأولادي فخورون بهذا لأننا كنا السبب بإعطاء العراق هامشَ الديمقراطية". وقد صرح بالشيء نفسه للــــBBC  عندما صارحه المراسل الصحفي: "الحقيقة هي أننا ذهبنا للعراق بناء على كذبة،  وتلك الـكذبة كَانَتْ من نسج خيالك !!"، أجاب كورفبول بابتسامة متكلفة: "نعم".