DELMON POST LOGO

المسرحيون والدعم الرسمي والمجتمعي: تجربة البحرين نموذجا

إعداد الدكتور عبّاس القصّاب

يقول الدكتور جمال ياقوت إن المتتبع للمناهج التي تدرس في المعاهد والأقسام المتخصصة في الدراسات المسرحية في العالم العربي لابد أن يتوقف أمام التجاهل شبه التام – بقصد أو بدون – لتدريس الإنتاج المسرحي وما يتصل به من موضوعات، وهذا الكلام ربما يختصر عمق المشكلة المضطربة التي تعاني منها المؤسسات المسرحية.  

هنالك أهداف كثيرة تتوخاها الفرقة المسرحية التي تسعى إلى تحقيقها، وأهم الأهداف وأعمها هو عرض العمل المسرحي فوق الخشبة بالتصور المنشود، وبعده تأتي بقية الأهداف المنسدلة تحت العمل المسرحي المنبثقة من الرؤى الفكرية والفنية والإبداعية والفلسفية وغيرها التي يبنى عليها توجه الفرقة المسرحية التي تبذل الجهد الكبير من أجل الوصول إلى غايات هذا العمل ومراميه.

تبدأ رحلة العرض المسرحي من اختمار فكرة النص في ذهن المؤلف إلى عرضها على الخشبة بعد أن تمر بمراحل كثيرة وفق آليات وبرنامج مرتب يرافق ذلك كله احتياجات لوجستية وبشرية ومادية نضيف إليها الأمور التنظيمية واللوائح التشريعية التي تنظم العمل الفني والثقافي.

وهنا يأتي دور الإنتاج المسرحي كعمل إستراتيجي منظم من أول خطوة تخطوها الفرقة إلى آخر مرحلة في الإنتاج وهي التسويق، ويعرف الدكتور  رياض شهيد علي الإنتاج المسرحي بأنه "الاستخدام الامثل للعناصر والمفردات الانتاجية من فنانين وفنيين ومواد اولية لإنتاج عرض مسرحي يتضمن القيم الجمالية والفكرية التي يهدف إيصالها للمتلقي".

وأقول ومن دون تحفظ هناك حاجة ماسة إلى وجود إداري فنان ذي خبرة اقتصادية راجحة للتفكير في الإنتاج والاستثمار الإبداعي، ليضع خططا اقتصادية إبداعية تهدف إلى الاستقلال المالي، وترتيب بقية الأمور المالية بحكمة ودراية.

الحالة الثقافية والمسرح

فالإنتاج لا يعني الحالة الاقتصادية والمتطلبات المادية والبشرية فحسب، لكنه مرتبط أيضا بالقيم الجمالية والفكرية والثقافية، وهنا لا بد من وضع خط عريض تحت كلمة الثقافية، إذ العلاقة وطيدة ومتواشجة بين الإنتاج المسرحي والحالة الثقافية، حيث المسرح جزء أصيل لا يتجزأ من الحالة الثقافية لكل مجتمع،  فهو الذي يحدد المستوى الثقافي  المجتمعي وماهيته، وهذا يدعونا بحق إلى الوقوف على الحالة الثقافية المجتمعية، إذ يقول إبراهيم غلوم فبالكيفية التي يكون عليها نمط إنتاجنا للمجتمع من الناحية الثقافية يكون عليها مسرحنا أيضا، خصوصا أننا هنا في مملكة البحرين على سبيل المثال تنضوي الفرق المسرحية الأهلية تحت مظلة هيئة البحرين للثقافة والآثار، وتعمل تحت تشريعاتها ولوائحها التنظيمية.

وهذا يأخذنا الحديث عن الحالة الثقافية بصفة عامة وتعقيداتها، التي هي بحاجة ماسة إلى بلورتها إجرائيا بعيدا عن المعالجات النظرية، وفي هذا الجانب تبرز دراسة مهمة للأستاذ جاسم العالي في لملمة ما يعتري هذا المصطلح من تفريعات وتشظيات  حيث استعمل في دراسته مصطلح الهندسة الثقافية التي تعبر عن ضرورة هيكلة جديدة للثقافة في بلداننا التي عرفها على "أنها مجموعة من الأنظمة والأساليب والآليات التي تمكن كلا من القطاعات التي تشرف على الشؤون الثقافية بشكل مباشر وترتبط بها، والقطاعات التي تستخدم الثقافة كوسيلة إستراتيجية لتحقيق خططها بشكل غير مباشر من إجراء تعاملاتهم في الإطار الثقافي بطريقة فعالة ومستدامة".

