DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" - 22

- تم تنظيم الجاسوس البريطاني "ستيكانيف" في صفوف الجيش الجمهوري قد توغل حتى أصبح الرجل الثاني في جناح مكافحة التجسس في الجيش الجمهوري الإيرلندي

- أُتهم العميل "ستيكانيف" بعلمه عن وجود خطة لنصب كمين لضابطين  كبيرين في شرطة أولستر الملـكية وقتلهما على الحدود ولم يفعل شيئا لإحباط ذلك.

-زُرع أنطونياديس في عصابات المخدرات ببريطانيا، لكنه تمادى في النشاط الجرمي وأصبح يتاجر بها في الخارج، فصدرت مذكرة إنتربول من اليونان، ولما وطأت قدماه ألمانيا تَّم اعتقاله.

- تدفع الشرطة في معظم البلدان للمجرمين النشطين ليكونوا مصادر لها ولمحاولاتها الخفية، وقد اتصلت المخابرات الأمريكية بأعضاء في المافيا  للإطاحة بالرئيس الـكوبي فيدل كاسترو، وعندما أنكشف الأمر وقع الحرج

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.

في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة  الثانية والعشرين..والأخيرة.

87

تقع حالات ترتكب فيها جرائم، ولا أدلُ على ذلك مما قد حصل في الحرب البريطانية مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، فكما تقدم أن "ستيكانيف" وهو جاسوس بريطاني في صفوف الجيش الجمهوري قد توغل حتى أصبح الرجل الثاني في جناح مكافحة التجسس في الجيش الجمهوري، وكانت هَذِهِ الوحدةُ معروفة الرَكِب، وتنفيذ عقوبات أخرى بحق بفرقة: جمع الجوز، وكانت مشهورة بإطلاق النار على الخونة.

ووفقا ً لعميل جهاز فْرُو الاستخباراتي المشارك في الحرب البريطانية ضد الجيش الجمهوري الإيرلندي "بيتر كيلي"، فإنه يقول: "كَانَ البريطانيون مضطرين إلى السماح لستيكانيف المشاركة؛ ليس فقط في إطلاق النار على الركبة وتعذيب خونة الجيش الجمهوري الإيرلندي المزعومين فحسب، بل في قتل العديد منهم أيضا.

ثَّم تورط "ستيكانيف" في عمليات أخرى مثل الاختطاف، فقام باختطاف أحد المشبوهين، وهرب هذا المختطف واتهم ستيكانيف في أحد أقسام الشرطة بأنه هو من اختطفه، ويقول ستيفن غراي استدراكا على هَذِهِ الحادثة: توضح التهم التي وجهت ضد ستيكانيف، والتي أسقطت في نهاية المطاف، أصعب جزء من عَمَلِّية تشغيل العملاء أمثاله، وأعني كيفية منعه من أن يكون متواطئا في الجرائم، وأما مارتن ماكغارتلاند الذي كان مجندا من قبل شرطة أوليستر الملكية من أجل اختراق الجيش الجمهوري الإيرلندي فإنه جبِرَأ على التواطؤ في جريمة قتل الجندي طوني هاريسون من فوج المظليين البريطانيين في شرق بلفاست، إذ لم يكن من الممكن إيقاف جرائم القتل دائما

88

وأحيانا ً تكون الجناية في المعرفة، وذلك بحصول استهداف لشخصيات أو أماكنَ معينة دون الإخبار عنها، فمثلًا العميل التابع لجهاز " فْرُو" والمسمى بـ براين نيلسون اتهِمَ أنه قد عرفَ أن أحدهم سوف يُستهدَفُ ولم يبلغ. ففي العام 1989 قتل فينوكين في منزله أمام زوجته وأولاده الثلاثة الذين اختبؤوا تحت المائدة في غرفة الطعام. ولم يمر وقت طويل حتى ازداد  الشك بأن نيلسون كَانَ يعرف عن مخطط قتله، وأنه ساعد في تنفيذه أيضا .أدى موت فونكيك إلى انطلاق سلسلة من التحقيقات الرسمية، ومما خلص إليه القاضي بيتر كوري

الذي راجع قضية فينوكين إنها كَانَتْ دلالة على أن الجهاز الأمني والفرع الخاص لشرطة أولستر الملـكية اعتبرا أن أمن العميل أهم من الحاجة إلى تحذير شخص مستهدف كَانَتْ حياته في خطر. ويقصد أنه لو بَّلغ نيلسون لشُك فيه مما جعله يقدم سلامته على سلامة المستهدف.

