DELMON POST LOGO

امرأتنا في الشريعة والمجتمع للشيخ الطاهر الحداد .. تحرر المرأة -2

الشرع يوافق على الطلاق في حالة عدم القدرة على الجماع .. ويرفض طلاق الغائب لفترة طويلة اذا وفر للزوجة  النفقة !!

ان قسما كبيرا من كتابات رواد التنوير والإصلاح في الفكر الإسلامي خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر لايزال بعيدا عن الضواء ، ومن ثم لايزال محدود التاثير في مواجهة المشاكل التي تواجه مجتمعاتنا خصوصا في مجال الاسرة .

" دلمون بوست " تستعرض احد كتب التنوير وهو كتاب ” امرأتنا في الشريعة والمجتمع للشيخ الطاهر الحداد" والذي صدر عام 1929 من مؤلفه التونسي من جامعة الزيتونة .

في القسم التشريعي ، يرى الحداد ان التشريع الإسلامي يتميز بالتدرج ،وان هذا التدرج لا يقف عند جيل او قرن ، فيتعين التمييز بين الثابت والمتحول ( البعض يرى ان التدرج في أصول التشريع مقتصر فقط على زمن النبي محمد ) .

واهم القضايا الذي ناقشها الحداد في كتابه المتصلة  بالمرأة والاسرة والمجتمع وتطبيق نظريته في التشريع المتدرج في مواضيع عدة ، تحدثنا في الحلقة السابقة عن الميراث .

الحجاب :

بقول الحداد ، ان الحجاب الذي تقرره على المرأة كركن من اركان الإسلام سواء في مكثها بالمنزل او وضع النقاب على وجهها ، ليس المسائل التي يسهل اثباتها في الإسلام ، بل ظاهر الاية يرشد الى فيه لما في ذلك من الحرج المضني .

وتطرق الحداد الى الاية 30 و 31 من سورة النور : " قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ (30) وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ .. ".

وكان الحجاب في عصر الحداد ( وحتى الان في بعض الدول الإسلامية ) كان يعني ستر الوجه كله مع ستر الأطراف ، وهذا ما رام معارضته ، اذ ليس في ظاهر الاية ما يشير الى فرضه ، خاصة ان كثيرا من الفقهاء قد نص منذ القديم على ان الوجه والكفين ليسا بعورة تحجب على الأنظار . والرسول (ص) هو الذي استثنى الوجه والكفين من ان تغطيهما المرأة .

فالمهم هو ان تتمكن المرأة من المشاركة في الحياة العاة وان لا يكون الحجاب جاجزا بينها وبين المجتمع ، الا ان رأيه في التدرج يعني أيضا مراعاة تطور الأعراف ، فما تتحقق به الفضيلة يختلف بحسب طبيعة المجتمع وتغير العصر ، والمهم تحقق الفضيلة في المجتمع وليس تعيين لباس بعينه ، وهذا المقصد يهم الرجال والنساء على حد سواء ، فلا معنى الدرء الشبهات بالاثقال على المراة وحدها.

ومن المعلوم ان قضية السفور والحجاب قد طرحت منذ صدور كتاب " تحرر المرأة " لقاسم امين عام 1899م . فموقف الحداد ينخرط في هذا الجدل ، وكان من الطبيعي ان تلقى تأويلاته معارضة العديد من التونسيين ، كما كان الشأن مع قاسم امين في مصر.

الزواج ..

يدعو الحداد الى إعادة الاعتبار الى جانب العاطفة في عقود الزواج ، ويذكر بالايات القرآنية التي تشير الى أهمية هذا الجانب ، ويرى ان الفقهاء قد فرطوا فيه بتحويل عقد الزواج الى عقد شكلي.

فمن اهم ما ينبغي ان يترتب على مراعاة الجانب العاطفي في الزواج تكريس حرية الاختيار بين الزوجين ومع ل حالات تزويج المرأة دون رضاها او دون اختيارها ، واعتبارها هي دون وليها الطرف المباشر لعقد الزواج ، ومن اهم ما يترتب أيضا منع زواج البنت قبل البلوغ ، لانها تكون دون ذلك فاقدة القدرة على الاختيار الصائب لشريك حياتها ( وهذه الشروط قد تمت تلبيتها في مجتمعاتنا في الوقت الحاضر ) .