وكما هو واضح من التعريف السابق أن الهندسة الثقافية تعنى بالجانب الاستراتيجي الإداري التنظيمي والتنفيذي المخططة والمعد لها مسبقا التي تتشكل منها الحالة الثقافية وما ينضوي تحتها من قطاعات فكرية وفنية وأدائية حتى تضمن فعاليتها واستدامتها وفق رؤية واضحة ومدى واسع.

وهذا ما يمكن مقاربته مسرحيا بالكمال والتمام في بلورة عملية الإنتاج المسرحي الذي بلا شك ودون ريب بالحاجة إلى فكر إستراتيجي إداري متقدم في قيادة الفرقة المسرحية للوصول بها إلى مستوى الطموح، وهنا أطرح سؤالا متكررا في كل المجلات العملية وفي تشخيص الضرورة الإدارية وعلاقتها بالتخصص العملي والسؤال هو:

هل يحتاج الإنتاج المسرحي إلى إداري مسرحي أم إلى مسرحي إداري؟ بمعنى أن الأول إداري أصيل له دراية بالمسرح، وأما الثاني فهو مسرحي أصيل له دراية بالإدارة، وهذا يجري على كل التخصصات العملية التي لا بد من وجود إدارة تدير العجلة الإنتاجية لها.

وهنا تتشأرب الأعناق إلى إستراتيجية المؤسسة الرسمية المتعلقة بالثقافة في رسم السياسات العريضة لتنمية الثقافة ومنها المسرح، بحيث يتسنم المسرح موقعه الطبيعي ضمن الأولويات الثقافية والفنية من خلال توفير مختلف الدعومات.

الإدارة الإستراتيجية المسرحية

مسرحيا تكمن الأهمية في وجود إدارة مؤهلة تمتلك خطة إستراتيجية تنظيمية رصينة باستطاعتها وضع الخطط المستقبلية التفصيلية الواقعية (من دون إفراط ولا تفريط) المنبثقة من دراسات واقعية ومسوحات موضوعية للوقوف على حقيقة مستلزمات العرض المسرحي ابتداء من شروط النص الإبداعي الجيد وفكرته ومخرجه وممثليه وفنيه ومستلزماته المالية والمادية واللوجستية والتنظيمية، أضف إلى أن يكون هم المسرحي الأول هو الحاجة  الشديدة للعمل المسرحي الجماعي الذي لا ينتمي إلى الفرقة بقدر ما ينتمي إلى "الحالة المسرحية،" المتجلية الصاعدة نحو النفاذ إلى عمق الوعي بالذات المسرحية، كما يقول أستاذنا الراحل الدكتور إبراهيم غلوم.

والأهم من كل ذلك دراسة الجمهور المحلي دراسة عميقة مستفيضة تبحث فيه سيكولوجيته، وواقعه، ومشكلاته، وثقافته، وطموحاته، والوسائط الإعلامية التي تحيطه علما وترغيبا لحضور هذا العرض، وهذا الجهد بحاجة إلى عمل دؤوب متقن وخبرات عالية.

الفرق شاسع بين الإدارة التقليدية والإدارة الإبداعية، إذ تركن الأولى إلى الاستسلام للواقع وتحاول إدارة المشكلة لا حلها، وهذا ما يوقعها في شرك المحبطات، وعدم التفكير خارج الصندوق، والبقاء في دائرة الاستسلام للمحبطات والعمل فيما تيسر فقط، بينما الإدارة الإبداعية هي التي تحول العقبات إلى فرص، تخرج من عباءة الواقع إلى ساحات الإبداع؛ ولتفترض أنها لن تحصل على الدعومات المأمولة، فهل ستوقف أنشطتها المسرحية، وهذا في ظني سيصيبها في مقتل، ولو رجعنا إلى الخلف قليلا وما حدث إبان أزمة كوفيد 19، كيف تفاجأنا جميعا بتوقف الأنشطة المسرحية، وذلك أولا وأخيرا لعدم وجود خطط طوارئ مسبقة لأي حدث من جانب، ولاستلامنا للواقع من جانب آخر، (علما بأن بعض الفرق استغلت فترة الإقفال مثلا في التدريبات وغيرها) بينما سارعت الفرق المسرحية في الخارج إلى ابتكارات عروض مسرحية وأهمها ما يعرف بالمسرح الرقمي الذي يتوقع أن يغير في مفهوم المسرح من حيث التعريف والشكل، وهذا ما نادى به العالي في دراسته وسماها باللجوء إلى البدائل الإبداعية، وهنا ينبغي أن نتمثل بهنريس إبسن الذي يقول "في وقتنا الحاضر يقوم كل عمل خلاّق بوظيفة تعديل المصائر".

