DELMON POST LOGO

امرأتنا في الشريعة والمجتمع للشيخ الطاهر الحداد .. تحرر المرأة -3

ان قسما كبيرا من كتابات رواد التنوير والإصلاح في الفكر الإسلامي خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر لا يزال بعيدا عن الضواء، ومن ثم لايزال محدود التاثير في مواجهة المشاكل التي تواجه مجتمعاتنا خصوصا في مجال الاسرة.

"دلمون بوست" تستعرض احد كتب التنوير وهو كتاب ”امرأتنا في الشريعة والمجتمع للشيخ الطاهر الحداد "والذي صدر عام 1929 من مؤلفه التونسي من جامعة الزيتونة.

واهم القضايا الذي ناقشها الحداد في كتابه المتصلة بالمرأة والاسرة والمجتمع وتطبيق نظريته في التشريع المتدرج في المواضيع التالية:

الطلاق:

حث الإسلام على حسن معاشرة المرأة، واعتبر ابغض الحلال تطليقها، لكن الرجال المسلمين توسعوا حسب قول الحداد في الحقوق التي منحت لهم، واغلقوا باب التدرج للرقي بأحوال المرأة وحقوقها، ورأي الحداد ان اكبر شاهد على هذا الانحراف يتمثل في توسيع دائرة الطلاق وتضييق سبل تعويض المرأة عند ايقاعه، فقد اصبح الالتجاء الى الحكمين من النوافل، واصبح الطلاق انتاقميا من المرأة، يحصل بمجرد تلفظ الرجل بلفظه، ولو كن على سبيل الهزل او اذا كان دافعه الغضب او السكر، بل ذهب البعض الى وقوع الطلاق بالكتابة فضلا عن صريح اللفظ، وامضى كثير من الفقهاء الطلاق بالثلاث.

لما كانت المرأة في الغالب عاطلة عن العمل (في ذلك الزمن)، فان إيقاع الطلاق بها يعني الرمي بها الى المجهول يتلاعب بها، او اعادتها الى بيت ابويها منكسرة ذليلة، فلا هي مهيأة لان تخوض بنفسها غمار الحياة الاجتماعية، ولا هي منتفعة بقية حياتها بما يضمن لها العيش الكريم، وربما تجاوزت المأساة شخصها لتشمل غير المرغوب فيهم من أبنائها، فتشرد اسر لمجرد ان الاب قد تلفظ في حال غضب او سكر بكلمة الطلاق، وربما ندم على ذلك بعد ساعات، لكن امضاء الطلاق بالثلاث يفوت عليه إمكانية التدارك، وقد تجيد الزوجة نفسها فجأة دون ذنب منها اوتقصير، اذا ما تلفظ الزوج بطلاقها لمجرد انه غضبا في متجره او في مجلس لهو ما اصحابع.

يقول الحداد،" اذا تأملنا حقيقة ما نحن عليه اليوم وقل اليوم، سواء اكان الطلاق بيد الرجل راجح او بيد المرأة، فلا نجد لا مأساة تبدد اوصالنا، وضحايا بريئة متكررة في كل يوم، فالرجل منا يضايقه حرقاؤه بالسوق او رفقاءه فيلجأ الى الحلف له بطلاق زوجه، بكل أنواع الطلاق، اما ليثقوا بما يقول او مهددا بذلك خصم او خصوما، والرجل منا يثور على زوجه لتافه الأشياء فينتفض كالغبار ويسب ويلعن ويعقد أنواع الطلاق لا الى الثلاث كما دد الإسلام ولكنه يبلغ به المئات الآلاف... لقد أوسع الفقهاء الخرق اكثر من ذلك ففسروا الطلاق لا بانه إرادة وفعل، بل بانه صدور لفظ في غير نوم او سه او اكراه، سواء كان هذا اللفظ صريح الدلالة على الطلاق او كناية عنه ".

ان الامر الذي اثار الجدل هو الحل الذي اقترحه الحداد لمواجهة هذا الخرق المتسع، كما يصفه، لا يرى علاج لدرء هذه الحالة الا تحكيم القضاء في كل ما يقع من حوادث الطلاق، وتأسيس محاكم خاصة تواصل المعاشرة بين الزوجين، ويمكن لكل منهما أي الزوج والزوجة، ان يلتجئ اليها لطلب الطلاق فمحاكم الطلاق هي وحدها القادرة على الحد من تجاوزات الرجال في إيقاع الطلاق بزوجاتهم دون موجب نوهي السبيل في رأيه للحد من الانحلال الاسري في المجتمع.

وهو ينفي ان يوجد نص شرعي صريح يمنع تعليق الطلاق بحكم المحكمة، ويقيس المسألة على جرار الحجر على المتصرف في ماله اذا صرفه في غير المصالح. فكذلك يمكن للمحكمة ان تحجر على الرجل التصف في حقه في الطلاق اذا استعمل هذا الحق في غير ما أراده الشر واقتضته مصلحة الاسرة.

ولا يرى ضرر في وضع الطلاق بيد المحكمة وهي التي تنظر في مسائل الايلاء والظهار وفسخ عقود الزواج وغير ذلك من القضايا المشابهة.

ويترتب على هذا المقترح إقرار التعويض المالي الاجباري للزوجة في حالة الطلاق العشوائي، فمن صلاحيات هذه المحكمة التي دعا الى نشائها تقدير التعويضات حسب الحالات المختلفة للطلاق، ومن المفهوم طبعا ان هذه التعويضات تتجاوز الامتاع بمعنى النفقة والسكنى مدة العدة او الإيفاء بما تبقى من الصداق، ذلك اننا اذا قبلنا مبدأ ان تطليق المرأة دون موجب شرعي وحقيقي يمثل اضرارا بها، فان مسألة التعويض ستطرح من باب جبر الضرر، وستكون مبالغ التعويضات اهم بكثير مما معمول به في عصر الكاتب وبيئه.

فالطلاق حق للرجل او المرأة اذا استحالت المعاشرة بينهما، لكنه يلحق بالمرأة اذا لجأ اليه الرجل دون مبرر، وينبغي في كل الحالات ان يقع حكم القضاء وليس بمجرد تلفظ الرجل به كي يمكن للمحكمة ان تقدر حق التعويضات الممنوحة للمرأة.

وفي الحلقة المقبلة مقترح الشيخ الحداد من الشرع المتدرج .

مواضيع ذات صلة ...

امرأتنا في الشريعة والمجتمع للشيخ الطاهر الحداد .. تحرر المرأة – 1

https://www.delmonpost.com/post/th01

امرأتنا في الشريعة والمجتمع للشيخ الطاهر الحداد .. تحرر المرأة – 2

https://www.delmonpost.com/post/th02