ويرد الحداد على القائلين بان المرأة قد لا تحسن الاختيار ، بانه امر وارد في شأن الولي أيضا ، وان الأولى تثقيف البنات وتهذيبهن ليكن قادرات على حسن الاختيار بدل وضعهن تحت وصاية الاولياء ، ويعيب الحداد تعريفات الفقهاءالمتاخرين لعقد الزواج ويقول " واما ما قاله بعض الفقهاء من اني الزواج مجرد متعة ولذة الرجل توجب عليه نفقة لزوجته ، وان المرأة نوعان ، شريف لا تجب عليه مساعدة زوجها في شيئ ، ووضعية  يجب عليها ذلك كأمثالها ، فهذا مما لا يتفق مع روح الشريعة ونصوصها ، وانما هو روح العائلات الكبرة التي تعود غشيان أعتابها القائلون بهذا الرأي ، وما ظنك بأمرأة عمل لها غير تمكين زوجها منها كما يقولون ، فهي ليست الا وباء في ثروة زوجها تبيدها في تعمير وقتها الفارغ بالملاذ والشهوات المجددة بتجدد الليل والنهار، وهذا ما يسقط اكثر من هذه العائلات في حضيض الفقر والتعاسة ، وما كا أولى بهذه المرأة ان تكون الوضيعة لا الشريف ".

وعن العلاقات الجنسية بين الزوجين ، يقول ان توجد علاقات جنسية بين الزوجين يعتبر مقصد من مقاصد الزواج ، لذلك يرى العمل برأي من يقول من الفقهاء انه من حق المرأة المطالبة بفسخ عقد الزواج اوالمطالبة بالطلاق اذا تاكدت ان من عيوب الزوج عدم القدرة على الجماع ، لكنه يذهب الى ابعد من ذلك فيرى ان الزوج المفقود او الغائب ينبغي ان يقاس على هذه الحالة ، فلا يكفي ان تتوفر للمرأة النفقة ، فاذا طالت غيبة الزوج اصبح من حق المرأة الطلاق منه ، والطول في رأيه ينبغي ان لا يبلغ السنين .

مما يدعو اليه الحدا أيضا في مجال الزواج المطالبة بمنع المسلمين من تعدد الزوجات ،فقد ذهب الى ان الإسلام لم يشرع التعدد لكنه قصد الحد التدريجي من هذه الظاهرة التي يصفها بانها " سيئة من سيئات الجاهلية الأولى " ، فقد كان العرب يعددون الزوجات دون حد ، ففرض عليهم الاكتفاء بأربع ، ثم شرط عليهم التسوية كما في الاية 129 سورة النساء : " وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً". وتأكدت استحالة هذه الشرط بالاية الأخرى ، النساء سورة 129 : " وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ ".

فروح الإسلام تقتضي ان يقوم الزواج على العاطفة ، وهذا يقتضي ان ينفرد الزوج بزوجته والزوجة بزوجها ، ولا يمكن ان يتحقق العدل الا على هذا الوجه ، فمواصلة التدرج في التشريع تقتضي بلوغ حد الزوجة الواحدة فقط ، ولئن لم يفرض الإسلام ذلك فرضا فلانه كان يراعي عسر الانتقال من التعدد الذي لا حد له الى الزوجة الواحدة ، اما وقد تعود الناس على تحديد عدد الزوجات وتغيرت طبيعة العصر فقد اصبح مطلوبا التخلي عن تعدد الزوجات ، ولا شك ان من بين مسائل الزواج كان موقف الحداد في هذه المسألة الأكثر اثارة للجدل ولحقه بسبب اذى كبير اذ اتهم بتعطيل نصوص شرعية وتأويل بعض ايات القرأن تاويلات لم يسبق اليه احد .

وفي الحلقة المقبلة موقف الشيخ الحداد من الطلاق .

مواضيع لها علاقة ..

امرأتنا في الشريعة والمجتمع للشيخ الطاهر الحداد .. تحرر المرأة – 1

https://www.delmonpost.com/post/th01