الإدارة الإبداعية هي التي تبدع في حل المشكلة لا للوقوع فيها، وتستثمر كل فرصة لخلق عمل مسرحي وفق الإمكانات المتاحة والتكيف الذكي مع الظروف حتى تكون حاضرة وتقول نحن هنا وكما يقول أحد مخرجينا الكبار أنه يستطيع إخراج عمل مسرحي بتكلفة دينار واحد فقط؛ لأنه يمتلك رؤية إخراجية مغايرة، وهكذا إذا كانت الإدارة تملك أيضا رؤية إدارية مغايرة، فيكون هناك عملا إبداعيا مغايرا، وهذا ما سيجذب الجماهير وبأقل ما يمكن من تكلفة.

الجمهور لماذا لا يحبنا؟

إن الإشكالية الكبرى هنا تتمركز في المسافة الجدلية بين المسرح والجمهور، مسافة متذبذبة ضبابية إلى حد كبير، تصل إلى مستوى التنافر بين الطرفين، وبالذات فيما يتعلق بالفرق المسرحية الأهلية محور ورقتنا هذه، فالجمهور مبتعد كثيرا عن مسرح الفرق الأهلية فهناك غربة المسرح الداخلية التي يسميها الكاتب الإماراتي إسماعيل عبدالله، وذلك لعدة أمور استعرضها المرحوم الفنان البحريني الكبير الأستاذ إبراهيم بحر في دراسة أكاديمية للحصول على الماجستير بعنوان جدلية العلاقة بين تدهور الواقع المسرحي وعزوف الجمهور عن حضور عروض الفرق المسرحية الأهلية بمملكة البحرين: دراسة ميدانية عام 2013، حيث مرت عشر سنوات على إنجازها والأسباب في رأيي مازالت قائمة بل وازدادت تعقيدا لما انفتح في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، والتقنيات الرقمية الحديثة المبهرة ما لم يكن متوافرا يومئذ.

وأهم ما يمكن أن تنتبه إليه إدارات الفرق المسرحية الأهلية في دراسة بحر مجموعة من الأمور المهمة التي ينبغي بحثها ووضع الحلول الناجعة لتجاوزها مثل: ضعف ميزانية الإنتاج، وضعف النصوص ، وضعف الدعاية والإعلان، وعدم دعم الفرق الفنية من قبل الجهات ذات العلاقة، إضافة إلى القالب الدرامي المطلوب، ولهجة العرض وفكرته وموضوعه ونوعه، وغير ذلك من الأسباب التقليدية التي قتلت عرضا ونقاشا منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة في مؤتمر صحافي أيضا لفرقة الصواري في صحيفة الأيام.

هنالك أسباب أشد ضراوة مما ذكر تتمثل في الحالة الثقافية السائدة لدى الجمهور نفسه، وتغير ذائقته الجمالية والفنية، وتبدل توجهاته الفكرية، فنحن نعيش ما بعد الحداثة وما بعد بعد الحداثة، وهذا له أثره في البنى الثقافية والفكرية والفنية والأدبية، فهناك من المغريات الكثير غير المسرح، فربما يذهب إلى مشاهدة فيلم سينمائي بتقنيات إلكترونية ورقمية عالية جدا، وخيارات أو عناوين مختلفة مطروحة له بوسائل إعلامية متنوعة، وبتصاميم مغرية، مقابل ثلاثة دنانير في قاعات مكيفة، ومعدة بأفضل التقنيات الحديثة، ومتوافرة في المجمعات التجارية المنتشرة في مختلف مناطق المملكة مع توفير عروض ترويجية مختلفة، ولذلك الحاجة ماسة إلى دراسة سيكيولوجية التلقي لتشخيص هذا المشكل وتحديده ووضع العلاجات الناجعة.