وقد أتهم "ستيكانيف" بمثل هذا وهو معرفته بحصول كمين أو هجوم دون الإبلاغ مما جعله متواطئا ً بِشَكل أو بآخر، فقد كَانَتْ لديه معرفة مسبقة بوجود خطة لنصب كمين لضابطين  كبيرين في شرطة أولستر الملـكية وقتلهما على الحدود ولم يفعل شيئا لإحباط ذلك«.

89

مثال اخر أنطونياديس الذي جندته بريطانيا في قبرص واستقر لاحقا ً في بريطانيا فقد باشر عمله باختراق عصابات المخدرات في بريطانيا، و كان عميلًا محميا ً من قبل مؤسسة الجمارك وقد كسب ثقة المهربين والمدمنين، وكان لابد من السماح بمرور بعض شحنات المخدرات والتغاضي عنها من أجل إنجاح تغلغل هذا العميل داخل الصفوف، ولكنه تمادى في وقت لاحق فأصبح يتاجر بالمخدرات نفسها، بالإضافة إلى عدة أشياء أخرى. فتماما مثلما قد يميل الجَاسوس بين الإرهابيين إلى المشاركة في العمليات لـكي يحافظ على مصداقيته ويصمد في َ صفوفهم، قد يريد الجَاسوس بين المجرمين إبقاء يده في الجريمة.

وتصدر أنطونياديس قائمةَ أكبرِ عشرة متاجرين في بريطانيا، وقد كَانَ محميا ً من قبل مؤسسة الجمارك البريطانية؛ وهذا ما جعله بمأمن عن بقية الوحدات،  ففي التسعينيات أنشأت الشرطة والجمارك نظام كمبيوتر مشتركا ووضع لدى وكالة الاستخبارات الوطنية لمكافحة الإجرام. وعندما يصبح أحد الأشخاص هدفا للتحقيق لدى إحدى الوحدات، توضح "علامة" على اسمه في ذلك النظام لمنع بقية الوحدات من مطاردة الهدف نفسه وإفساد التحقيق . كانت هَذِهِ الطريقة لحمايته.

ثم لما توسعت تجارته إلى الخارج، صدرت مذكرة إنتربول من قبل اليونان تتهمه بالاتجار بالمخدرات، ولما وطأت قدماه ألمانيا تَّم اعتقاله بناء على هَذِهِ المذكرة. هُنَا رمت بريطانيا بكل ثقلها من أجل تخليصه وبناء عليه تحركت وزارة الخاَرِجَّية وأرسلت برقية إلى السفارة، لأنه مخبر حيوي لدائرة البريطانية في ألمانيا تبلغهم بضرورة إخراج أنطونياديس فورا وأن عدم الإفراج عنه سيمنع مواصلة عَمَلِّية حالية لمكافحةِ المخدرات... وإن ذلك سيجعل عَمَلِّية تجنيد المخبرين صعبة جدا وسيؤذي جهودنا الجماعية في نهاية المطاف بمكافحة المخدرات.