ولدى الجمهور هاجس في رؤيته لعروض المسارح الأهلية التي يعتبرها خاصة بالمثقفين وبعيدة عن فهمه وإدراكه، وبالأخص إذا كان العمل تجريبيا، ويرد غلوم تراجع المسرح إلى دخول التجريب من غير دراية ومن ثم انعكس ذلك كشرخ في البنية الثقافية المسرحية.

ولا ننسى أيضا أن شاشات التلفزيونية الكبيرة دخلت المنازل وبأسعار في متناول الكثير من المواطنين، وذات تقنية ومواصفات عالية المستوى من حيث دقة الوضوح والتضخيم الصوتي ما يغري المشاهد على البقاء في منزله ومشاهدة ما يريد من دون عناء، وربما باشتراكات تلفزيونية ليست بذات بال.

وخطر آخر يتمثل في القادم بقوة في مجال الفن والدراما وهو الذكاء الاصطناعي الذي غزا مختلف المجالات، ومنه المسرح الرقمي، وبات في الدراما يهدد وجود الممثل والمخرج والمنتج ولن نتحدث عن السينوغرافيا والإكسسوارات فهذه من الأمور البديهية اليوم في هذا المجال التي يستطيع أصغر المصممين في إنتاجها بيسر وسهولة ومن دون صرف فلس واحد، ولذلك يقول هنريك أبسن "في وقتنا الحاضر يقوم كل عمل خلاّق بوظيفة تعديل المصائر".

أمام هذه التحديات الكبيرة التي أبعدت الجمهور عن المسرح وجعلته نخبويا بالنسبة للفرق المسرحية الأهلية، وجماهيريا في المسرح التجاري (الخاص) الذي يلاحق الأعمال الكوميدية التي ربطت مفهوم المسرح عند الكثيرين بالضحك والتسلية والترفيه، فكيف ستتعامل إدارات الفرق المسرحية معها، فهل تتنازل عن رسالتها الفنية من أجل الجمهور (الجمهور عاوز كده) أم أنهم يبقون منعزلين في مسرحهم الجاد البعيد عن الناس؟

هنا لا بد أن تركز الإستراتيجية الإدارية المسرحية على الموازنة الدقيقة والحصيفة بين الرسالة الثقافية والفنية والمتطلبات المالية والمادية والبنى التحتية اللوجستية والإنسانية للمسرح من جهة، واحتياجات الجمهور ورغباتهم من جهة أخرى.، فالجمهور كما يقول عنه بريخت: " إن الجماعة لا يمكن أن تنتج إلاّ أعمالا تحول الجمهور نفسه أيضا إلي مجموعة، وهذا بطبيعة الحال لا يعني التنازل عن رسالة المسرح الواعي، ولكن فليكن هناك عصف ذهني في مناقشة الرؤى الوازنة، وهنا يبرز دور الدعاية والإعلام والترويج.

ويمكن في هذا الجانب أن نسأل أين مسرح الطفل؟ فهناك ضمور في التعاطي معه إلا فرقة مسرح البيادر، وطبعا هناك الكثير من المعيقات الموضوعية لا شك، ولكن من المؤكد أن الأطفال الذي ينشأون على حضور المسرح؛ ليكون جزء من تكوينهم الثقافي والفني والأدبي، حتما سينشأ جيل منغمسا في المسرح ومحبا له، ما سيدفع كل الحركة المسرحية إلى الأمام وبأقدام راسخة.

الدعاية والإعلام والترويج: سر النجاح

من أهم شروط الاستدامة لعمل أو مشروع ما هو قوة الدعاية والترويج له بالوسائل المؤثرة والمقنعة الحديثة المتناسبة ووعي الجمهور بحيث تصله الرسالة الإعلانية والترويجية واضحة وسهلة ومشوقة، وهذا ما ينبغي أن يؤخذ في الحسبان مسرحيا، فهناك الكثير من أهداف الدعاية والإعلان المسرحي التي ذكرها الدكتور رياض شهيد علي في دراسته " المعنونة بموازنة الانتـــاج والترويــج للعرض المسرحي العراقي، ألخصها فيما يأتي:

1-   تحقيق زيادة في عدد أيام العرض المسرحي.

2-   خلق الوعي والاهتمام بالعرض المسرحي من خلال طرح الأفكار الجيدة والمؤثرة بالجمهور.

3-   دعم الروح المعنوية للكادر التمثيلي والانتاجي

4-    التأكيد والاهتمام بالفرقة المسرحية التي تنتج العرض المسرحي وجعلها مفضلة لدى الجمهور عن بقية المنظمات الفنية الأخرى.

5-   توسيع القاعدة الجماهيرية بالنسبة لرواد العرض المسرحي.

6-   زيادة الإيرادات المالية وبالتالي التخفيض من كلف الانتاج للعروض المسرحية.

7-   التذكير الدائم من خلال الإعلان بالفرقة المنتجة للعروض المسرحية.

إن خوض العملية الإعلامية والترويجية ضمن الإستراتيجية العامة للفرقة المسرحية وجعلها أحد المحاور الرئيسة فيها حتما سيعطي للفرق المسرحية الأهلية زخما كبيرا في الأوساط المجتمعية.

الدعم الرسمي والشراكة المجتمعية

كما سبق وأوضحنا أن الفرق المسرحية الأهلية منضوية تحت هيئة الثقافة والآثار، وهناك دعم مالي سنوي يتفق الجميع على عدم تلبية ولو جزء يسير من الطموحات العريضة للفرق المسرحية، فهذا ما أثر كثيرا على النشاط المسرحي، ناهيك عن المحبطات الأخرى من عدم الإيمان هذه الجهة أو تلك بالفن المسرحي ودوره الثقافي والفكري وكونه بؤرة تنوير متقدمة بين مختلف الفنون، إذ يقول غلوم عدم الاعتراف بالمسرح كمنظومة في إنتاج المعرفة، أضف إلى ذلك شح الموارد المالية الأخرى وضعف البنية التحتية للفرق المسرحية لافتقارها صالات التدريب والعرض ولن أطيل حيث لن ننتهي، وهذه المعيقات يعلمها أصغر منتسب في أي فرقة مسرحية، وكذلك بالنسبة للشراكة المجتمعية ذات الدور المحدود جدا، وتحتاج إلى حزمة من الآليات حتى تستفيد الفرق من دعمهم، وأرى أهمها اقتناع هذه المؤسسة أو تلك بالدور المسرحي وخصوصا في مديات انتشار الأعمال المسرحية للفرق حيث تكون الرعاية حاضرة بمختلف مستوياتها الذهبية والفضية والرعايات الأخرى، وهذا يرجعنا إلى المربع الأول المتعلق بجماهيرية العمل المسرحي ونجوميته، والحاجة ماسة إلى وجود كادر إداري متمرس ذي خبرة وطيدة بالتعامل مع المؤسسات المجتمعية لإقحامها في الدعم المسرحي بعد أن تؤمن به وبأدواره المختلفة، لأن هذا يتطلب إعداد ملف شامل مقنع يؤدي إلى الشراكة المجتمعية المستديمة وليس لمناسبة أو ظرف طارئ يسلم إلى الجهات الأهلية الداعمة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العملية التطوعية المنخرطة في الفرق المسرحية الأهلية ستساهم حقا في تخفيف الكثير من الأعباء على تلك الفرق حينما يبادر المتطوعون في سد الفراغات وتغطيتها من دون الحاجة إلى الاستعانة بجهات خارجية بكلفات باهظة.

التدريب والتطوير وصنع النجوم

الممثل هو العنصر الرئيس في العرض المسرحي، وكثير من الممثلين لا شك يمتلك موهبة فطرية في المحاكاة والتقليد وهي طبيعة إنسانية، ولكن تنمو هذه الملكة وتتطور مع التدريب المنهجي المركز وذلك بصورة تكوينية مستمرة لا تتوقف، لأن الممثل كما يقول أستاذنا الدكتور إبراهيم غلوم لأنه أصبح بؤرة تحتشد حولها جميع محاولات التنظير في المسرح المعاصر، فلم يعد ممكنا في الوقت الراهن تصور قيام أي اكتشاف مسرحي في معزل عن الممثل أداء وحركة وصوتا ولغة ألخ..