فعلق مفتش المباحث السابق جون كوليتر قائلًا: وصلتني معلومات مفادها أن كبار ضباط الجمارك سافروا إلى ألمانيا لضمان إطلاق سراحه. شعرت بالصدمة. لا يمكنني تصديق ما يجري. لقد كَانَ أحد أكبرِ عشرة تجارِ مخدرات في المملـكة المتحدة، وكان مشتبها فيه بالـكثير  من جرائم القتل .وقد كَانَ كوليتر نفسه مقتنعا ً بأن بعض المخبرين لم يكونوا يتلقون الحماية فحسب، بل يسمَح لهم بارتكاب جرائم أيضا، ومن بينها جرائم القتل، ونجح الضغط على ألمانيا وتم إطلاق سراح "أنطونياديس".

90

استغلال الحصانة أو الحماية من أجل تنفيذ عمليات القتل ليست حكرا على "أنطونياديس" فكذلك فعلها قبله رجل العصابات في أمريكا "جايمس وايتي" فقد تبين أنه مخبر لمكتب التحقيقات الفيدرالي، واستغل وضعه المحمي بتمرير معلومات عن العصابات المنافسة للإفلات من عواقب إحدى عشر جريمة قتل على الأقل.

بالجهة الأمنية عندما تجند المجرمين فمن الطبيعي أن تحصل الجرائم في عملهم السري، مما يجلب الحرج على الجهة التي يعملون بها إن اكتُشِفَ أنهم يعملون لصالحها، فقد كَانَتْ الشرطة في معظم البلدان تحتاج أن تدفع للمجرمين النشطين ليكونوا مصادر لها ولديها من محاولاتها الخفية للإطاحة بالرئيس السلطة القانونية لتفعل ذلك... وكان ذلك جزءا الـكوبي فيدل كاسترو، حَيْث اتصلت وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية  بعدة أعضاء من المافيا الأمريكية. وانكشاف هَذِهِ المسألة ضايق الوكالة لسنوات « ..

91

في الحصول على مصلحة آنية مقابل فوات الاهتمام بالتكتيك وإهمالُ الإستِرَاتيجَّيةِ يتمثل مصلحة أكبر في المستقبل، ومن صور هذا الخطأ ما حصل في ألمانيا عندما بعثت مخابرات ألمانيا الشرقية الزوجين الجاسوسين "آل غيوم" سنة 1956 للتغلغل في قيادة ألمانيا الغربية. انضم الاثنان إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي كَانَ فيه مستشار ألمانيا الغربية فيما بعد برانت، وأصبحت كريستل سكرتيرةً في مركز الرئيس المحلي.

وفي العام 1969 بعد نجاح غيوم في إدارة الحملة الانتخابية لوزير محلي، وبعد انتخاب و يلي برانت كأول مستشار للحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا الغربية؛ سأل غيوم هذا الأخير عما إذا كَانَ هنالك منصب له في دار المستشارية. وبعدها ترقى ليصبح أكثر معاون يثق به من القلة الذين يرافقون هذا الأخير وعائلته في الإجازات، وبحلول  1973  بدأ قسم مكافحة التجسس في ألمانيا الغربية يشك في أن آل غيوم جواسيس لاستخبارات ألمانية الشرقية، وفي مارس 1974 تَّم اعتقال الزوجان للاشتباه بهما بتهمة التجسس.

الفضيحة السِيَاسَّية التي نتجت عن هذا الاكتشاف هددت بسقوط الحكومة الائتلافية للحزب الديمقراطي الاجتماعي. فكاتم سر المستشار اتضح أنه جاسوس؛ استقال برانت لينقذ الحكومة، ولكن ليس نفسه.

كيف أثرت هَذِهِ الاستقالة على مصلحة ألمانيا الشرقية على المستوى البعيد؟ كَانَ برانت مهندس سياسة التقارب بين الشرق والغرب التي كَانَتْ مصلحة ألمانيا الشرقية. بمعنى لو لم يدمر هؤلاء الجواسيس مستقبل هذا الرجل لكان هذا في مصلحة بلادهم، وقد أقر لاحقا رئيس استخبارات ألمانيا الشرقية ماركوس وولف إن العَمَلِّية: ساعدت عن غير قصد  بتدمير مستقبل أكثر رجل دولة ثاقب النظر في ألمانيا حاليا.