ولكن هذا التدريب والتطوير لا بد وأن يخرج من التدريب التقليدي المرتبط مثلا بالبروفات، بل بالمعرفة على الأقل بمدارس التمثيل المشهورة كمنهج ستانسلافسكي وبريخت وغروتوفسكي على أيدي مدربين ذوي خبرة ومراس ومعرفة عميقة بتلك المناهج، أضف إلى ذلك متابعة وتقفي ولو بجزء يسير بالنظريات الحديثة في التمثيل والفنون الأدائية المختلفة، ومشاهدة العروض المختلفة لاكتساب الخبرات وتنميتها، والحرص على دراسة الانتقال إلى الاحتراف.

وخير فعل مسرح الصواري في تنفيذ مجموعة من الورش التدريبية والمختبرات الفنية وكذلك مسرح جلجامش لاستكشاف ممثلين ومخرجين وسينوغرافيين جدد وتدريبهم، ولكن هذا لا يعني ترك الممثلين المتمرسين؛ فلا بد وأن ينخرطوا في برامج ومختبرات تدريبية متتابعة حيث هنالك الجديد الدائم في فن المسرح، ويتوقع أن تكون مخرجات هذه الدورات بروز عدد من النجوم في المسرح الذين سرعان ما يختطفهم التلفزيون والسينما، وهذا تحد آخر.

زبدة القول

ما أود التركيز عليه في هذه الورقة هو ضرورة وجود الإدارة المسرحية الواعية التي تنتج عملا مسرحيا كبيرا واعيا يستقطب جمهورا واسعا بأقل التكاليف، وأبسط الاحتياجات. (هنا التحدي والتمايز).

التوصيات

أولا: الجانب الإداري

- ضرورة وجود إدارات مسرحية متقدمة ذات دراية عميقة بالشئون الإدارية والاستثمارية وذات رؤى فنية بصيرة.

- الاهتمام بالأساليب الجديدة في الإنتاج الفني والإبداعي وفي الاستثمار الذكي.

- الاهتمام بالجانب الإعلامي الجديد والدخول في عالم المسرح الرقمي والاستفادة من فنياته.

- عمل خطة إدارية متكاملة تحدد الأهداف والموارد البشرية والمالية واللوجستية والمدد الزمنية وإستراتيجيات التنفيذ وتقييم وتقويم كل جهد مسرحي تقييما موضوعيا وفق معايير الجودة في إطار منظومي متكامل.

ثانيا: الجانب الفني

- تنشيط مسرح الطفل والاهتمام به، بحيث تكون لكل مسرح فرقة لمسرح الطفل.

- إعداد وتنفيذ الورش والمشاغل التدريبية والمختبرات الفنية وفق خطة متكاملة لجميع الفنانين الفنيين.

- الرجوع إلى المسرح الجماهيري عن بوابة الموروث الشعبي بحيث ألا يتعارض ذلك مع توجهات الفرقة ورسالتها الفنية.

ثالثا: اتحاد المسرحيين البحرينيين

- تفعيل دور اتحاد المسرحيين ليكون جسر التواصل مع الهيئات الرسمية والخاصة

- إقناع المجتمع المدني بأدوار المسرح الفنية والثقافية لا استجدائه.

- تأسيس مركز بحوث ودراسات مسرحية متخصصة.

- إعداد لقاءات مجدولة تجمع الفرق للمناقشات الفنية والنقدية والإدارية والتعاونية.

- العمل على تكامل الفرق المسرحية فيما بينها.

- التركيز على الجانب الإعلامي ووسائل التواصل الإعلامي المنتشرة.

رابعا: الجهات الرسمية

- تحديث التشريعات الرسمية ولوائح الاشتغال المسرحي.

- استشعار احتياجات العمل المسرحي والعمل على تقديم ما يمكن تقديمه لهم.

- الدعم اللوجستي بما يتوافر من أجهزة وأدوات إنتاجية وصالات وإعلام بمختلف أنواعه.

- ﺗﺸﺠﯿﻊ الجهات الرسمية ﻋﻠﻰ ﺿﺦ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ؛ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻋﻮاﺋﺪ اﻗﺘﺼﺎدية .